السوداني ومصر.. محاولات لتثبيت أركان “القمة الثلاثية” وأنبوب النفط  

استكمالا لما بدأته الحكومات السابقة وتقوية لموقف الحكومة في محيطها العربي، جاءت زيارة رئيس الحكومة…

استكمالا لما بدأته الحكومات السابقة وتقوية لموقف الحكومة في محيطها العربي، جاءت زيارة رئيس الحكومة محمد شياع السوداني إلى مصر، كما ترى أوساط سياسية، إذ جرت الإشارة إلى أن السوداني يسعى لترك انطباع أن هذه الحكومة فاعلة داخل المنظومة العربية، وترغب في الاستمرار بـ”القمة الثلاثية”، ومن جهة أخرى هي لتسريع عملية مد أنبوب البصرة- العقبة النفطي في ظل الإصرار الأمريكي على تنفيذه خلال هذه الحكومة وعدم تأجيله.

ويقول رئيس مركز التفكير السياسي، إحسان الشمري، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “زيارة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، إلى مصر تأتي من أجل تثبيت مبدأ التوازن الذي تسعى إليه الحكومة، خصوصاً أن هناك قلقا من قبل المنظومة العربية وحتى من قبل التحالف الثلاثي، الذي يضم بغداد والقاهرة وعمّان، ولذا يحاول السوداني بهذه الزيارة أن يثبت ذلك المبدأ”.

ويضيف الشمري، أن “الزيارة تحاول أن تظهر انطباعا بأن السوداني وحكومة الإطار من خلفه فاعلة مع المنظومة العربية، كما تأتي من أجل إيصال رسالة بأن السوداني يعمل على استكمال التراكم الدبلوماسي الذي حققته الحكومات العراقية السابقة، خصوصاً الأمر المتعلق بالتحالف الثلاثي”.

ويبين أن “الزيارة تهدف لاستكمال الاتفاقات التي تصب في صالح العراق بما لا يقبل الشك، ولذا فإن الزيارة ستمهد لتفاعل أكبر مع مصر، من أجل استمرار العلاقات البروتوكولية ما بين البلدين عبر الزيارات المتبادلة”.

ويتابع رئيس مركز التفكير السياسي، أن “الاتفاقات مع مصر حتى في حكومتي عادل عبدالمهدي ومصطفى الكاظمي لم تطبق على أرض الواقع ولن يكون لها أي انعكاس ملموس على مستوى الاقتصاد والواقع العراقي”.

ويختم الشمري، قوله بأن “السوداني يحمل إلى مصر ملفات ثنائية مرتبطة بقضايا حساسة ما بين الطرفين، وهو يسعى للوصول إلى تفاهمات حول هذه الملفات، التي ترتبط بتعاون ثنائي أكثر مما هو ثلاثي، خصوصاً ملف استكمال الوساطة ما بين مصر وإيران”.

وكان رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، وصل أمس الأحد، إلى مصر في زيارة رسمية استغرقت ساعات عدة، التقى خلالها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، وخلال اللقاء أكد السوداني استعداد العراق بالمضي قدماً في إنضاج العمل المشترك، والانفتاح على آفاق جديدة من التعاون والتكامل في مختلف المجالات.

كما عقد لقاء آخر بين السوداني ونظيره المصري مصطفى مدبولي، بشأن المباحثات بين البلدين، وفيه أبدى السوداني رغبة العراق بالعمل على تطوير العلاقات، ورفع مستوى التبادل التجاري، وتفعيل اللجان المشتركة بين البلدين إلى مستوى التنفيذ، فيما أكد مدبولي أهمية العمل والتعاون الثنائي بين البلدين لمواجهة آثار الأزمات والتحديات المختلفة التي يشهدها العالم، كما أكد رغبة الحكومة المصرية باتخاذ خطوات تنفيذية جادّة، وعمل ملموس، في ما يخص التعاون بين البلدين، عبر توقيع مذكرات تفاهم في مجالات الاقتصاد والتجارة.

يشار إلى أن العراق، عقد 3 جولات من القمة الثلاثية مع الأردن ومصر، أبان الحكومة السابقة برئاسة مصطفى الكاظمي، والتي تمخضت عن ربط كهربائي مع الأردن وهو لم ينفذ لغاية الآن، فضلا عن مد خط أنبوب نفط البصرة – العقبة، وما زال قيد البحث والجدل.

وكان السوداني، وخلال المؤتمر الصحفي المشترك مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، الأسبوع الماضي، قال “نعمل على الإعداد لمؤتمر بغداد بنسخته الثالثة وفق رؤية الحكومة الجديد.. الجميع يجب أن يلتقي في بغداد وفق رؤية الاقتصاد والشراكة”.

وبحسب القمة الثلاثية، فإنه سيتم مد أنبوب نفط البصرة العقبة في الأردن، ومن ثم وصولا الى الموانئ المصرية، وهو أساس زيارة وزير البترول المصري طارق الملا، إلى بغداد قبل أكثر من عام، وذلك التزامن من توقف إمداد شركة أرامكو السعودية لمصر بنحو 700 ألف طن من المواد البترولية، في إطار اتفاقٍ طويل الأجل بين الرياض والقاهرة، التي تشهد العلاقات بينهما توترا منذ شهور على خلفية قضايا ثنائية وإقليمية.

من جهته، يرى المحلل السياسي غالب الدعمي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “زيارة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني إلى مصر هي زيارة لإعادة الثقة وتعزيزها بين الحكومة العراقية والحكومات العربية، فالسوداني يريد الاستمرار في تعزيز الاتفاق الثلاثي”.

