بعد القصف والاغتيال.. ماذا يفعل وزير الدفاع في أنقرة؟

تباينت مواقف المراقبين السياسيين، حول زيارة وزير الدفاع ثابت العباسي إلى تركيا، وخلوّ البيان الرسمي…

تباينت مواقف المراقبين السياسيين، حول زيارة وزير الدفاع ثابت العباسي إلى تركيا، وخلوّ البيان الرسمي من أي إدانة لعمليات القصف والاغتيال التي نفذتها أنقرة داخل الأراضي العراقية، فمنهم من وجد أن العراق غير قادر على اتخاذ أي تصعيد، حتى على المستوى الدبلوماسي، فيما أشار آخرون إلى أن الزيارة شهدت مناقشة الاعتداءات الأخيرة، لكن بالمجمل حذروا من انفجار المنطقة (من دهوك وحتى سنجار) بسبب الأزمات وتداخل القوات فيها، ما لم يأت حل جذري.

ويقول المحلل السياسي علي البيدر، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “تركيا تنظر إلى المسرح الأمني في العراق وخصوصا في المناطق الشمالية أنه من ضمن سلسلة نفوذها الذي يمتد إلى العمق السوري، وهي تعمل على تأمين أمنها القومي عبر عمليات رادعة واستباقية لمواجهة أي تحرك ممكن أن يؤثر على مستوى الأمن في المناطق القريبة منها”.

ويشير البيدر إلى “عدم وجود موقف حكومي عراقي بشأن عمليات التدخل التركي سواء عبر الاستهدافات المباشرة أو عمليات الاغتيال أو القصف التي راح ضحيتها العشرات من السياح العراقيين بين قتلى وجرحى، فضلا عن أن تركيا تستثمر حالة الضعف التي تعيشها البلاد لتنفيذ عملياتها والإبقاء على نفوذها العسكري في شمال العراق، وفي الوقت نفسه، أن العراق لم يقم بأي عملية لردع الجماعات التي تذهب باتجاه تحقيق حالة من الفوضى الأمنية في شماله”.

ويتابع أن “العراق ليس أمامه من خيار سوى أن يوقف حزب العمال الكردستاني عن ممارسة دوره العسكري والمسلح في الشمال وإلا سوف نفسح المجال لتركيا للتدخل بالقوة”، معتقدا أن “العراق لا يمكن أن يذهب باتجاه التصعيد حتى في الجوانب الدبلوماسية والجوانب المتعلقة في المجال الاقتصادي”.

وكان وزير الدفاع ثابت العباسي، زار تركيا أمس الأول، والتقى مستشار الرئيس التركي ورئيس جهاز المخابرات هاكان فيدان، ووفقا للبيان الرسمي، فأن العباسي اللقاء شهد بحث سبل التعاون المشترك بين العراق وتركيا خاصة في الجانب الاستخباري وتبادل المعلومات.

وتأتي الزيارة، بعد أيام قليلة من تنفيذ تركيا لعمليات اغتيال طالت قادة إيزديين في الفوج 80 المرتبط بالحشد الشعبي، وذلك بعد اغتيال آمر الفوج بير جكو واثنين من مرافقيه، باستهداف عجلتهم في سنجار.

وكانت “العالم الجديد” سلطت الضوء على العمليات التركية الأخيرة، وفيه أكد متخصصون بالقانون والأمن أن ما أقدمت عليه تركيا يعد خرقا للاتفاقية الموقعة بين بغداد وأنقرة في ثمانينيات القرن الماضي، والتي لا تسمح بتنفيذ مثل هذه العمليات، وأشاروا إلى أنه من حق العراق الرد العسكري نظرا لتصنيف ما جرى بـ”العدوان”.

وكان الجيش التركي بدأ عملية عسكرية جوية في تشرين الثاني نوفمبر الماضي، في شمال العراق وسوريا تحت اسم “وقت الحساب”، استخدم فيها الطائرات الحربية والتوغل البري، وبحسب وسائل إعلام تركية، فإن العملية انطلقت من مطار دياربكر العسكري التركي.

 وقد أعلن وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، في تعقيبه على العملية “سنواصل محاسبة الذين استهدفوا أمن بلادنا وأمتنا مثلما حاسبناهم من قبل”، كما أعلنت وزارة الدفاع التركية، عبر حسابها الرسمي في تويتر أن “العملية تستند إلى المادة الـ51 من ميثاق الأمم المتحدة، الذي ينص على الحق المشروع في الدفاع عن النفس”.

إلى ذلك، يبين المحلل السياسي فلاح المشعل، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “أي زيارة لوزير أو مسؤول إلى دولة خارجية ربما تأتي بعد توتر معها، وعادة ما تطرح أفكارا عامة لتغطية هذه الزيارات، وهذا من متطلبات السلك الدبلوماسي، إذ وسمت الزيارة الأخيرة لوزير الدفاع إلى تركيا بالتشاور وتبادل المعلومات الاستخباراتية، لكنها بالتأكيد تنطوي على إدانة أو مناقشة الاعتداءات التركية في العراق”.

ويضيف المشعل أن “الاعتداء التركي تكرر للمرة الثانية، ففي المرة الأولى تم قتل آمر لواء 80 في الحشد الشعبي، وفي المرة الثانية استهدفت عملية تركية مقاتلين من حزب العمال الكردستاني”، لافتا إلى أن “مناقشة هذه الاعتداءات هي الدافع الأساسي للزيارة في محاولة الوصول إلى اتفاق يتوقف بموجبه الهجوم على قطاعات وألوية الجيش العراقي سواء كانت حشدا شعبيا أو شرطة”.

