هدم دير الرهبان في الدورة.. كيف ضاع الأثر الأبرز للمسيحيين في بغداد؟

شكّل بيع وهدم دير الرهبان الكلدان في منطقة الدورة ببغداد نقطة فارقة في تاريخ الوجود…

شكّل بيع وهدم دير الرهبان الكلدان في منطقة الدورة ببغداد نقطة فارقة في تاريخ الوجود المسيحي بالعاصمة، مثيرا إشكالات عديدة واتهامات، وفيما قلل رئيس الكنيسة الكلدانية من خطورة الموضوع، كون الدير ليس قديما وأنه تم شراء دير جديد للرهبان بدلا عنه في أربيل بعد عودة المسيحيين لمناطقهم الأصلية، انتقد نائب سابق عن المكون الأمر باعتباره معلما وإرثا كنسيا، في حين، تنصل الوقف المسيحي عن مسؤوليته بتأكيده أن الدير المذكور، ملك صرف للرهبان ولا دخل للمؤسسات الأخرى به.

ويقول رئيس الكنيسة الكلدانية الكاردينال لويس ساكو خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “هذا الدير ليس بالقديم وتم إنشاؤه في الثمانينات بعد تهجير الرهبان المسيحيين من الشمال إلى بغداد ثم اشتروا هذه الأرض وبنوها”.

ويضيف ساكو أن “الرهبان بعد سقوط النظام السابق، عادوا إلى ديرهم في الشمال واشتروا في عين كاوا منزلا للعمالة لذلك قاموا ببيع هذا الدير”، لافتا إلى أن “العملية مشروعة ولا تشوبها مشكلة وما جرى تم وفق القانون العراقي”.

وقبل أيام، صدر بيان يحمل توقيع “أبناء الطائفة الكلدانية” في بغداد، وورد فيه: نحن المسيحيون في بغداد، عاماً بعد عام، نراقب صروحنا ومؤسساتنا تهدم وتتحول إلى استثمارات تجارية، وللأسف لا نستطيع أن نشكو هذا الواقع لأحد، فأن المؤتمن لحفظ ارث الطائفة وممتلكاتها، لا يخجل من بيع وتصريف كل شيء للمصلحة الفردية، ولم يكتفِ بصدور أمر قبض بحقه ولم يخجل من الفضائح التي بدأت تخرج للعلن، وفي الجديد أن مستثمراً استحوذ على دير الرهبان الكلدان الكهنوتي وهدمه اليوم ليصار إلى بناء مول تجاري في المكان”.

كما تضمن البيان: نستنكر وندين وضع ارث حضاري ينتمي لطائفة برمتها ووطن برمته، بين أيد فاسدة ذاع صيت فسادها، لقد بات معلوماً للقاصي والداني، أن رأس الطائفة يبيعها، يبيع شبابها، يبيع أمانها، ويبيع أيضاً ممتلكاتها، البطريرك لويس ساكو هو أول وآخر المسؤولين عن تهديم هذا البناء، كما عن خسارة الكثير قبله، نحن المسيحيون في بغداد نهيب بالجسم الكنسي الكهنوتي وبالرعايا في كل العراق، بالاتحاد لوضع حد لهذه التجارة”.

وتعد منطقة الدورة، من أبرز مناطق تواجد المسيحيين في العاصمة بغداد، وتضم كنائس من مختلف طوائف المكون، سواء الكلدان أو الكنيسة الشرقية القديمة وغيرها، وما تزال الكنائس شاخصة فيها حتى الآن.

ويعود تاريخ بناء دير الرهبان الكلدان، بحسب بحث أجرته “العالم الجديد” إلى ستينيات القرن الماضي وليس الثمانينيات كما ورد في حديث ساكو، وكان يعد من أبرز معالم منطقة الدورة، نظرا لمساحته الكبيرة وتصميمه المميز.

وتعاني أغلب الكنائس في بغداد والمحافظات الوسطى والجنوبية من إهمال كبير، وخاصة الكنائس التاريخية، حيث تحول بعضها أو أجزاء منها، سواء في الشورجة أو شارع النضال وسط العاصمة بغداد، إلى مخازن للمحال التجارية، أو مرائب للسيارات، فيما تم استغلال بعضها من قبل مؤسسات أهلية، عمدت إلى اقتطاع بعض مساحتها وشغلها، في ظل إقفال لقاعاتها منذ سنوات.

