حكومة الإطار والقوات الأمريكية.. مكاسب أم تبدل مواقف؟

فتحت مطالبة رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، واشنطن بـ”توطيد” العلاقة في ما يخص قوات التدريب…

فتحت مطالبة رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، واشنطن بـ”توطيد” العلاقة في ما يخص قوات التدريب والمشورة الأمريكية الموجودة في العراق، الأبواب على تساؤلات عدة حول موقف الإطار التنسيقي الرافض لوجود هذه القوات، لكن مراقبين سياسيين وأمنيين، أكدوا أن هذا التوجه نابع من وجود التحالف الشيعي في السلطة، ولو كان خارجها لرفضه، لكنهم أشاروا أيضا إلى أن السوداني يحاول الحصول على مكسب من هذه الدعوة على عكس سلفه، بمقابل ترحيب الإطار بالخطوة وعدّه الولايات المتحدة “لاعبا مؤثرا” في المنطقة.

ويقول الخبير الاستراتيجي أحمد الشريفي خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “كل التفاهمات والاتفاقيات والحوارات بين العراق والولايات المتحدة الأمريكية تصب في إطار تحقيق بنود اتفاق الإطار الاستراتيجي، المعنية بالجوانب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية”.

ويضيف الشريفي أن “غض الإطار التنسيقي الطرف عن أي تحرك حكومي للتعاون مع الولايات المتحدة ناتج لحصولهم على السلطة، فلو كانوا خارجها لعارضوا السوداني كما عارضوا الكاظمي”.

ويشدد على أن “هذا اللقاء والتفاهم الثنائي يجري بمباركة ألمانية، فألمانيا هي البلد الأكثر تضرراً من العقوبات الأمريكية المفروضة على روسيا، نتيجة تعطل مشاريع اقتصادية مهمة بينها وبين روسيا، تبعاً لذلك فالولايات المتحدة جادة بإرضاء ألمانيا واستمرار علاقات دافئة معها، عبر إعطائها فرصاً اقتصادية مهمة في الشرق الأوسط، مع تأمين موارد للطاقة، يمكن لها تعظيم ثروة ألمانيا، والعراق هو المركز الرئيس لهذا التعويض”.

ويكمل الشريفي أن “عجلة الاستثمار في الغاز الطبيعي بدأت بالدوران في العراق بمباركة دولية، وغاز العراق متجه نحو تعويض النقص الكبير في أوروبا، عبر بوابتي الأردن في ميناء العقبة، وسوريا في ميناء اللاذقية، وسوف نتابع سوياً بعد أيام زيارة وزير الخارجية السعودي إلى سوريا، لتقديم طلب رسمي بجعل سوريا معبرا للطاقة إلى أوروبا، مع تحييد وعزل تركيا وإيران، وهذا لا يخلو من تنسيق روسي أمريكي، ينتج عن إرخاء قبضة روسيا في الشرق الأوسط، وبالمقابل تخفيف الضغط على روسيا في أوكرانيا”.

وكان رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، التقى يوم أمس في مدينة ميونخ الألمانية وزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكن، وخلال اللقاء كشف السوداني رغبة العراق في توطيد التعاون مع الولايات المتحدة لمحاربة الإرهاب، في إطار تقديم التدريب والمشورة وتبادل المعلومات للقوات الأمنية العراقية، بما يحفظ سيادة العراق واستقلاله، فيما أشار بلينكن إلى تثمين حكومة الولايات المتحدة الأمريكية دور العراق الإقليمي في تثبيت الاستقرار، مجدداً الدعم للحكومة العراقية في خططها التقدمية والإصلاحية والتطويرية في مختلف الصُّعد والمجالات.

وأعلن رئيس الحكومة السابق مصطفى الكاظمي، في 31 كانون الأول ديسمبر الماضي، انتهاء الدور القتالي للقوات الأمريكية وقوات التحالف الدولي في العراق، وانه تم استلام كل المعسكرات من قبل القوات العراقية، وأكد آنذاك أنه “يتواجد حاليا عدد من المستشارين يعملون إلى جانب قواتنا الأمنية”.

وبعد أن كان ملف إخراج القوات الأجنبية من العراق، من أبرز ما نادى به الإطار التنسيقي خلال الحكومة السابقة، واستخدمه ضدها، اتخذت الحكومة الحالية المشكلة من قوى الإطار، الصمت تجاه هذا الملف، وهو ما ربطه محللون سياسيون حسب تقرير سابق لـ”العالم الجديد”، بهدنة أمريكية إيرانية، بالإضافة إلى عدم التأثير على حكومة السوداني.

