هل يصبح العراق “مفتاح” العودة لسوريا؟

تقترب الدول العربية من إنهاء القطيعة مع سوريا، وتبدأ بصفحة جديدة ربما تنتهي بتخفيف الحصار…

تقترب الدول العربية من إنهاء القطيعة مع سوريا، والبدء بصفحة جديدة، قد تسهم بتخفيف الحصار الدولي عليها، وسط تنام للدور العراقي الذي يسعى للوساطة، خصوصا بعد أن تيقنت تلك الدول بأن الفراغ السياسي الذي تركته سوريا لابد من ملئه مرة أخرى، بالإضافة إلى الاستفادة من موقعها لتحويلها إلى نقطة ربط مع أوروبا التي خسرت الغاز الروسي.

ويقول المحلل السياسي إياد العنبر، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “البلدان العربية المؤثرة أصبحت تتعاطى مع ملفات كثيرة تبعاً لما تفرضه الظروف الآنية، وخاصة بعد فشل أغلب الثورات العربية في تحقيق مآربها وتغيير طبيعة أنظمة الحكم”.

ويضيف العنبر أن “الانفتاح والتواصل مع الآخر أصبحت سياسة عربية وخليجية واضحة، على اعتبار أن أي فراغ يمكن شغله من قبل دول أخرى فاعلة على الصعيد الإقليمي، فضلاً عن أن استمرار القطيعة لم يعد أسلوباً عربياً كما كان في العقود المنصرمة، وبذلك فعودة سوريا للحضن العربي نتيجة حتمية وطبيعية”.

ويتمنى العنبر أن “تتجاوز نتائج زيارة الوفد الحالي برئاسة الحلبوسي حاجز تبادل الزيارات الدبلوماسية، وأن يكون هنالك هدف واضح لمساعدة الشعب السوري، وعدم تكرار الأخطاء السابقة، بالتركيز على السلطات والحكام، وتجاهل الشعوب المتضررة”.

ويلوّح المحلل السياسي إلى “إمكانية أن يؤدي العراق دور الوسيط بين المحيط العربي والسوري، وهذا يعتمد على تقبل الدول العربية الفاعلة لتلك الوساطة، كما يعتمد على خطوات عملية ينبغي على الجانب العراقي اتباعها، عبر إقناع جميع الأطراف بضرورة إنهاء الخلافات السابقة”.

وكان رئيس اتحاد البرلمان العربي رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي، ترأس يوم أمس وفد الاتحاد البرلماني العربي، في زيارته إلى سوريا، وهناك التقى الرئيس السوري بشار الأسد، وأكد تضامنه معها والوقوف مع شعبها، واستمرار تقديم الإمكانات اللازمة بعد حادث الزلزال.

يذكر أن العاصمة بغداد، احتضنت خلال الأيام الماضية، مؤتمر الاتحاد البرلماني العربي، وفي بيانه الختامي أكد على العمل العربي المشترك على كافة المستويات لعودة سوريا إلى محيطها العربي، وممارسة دورها في الساحات العربية والإقليمية والدولية. 

ويأتي التوجه العراقي نحو إعادة سوريا لمحيطها العربي وكسر العزلة، بالتزامن مع تحرك إماراتي في ذات الصدد، حيث زار وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد آل نهيان، دمشق والتقى الأسد مطلع العام الحالي، وأكد أنه “من الطبيعي أن تعود سوريا إلى عمقها”.

وكانت زيارة آل نهيان هي الثانية، حيث زار سوريا تشرين الثاني نوفمبر 2021، تلتها زيارة من بشار الأسد إلى أبو ظبي في آذار مارس 2022، وكانت الأولى له لدولة عربية منذ 2011.

بدوره، يلفت الخبير الاقتصادي نبيل جبار، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “العقوبات الاقتصادية الدولية المفروضة على سوريا أكبر من العقوبات العربية والخليجية، ولكن التقارب السوري العربي يمكن له المساهمة في تخفيف العقوبات الدولية والضغوط الإقليمية على الصعيد الاقتصادي”.

ويرجح جبار، أن “تكون بوابة اللاذقية وسيلة مهمة لعودة سوريا اقتصادياً، عبر مشاريع نقل الطاقة، كالغاز والنفط، على الرغم من صعوبة إقناع الروس بالتخلي عن سوقهم الاستراتيجي في أوروبا”.

وأشار إلى أنه “من المرجح أن تتجه بوصلة المجتمع الدولي نحو إنهاء الحصار الاقتصادي على سوريا، بعد تأكدهم أن نظاماً بديلاً عن النظام السوري الحالي يمكن له جلب مزيد من الأزمات والمشاكل في المنطقة، وبالتالي زعزعة استقرار بقعة جغرافية مهمة على الصعيد الاقتصادي”.