ويبين الدعمي، أن “الحكومة العراقية حالياً بأمس الحاجة لكسب دعم الدول الإقليمية والدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية، ومصر والأردن هي مفتاح تلك العلاقات الدولية”.

ويضيف أن “لمصر تجربة رائدة بقضية الكهرباء والطرق والجسور والمشاريع المهمة، ويمكن للعراق الاستفادة منها، خصوصاً أن تعزيز العلاقات العربية مع العراق مهم جداً، على مختلف الأصعدة”.

وعقد مؤتمر “بغداد 2” في 20 من كانون الأول ديسمبر 2022، في مركز الملك حسين بن طلال للمؤتمرات على ساحل البحر الميت في الأردن، بعد دورة أولى أقيمت في بغداد في آب أغسطس 2021 بمبادرة من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والعراق، وبمشاركة البحرين وعمان ومصر والسعودية والإمارات وقطر وتركيا وإيران.

يشار إلى أن القمة الثلاثية، بين العراق ومصر والأردن، تركز على الاقتصاد بحسب المعلن، لكن عارفين بالشأن السياسي يفيدون بأنها تضم بين طياتها خططا سياسية عديدة، أبرزها مشروع “المشرق الجديد” الذي اقترحه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.

وتمثل منطقة النفوذ الجديدة، التي اقترحها ترامب، ممرا اقتصاديا وتجاريا يجمع هذه الدول الثلاث، مستغلة إمكانيات كل دولة، فالعراق سيكون المصدر الأول للنفط والغاز، إضافة إلى استثمار طاقات مصر الإنتاجية والبشرية، فضلا عن تحول الأردن إلى معبر وطريق يجمع هذه الدول مع بعضها، مقابل تقليص النفوذ الإيراني في سوريا المتمثل بالجماعات المسلحة، وذلك بحسب مصادر تحدثت لـ”العالم الجديد” في وقت سابق.

وكان الإطار التنسيقي من أشد المعارضين لعقد هذه القمة، ووصفها بأنها خطوات للتطبيع، منتقدا دور الأردن ومستغربا من عقد اتفاقيات مع بلد غير صناعي، كما طالب قادته ونوابه آنذاك، بالتوجه للصين بدلا من الأردن، وهذا وفقا للعديد من التقارير التي أعدتها “العالم الجديد” حول هذه القمم وجدواها.

بالمقابل، يؤكد الخبير في الشأن السياسي والاقتصادي نزار حيدر، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “الزيارة تأتي استكمالاً ومتابعة لمخرجات اجتماعات القمة الثلاثية التي جمعت العراق ومصر والأردن، وأن أهم هذه المخرجات هي تنفيذ مشروع مد أنبوب نفط (البصرة — العقبة) والذي يبدو أن الولايات المتحدة مستعجلة لتنفيذه على اعتبار أنه يساعد بشكل كبير اثنتين من أكبر الدول المستفيدة من المساعدات الأمريكية السنوية في المنطقة، تستفيدان منه سواء على مستوى الطاقة أو على مستوى سوق العمل”.

ويبين حيدر، أن “المشروع يستفيد منه حليف للولايات المتحدة الأمريكية التي ارتأت أن يكون العراق في ظل حكومة السوداني هو المنفذ له وبالسرعة القصوى، وفي ظل تداعيات الحرب الأوكرانية والأزمات التي صاحبتها والتي تضرر منها أولاً حلفاء واشنطن الأوربيون”.

ويتابع أن “المشروع كما هو معروف وواضح ليس فيه أية جدوى اقتصادية للعراق، ولذلك عده المختصون بأنه مشروع بقرار سياسي بالدرجة الأولى، ربما تحتاج حكومة السوداني لتنفيذه كأحد الاشتراطات الأمريكية عليها لإثبات حسن التزاماتها في السياسات الدولية والإقليمية المرسومة لها مسبقا، قبل أن يوجه البيت الأبيض الدعوة للسوداني لزيارة واشنطن، وهي الزيارة التي طال انتظارها في بغداد، مع كل الوساطات التي تحركت عليها لتحقيقها، ولكن حتى اللحظة دون جدوى، إذ أن واشنطن مازالت مكتفية بمستوى العلاقة بين البلدين عبر سفيرتها في بغداد للتواصل مع حكومة السوداني وبقية مؤسسات الدولة”.

يذكر أن الاتفاق على إنشاء الأنبوب بين العراق والأردن تحول إلى واقع في عام 2019، خلال ترؤس عادل عبدالمهدي للحكومة، وبلغت الطاقة التصميمية للمشروع مليون برميل يومياً، بهدف نقل النفط الخام العراقي عبر الأراضي الأردنية إلى مرافئ التصدير على ساحل البحر الأحمر في العقبة.

يذكر أن وزارة النفط، سلطت الضوء على تاريخ مفاوضات مشروع إنشاء أنبوب “البصرة– العقبة” النفطي، العام الماضي، مستعرضة كافة المراحل التي مر بها المشروع، منذ عام 1980 ولغاية الآن، وأكدت أن آخر المحطات، هي أن المشروع ما زال قيد النقاش الفني والتجاري، رغم وصول المفاوضات إلى مراحل متطورة، فيما اشترطت تخفيض كلف التنفيذ الى ما دون الـ9 مليارات دولار.

إقرأ أيضا