من جانبه، يرى النائب عن الإطار التنسيقي ثائر مخيف، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “حكومة السوداني تختلف عن الحكومات السابقة منذ العام 2003 إلى الآن، ويتبين ذلك بسياسة الانفتاح على جميع دول العالم، ولقاءاته المتكررة مع قادة العالم تعطي دلائل واضحة بهذا الشأن، وليس لقاؤه الأخير مع وزير الخارجية الأمريكي إلا دليلاً على اختيار العراق حلفاءه تبعاً للمصالح المتبادلة، والاحترام المتبادل، والتوازن بين الأقطاب”.

ويضيف مخيف أن “السوداني يتجه لمسك العصا من الوسط، فهو يعلم جيداً أن الولايات المتحدة لاعب مؤثر في المنطقة، والعراق يمر بمرحلة الانفتاح على المنطقة، ويحتاج لتقوية العلاقة مع الجانب الأمريكي لتقوية علاقاته مع محيطه في الشرق الأوسط”.

ويضيف: “نحن مع تقوية الاقتصاد العراقي، ولاشك أن السوداني يسير بهذا الاتجاه، وما دام ذلك يحقق مزيداً من المصالح للشعب فإننا داعمون له، والجميع يعلم بأن الدولار قضية مرتبطة بالولايات المتحدة، ولابد من وجود تفاهمات بهذا الشأن”.

ومنذ عامين، صعدت الفصائل المسلحة وقوى الإطار التنسيقي من مطالباتها بإخراج القوات الأمريكية من العراق، وضغطت بكل السبل لتحقيق هذا الأمر، وهذا إلى جانب ظهور فصائل بأسماء وهمية، تبنت كافة عمليات استهداف المصالح الأمريكية في العراق.

جدير بالذكر، أن استهداف المصالح الأمريكية عبر الطائرات المسيرة والصواريخ، كان حاضرا في ذروة الأزمة السياسية التي استمرت لأكثر من عام، حيث جرت استهدافات عدة ومن أبرزها ضد القاعدة العسكرية الأمريكية قرب مطار بغداد الدولي، وذلك في أيار مايو 2021.

يذكر أن السفيرة الأمريكية لدى العراق إلينا رومانوسكي، عقدت مع رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، لقاءات كثيرة، وكانت من أكثر الشخصيات الدولية التي التقت به، بداية من تكليفه بتشكيل الحكومة وبعد منحه الثقة من البرلمان.

وكانت واشنطن أكدت دعمها لحكومة السوداني، بأكثر من مناسبة، وعبر مسؤولين رسميين في وزارة الخارجية الأمريكية وغيرهم.

إلى ذلك، يؤكد المحلل السياسي راجي نصير، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “الفرق بين موقفي الكاظمي والسوداني من القوات الأمريكية يكمن في أن الأول، يريد إبقاء القوات، لكنه في الوقت ذاته كان يروج لانسحابها، دون الحصول على أي مصالح للعراق، أما السوداني فإنه على علم بأن الولايات المتحدة لن تنسحب من العراق، لذلك فإنه يحاول استثمار هذه الحقيقة، وتحقيق بعض المصالح”.

ويعتقد نصير أن “السوداني يثير موضوع التدريب والانسحاب من عدمه رغبة منه لدفع الولايات المتحدة لتقديم دعم للعراق، سواء في مسألة الدولار، أو حل أزمة الكهرباء والخدمات، مع دفع الشركات الأمريكية للعمل في العراق، ما سيؤسس لولوج شركات أجنبية أخرى داخل العراق، كالشركات اليابانية والأوروبية والهندية وغيرها”.

ويبين أن “السوداني لا يعمل بمعزل عن الإطار كما يبدو، والدليل على ذلك فإن أحد أقطاب الإطار السيد نوري المالكي كان له عمل سابق ومؤثر مع الولايات المتحدة، وهو من وقع على اتفاق الإطار الاستراتيجي مع الولايات المتحدة، لذا تنتفي الممانعة بالتعامل مع الولايات المتحدة بصورة الحليف الاستراتيجي، وما نسمعه هنا وهناك من حديث لبعض الإطاريين عن رغبتهم بإخراج القوات الأمريكية لا يعدو عن كونه تسجيلا للمواقف السياسية”.

ومنذ أشهر، تدخلت واشنطن للحد من تهريب الدولار من العراق، ما أدى إلى ارتفاع سعر الدولار في السوق المحلية لمستوى قياسي بلغ 170 ألف دينار لكل مائة دولار، بسبب تراجع مبيعات البنك المركزي من الدولار، نظرا لخضوعه لنظام “سويفت” المالي الدولي، ومؤخرا زار وفد برئاسة وزير الخارجية فؤاد حسين وعضوية محافظ البنك المركزي علي العلاق، واشنطن، وهناك جرى بحث ملفات هامة تخص الحد من تهريب العملة وتمويل الإرهاب.

كما أبرم العراق اتفاقا مع مصرف جي بي مورغان الأمريكي، ليكون وسيطا بنقل أموال التجار العراقيين إلى الصين، بدلا عن المصارف الوسطية السابقة وكانت في الإمارات أو الأردن.

إقرأ أيضا