يشار إلى أنه في تشرين الثاني نوفمبر 2011، قررت الجامعة العربية تجميد عضوية سوريا، نتيجة للأحداث التي شهدتها بعد اندلاع الاحتجاجات فيها المطالبة بتغيير النظام.

وتعتبر سوريا امتدادا لدول تضم أنصارا لإيران وتشمل العراق ولبنان واليمن أيضا، في ما بات يعرف بين أولئك الأنصار، بـ”محور المقاومة” الذي يهدف لوصول طهران برا الى البحر الأبيض المتوسط، كما قال لـ”العالم الجديد”، محللون سياسيون في وقت سابق.

وكانت بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والولايات المتحدة قالت في بيان مشترك، في آذار مارس من العام الماضي، إنها “لا تدعم جهود تطبيع العلاقات مع الأسد”.

من جانبه، يرى المحلل السياسي علي الحبوري، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، هذه الخطوة “محاولة لبعض الدول العربية للتكفير عن ذنوبها التي ارتكبتها بحق الشعب السوري، وبحق السلطة داخل سوريا، واليوم أثبتت كل المعطيات أنها كانت مخطئة، فالتوجه القائم نحو السلطة السورية انعكس بشكله الأكبر على الشعب السوري”.

ويضيف الجبوري أن هذه الدول “تستغل أي مناسبة لرأب الصدع، وزيارة الحلبوسي قد تكون بداية انفراجة، وهي فرصة مناسبة لقيام العراق بدور الوساطة، سيما وأنه يحظى بمقبولية الطرفين”.

ويوضح انه “مع فشل كل محاولات إسقاط النظام السوري، وبروز سوريا كموقع استراتيجي وبوابة اقتصادية مهمة للخليج العربي، خاصة مع التوجه الدولي للبحث عن أسواق طاقة أخرى، فسوريا تمثل بوابة مثالية وقريبة للتصدير نحو أوروبا، تبعاً لذلك فإن العمل الدبلوماسي يجري على قدم وساق لإعادة العلاقات السورية العربية”.

جدير بالذكر، أن وزارة الخارجية الأمريكية أعربت سابقا عن “خيبة أملها وانزعاجها العميقين” من دعوة الأسد لزيارة الإمارات، وفق ما قال المتحدث باسم الخارجية الأمريكية نيد برايس، الذي وصف الدعوة بـ”المحاولة المكشوفة لإضفاء الشرعية عليه وهو مسؤول عن مقتل ومعاناة عدد لا يحصى من السوريين وتشريد أكثر من نصف السكان السوريين والاعتقال التعسفي واختفاء أكثر من 150 ألف سوري من الرجال والنساء والأطفال”.

كما أكد برايس، أن الولايات المتحدة لن ترفع العقوبات عن سوريا أو تتخلى عنها ولا تدعم إعادة إعمارها حتى يتم إحراز تقدم لا رجوع عنه نحو حل سياسي وهو ما لم نشهده بعد، معربا عن اعتقاده بأن الاستقرار في سوريا والمنطقة لا يمكن تحقيقه إلا من خلال عملية سياسية تمثل إرادة جميع السوريين.

وتعاني الدول الأوروبية من أزمة بإمدادات الطاقة، بعد الحرب الروسية- الأوكرانية، وبدأت تبحث بشكل دؤوب عن مصادر بديلة للغاز الروسي، في وقت بدأت فيه موسكو بالفعل ما يسمى “حرب الغاز” ضد القارة العجوز، وأعلنت تقليص إمدادات الغاز لألمانيا بنسبة 40 بالمئة، لتضخ 100 مليون متر مكعب يوميا بدلا من 160 مليون متر مكعب عب خط أنابيب نورد ستريم.

وكانت وكالة “بلومبرغ”، أفادت في تموز يوليو 2022، بأن العراق والسعودية زودا أوروبا بالنفط الخام، ما يساعد مصافي النفط في القارة على التغلب على النقص الذي تعاني منه، وقد بلغت الكمية أكثر من مليون برميل من النفط الخام وصل بشكل يومي في الأسابيع الثلاثة الأولى من شهر تموز يوليو الماضي، عبر خط أنابيب يعبر مصر.

يذكر أن قمة جدة في السعودية، التي عقدت قبل أشهر بمشاركة الرئيس الأمريكي جو بايدن، ودول عديدة من بينها العراق، شهدت مناقشة أمن الطاقة، بهدف توفير ما يحتاجه الغرب من النفط والغاز، بعد الحرب الروسية الأوكرانية، وتوقف إمداد الغاز الروسي لأوروبا.

يشار إلى أن التحركات العربية تجاه روسيا، تتزامن أيضا مع أخرى تركيا، حيث يجري الإعداد لمصالحة وصفت بـ”التاريخية” بين الرئيس السوري بشار الأسد والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بهدف السيطرة على المناطق الكردية في سوريا وإنهاء وجود القوات المشكلة فيها، خارج أطر النظام.

إقرأ أيضا