من جانبه، يؤكد النائب السابق عن الديانة المسيحية عمانوئيل خوشابا، خلال حديث لـ”العالم الجديد أن “الدير يمثل ملكاً للكنيسة الكلدانية، التي يترأسها الأسقف لويس ساكو، ويقع تحت تقديره ضرورات معينة تحيله للاستفادة من الأراضي التابعة للكنيسة الكلدانية، وأعتقد أنه استثمار اقتصادي للأرض لا بيع لها”.

ويضيف خوشابا “إذا ما كان الاستثمار المنشود يؤدي لتعظيم واردات الكنيسة فإنه شيء ايجابي، أما إذا كان غرضاً سياسياً أو منفعة شخصية فإنه بالتأكيد يمثل ضربة موجعة للمسيحيين أجمع”.

ويكمل أنه “أيّاً كانت مبررات هدم الكنيسة، فإننا ندعو وبشدة إلى الحفاظ على الإرث الثقافي والكنسي للمسيحيين، سيما وأن الدير الذي تم هدمه كان معلماً من معالم العاصمة بغداد، ويعد أثراً تاريخياً، شهد تخرج العديد من الطلبة الذين حصلوا على الدرجات الكهنوتية”.

ومنذ تسعينيات القرن الماضي، بدأت هجرة أبناء المكون المسيحي نحو الدول الأوروبية، لأسباب اقتصادية وأمنية واجتماعية، وارتفعت نسبة الهجرة بعد عام 2003، وما شهدته البلاد من تردٍ كبير في الأوضاع الأمنية، ورافقت الهجرة مشاكل أخرى أبرزها السيطرة على عقاراتهم، كالمنازل والبنايات من قبل بعض الجهات المسلحة والأشخاص المرتبطين بها، وجرت الكثير من عمليات التزوير للاستيلاء على هذه الممتلكات.

يشار إلى أن أعداد المسيحيين في العراق حاليا يبلغ نحو 400 ألف شخص فقط، بعد أن كان العدد مليونا ونصف المليون، وذلك بحسب رئيس الكنيسة الكلدانية الكاردينال لويس ساكو، حيث صرح لـ”العالم الجديد”، في تموز يوليو الماضي.

 وكانت “العالم الجديد”، قد كشفت في كانون الأول ديسمبر 2020، عن تناقص أعداد المسيحيين في جنوب العراق بشكل كبير، وبحسب تقريرها السابق، فإن قرابة 150 عائلة بالبصرة، أحيت قداس الميلاد الأخير في الكنائس: الكلدانية، الأرمنية، السريانية الكاثوليكية، أما في كنائس السريان الارثوذكس، الانجيلية المشيخية الوطنية، فقد أحيت القداس فيها قرابة 10 عائلات فقط، فيما تحوي ذي قار عائلة مسيحية واحدة، وفي ميسان أحيت 14 عائلة القداس.

إلى ذلك، يبين مسؤول الإعلام في الوقف المسيحي، فائق عزيز، خلال حديث لـ”العالم الجديد” أن “الدير تابع للرهبنة الهرمزدية وليس للوقف، فلكل طائفة مسيحية أملاكها، وهناك 14 طائفة لكل واحدة متول ولها حق التصرف بأملاكها”.

ويضيف عزيز، أن “الديوان وظيفته تقديم الخدمات للطوائف سواء إعمار أو بناء جديد بحسب ما يتم طلبه منا”، معتقد انه “على الرغم من أن الدير ملك صرف للرهبنة ولكن بيعه بكل تأكيد مؤثر”، فيما بين أن “نسبة المسيحيين في منطقة الدورة قلت، فالموجودون من 3 طوائف تقريبا نحو 20 عائلة، وعليه فأن الطائفة تقوم ببيعه وتشتري في مكان يحتوي على تجمع جيد للمسيحيين”.

وكان بابا الفاتيكان فرنسيس، قد زار العراق في 5 آذار مارس 2021، وعدت زيارة تاريخية والأولى من نوعها لأي من بابوات الفاتيكان في التاريخ، وأجرى خلال زيارته جولة شملت كنائس العاصمة بغداد ونينوى وأربيل ومدينة أور الأثرية في ذي قار، حيث منزل النبي إبراهيم الخليل، والتقى أيضا المرجع الديني علي السيستاني في النجف.

إقرأ أيضا