ويرى المحلل السياسي أن “قضية التدخل العسكري التركي في العراق ملف طويل يحتوي على تفاصيل كثيرة ويحتاج إلى تفاهمات القيادات السياسية والتنفيذية للبلدين على حد سواء فهو موضوع متجذر منذ ثلاثين عاما أو أكثر”، لافتا إلى أن “الموضوع بحاجة إلى بحث تفصيلي والتزامات عديدة لاسيما أن المنطقة أصبحت مسرحا لوجود حزب العمال الكردستاني، وهم فصائل معارضة لتركيا إضافة إلى وجود قواعد تركية مسلحة وقواعد طيران وقواعد مدعومة من إيران، مع وجود قواعد للحشد والحشد المحلي وكذلك وجود للبيشمركة الكردية والجيش العراقي”.

ويتابع المشعل أن “المنطقة متداخلة وتقف على بركان من الأزمات ولذلك ينبغي أن يصار إلى وضع حلول جذرية لها، وسيادة البلد مبدأ دستوري قبل أن يكون مبدأ يخص الحياة اليومية العراقية في شؤونها السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ففي النتيجة أي فعل عسكري ينعكس سلبا على الجانب الاقتصادي والاجتماعي ولهذا نجد أحيانا أن أسعار البضائع الواردة من تركيا ترتفع في الأسواق المحلية العراقية بسبب الاشتباكات الحربية الموجودة على المنطقة الحدودية بين العراق وتركيا والمثلث العراقي التركي الإيراني”.

ومنذ مطلع العالم 2021، صعدت تركيا من عملياتها في العراق بشكل كبير، ونفذت العديد من عمليات الإنزال الجوي، فضلا عن إنشاء نقاط أمنية بعد دخول قواتها البرية لمناطق مختلفة من دهوك ونينوى، إضافة إلى إعلان عن إنشاء قاعدة عسكرية جديدة في الأراضي العراقية، وذلك بهدف ملاحقة عناصر حزب العمال الكردستاني، وخاصة في قضاء سنجار بنينوى.

وفي تموز يوليو 2022، قصفت القوات التركية مصيفا سياحيا في قرية برخ التابعة لقضاء زاخو بمحافظة دهوك، ما تسبب بإصابة ومقتل 31 مدنيا أغلبهم من النساء والأطفال، وسط تأكيدات شهود عيان في المنطقة بأن هذا المصيف يقع عند حدود زاخو وتحيط به نقاط القوات التركية، ولا يشهد أي نشاط إرهابي من قبل أي جماعة.

وتقدم العراق بشكوى لدى مجلس الأمن الدولي بشأن القصف التركي، وعقد المجلس جلسة في 26 تموز يوليو الماضي، وفيها أكد وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين أن الأدلة من موقع الاعتداء على مصيف دهوك، تضمنت شظايا مقذوفات مدفعية ثقيلة، هي ذاتها التي يستخدمها الجيش التركي، وأن هناك حالة من الغضب الشعبي العارم الذي يجتاح العراق من الجنوب إلى الشمال بسبب الاعتداء التركي.

من جانبه، يؤكد المحلل السياسي غالب الدعمي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “تركيا تعتبر حزب العمال الكردستاني منظمة إرهابية تهدد أمنها القومي وتستهدفها، وزيارة وزير الدفاع تأتي لبحث هذه الإشكاليات، فبحسب الاتفاقات الدولية لا يحق لأي دولة أن تستخدم أراضي دولة أخرى منطلقا لعمليات عسكرية ضدها”.

ويضيف الدعمي أن “الزيارة تأتي لتنسيق العمل من أجل وقف هذه التدخلات العسكرية التي تنطلق من العراق وفيه، علما أن القانون الدولي لا يمانع وجود هذه القوات على أن تكون غير مسلحة، لكن في الوقت نفسه فالقانون الدولي لا يسمح بوجود عناصر مسلحة تنفذ هجمات ضد مصالح دول مجاورة”.

وكانت بغداد أربيل، وقعتا في 9 تشرين الأول أكتوبر 2020، اتفاقا سمي بـ”التاريخي”، يقضي بحفظ الأمن في قضاء سنجار من قبل قوات الأمن الاتحادية، بالتنسيق مع قوات البيشمركة المرتبطة بإقليم كردستان، وإخراج كل الفصائل المسلحة وإنهاء وجود عناصر العمال الكردستاني “PKK“.

وكشفت “العالم الجديد”، في تقرير سابق، أن رئيس الحكومة السابق مصطفى الكاظمي أبلغ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال لقائهما، بعجزه عن تنفيذ اتفاق بغداد– أربيل للسيطرة على سنجار وطرد عناصر حزب العمال الكردستاني منها، ومنح الضوء الأخضر لأردوغان بالدخول الى سنجار، تحت مظلة تحالف الناتو، تحسبا لردود أفعال سلبية من قبل الفصائل المسلحة، في حال دخول تركيا بمفردها لسنجار، وذلك بحسب مصادر دبلوماسية كانت حاضرة للقاء الذي جرى في أنقرة، وتخللته مأدبة فاخرة على أنغام الطرب العراقي التراثي.

إقرأ أيضا