الصين “وقطبا المنطقة”.. ترجيحات برد أمريكي وفتح لملف “الزعامة السنية”

فتح الاتفاق السعودي الإيراني، ملفات المنطقة المسكوت عنها، وأعاد تسليط الضوء على قضية “الأقطاب الدولية”،…

فتح الاتفاق السعودي الإيراني، ملفات المنطقة المسكوت عنها، وأعاد تسليط الضوء على قضية “الأقطاب الدولية”، وفيما وصف متخصصون بالشأن السياسي عراقيين وعربا، ما يجري بأنه بسط للنفوذ الصيني على حساب النفوذ الأمريكي الذي تقلص في المنطقة، لم يستبعدوا ردودا “حادة” من قبل واشنطن، فيما يظهر إلى الواجهة ملف “زعامة العالم السني” الذي تتنافس عليه تركيا وقطر بدعم إيراني من جهة، والسعودية من جهة أخرى، وهو ما قوبل بردود أفعال متباينة، إلى جانب ملف سوريا، التي جرت توقعات بعودتها للمحيط العربي، وفي خضم ما يجري أبدى الأردن استعداده للتقرب من إيران، وفقا لـ”الضوابط الأمريكية”.

ويقول الباحث والمحلل السياسي، نزار حيدر، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “أحدا لم يُفاجأ بخبر عودة العلاقات الطبيعية بين طهران والرياض، فقد ظهرت إرهاصاتها الأولى في نيسان (أبريل) 2022 عندما تم الإعلان عن وقف إطلاق النار في الحرب التي تشهدها اليمن منذ عقد من الزمن تقريباً، والذي ما كان ليتحقق لولا توصل طهران والرياض، وهما العاصمتان الإقليميتان المعنيتان بشكل مباشر، إلى اتفاق مبدئي خلف الكواليس، لإثبات حسن نوايا الطرفين تجاه الطرف الآخر”.

ويضيف حيدر، أن “ما حصل، شجع العاصمتين على زيادة منسوب الثقة تجاه بعضيهما ما دفعهما للاستمرار في المفاوضات الثنائية برعاية طرف ثالث، العراق تارة وعمان أخرى، والتي انتهت إلى صدور البيان المشترك يوم أمس الأول، بإشراف مباشر من المرشد الإيراني الأعلى وولي العهد السعودي، لينتقل الملف في المرحلة الثانية إلى حكومة البلدين من خلال وزيري الخارجية”.

ويتابع أن “شعوب المنطقة دفعت خلال السنوات السبع التي شهدت توتراً حد الصراع والحروب بالنيابة بين طهران والرياض، أثماناً باهظة جداً من الدماء والدموع والدمار والتخلف، ولقد كانت دول العراق وسوريا ولبنان واليمن من أكثر دول المنطقة تضررا من هذا الصراع الثنائي بسبب تخندق طهران والرياض خلف شعارات الدفاع عن مصالحهما فضلاً عن تسترهما بالمقدّس لتبرير إدارتهما للحروب بالنيابة في هذه الدول، من جهة، ولإبعاد شظايا الحرب المباشرة قدر الإمكان عنهما، من جهة أخرى”.

ويكمل حيدر أن “المستفيد الأول من إعادة تطبيع العلاقات بين طهران والرياض هو شعوب هذه الدول الأربع، لأن ضحايا خلافات الكبار عادة هم أول المستفيدين من تصالحهم، لأن ذلك يمنح الضحايا فرصة لالتقاط الأنفاس، وهذا ما نأمله، فهل تُحسن هذه الدول الأربع التصرف فتستفيد من التطبيع الإيراني السعودي لتضميد جراحها والانتباه إلى مصالحها الوطنية والانشغال بنفسها كما ينشغل الكبار بأنفسهم عندما تحين الفرصة لتوظيف المكاسب التي حصلوا عليها من الحروب بالنيابة التي دفعوا لها الصغار؟”.

ويؤكد المحلل السياسي، أن “الأمر الذي أثار الرأي العام في الإعلان هو الرعاية الصينية للجولة الأخيرة من الحوارات الثنائية بين طهران والرياض والتي طالت أياما في العاصمة بكين، وسبب هذه الرعاية برأيي، هو أن كلا العاصمتين كانتا تبحثان عن قوة عظمى دولية لضمان أي اتفاق والشهادة عليه، فمن المعروف أن الطرفين لا يثقان ببعضيهما، فالشك والريبة والتربص الذي يحكم العلاقات السعودية الإيرانية منذ 44 عاما لا يمكن تجاوزه بجرة قلم كما يقولون، ولذلك فلو ندقق في البيان المشترك، سنجد أن أكثر العبارات التي وردت فيه إثارة هو تأكيدهما على احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية وحرصها على بذل كافة الجهود لتعزيز السلم والأمن الإقليمي والدولي”.

ويرى حيدر، أن “هذه العبارة الأولى تحديداً ستستفيد منها الرياض أكثر من طهران، لان الأخيرة متهمة من قبل الأولى، وكذلك من قبل دول المنطقة والمجتمع الدولي من أنها تتدخل في شؤون الدول الأخرى، والاتفاق سيلزم طهران بعدم التدخل من الآن فصاعداً وستشهد الصين على ذلك وهنا مربط الفرس”.

وأعلن أمس الأول الجمعة، من العاصمة الصينية بكين، عن توصل السعودية وإيران لاتفاق بعودة العلاقات، يقضي باستئناف العلاقات الدبلوماسية وفتح سفارتي الرياض وطهران في غضون شهرين، وجرى الاتفاق بحضور أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني ومستشار الأمن القومي السعودي مساعد بن محمد العيبان، وووانغ يي، أكبر دبلوماسي صيني.   

كما تضمن الاتفاق توجيه الشكر للعراق وعمان، على استضافتهما جولات الحوار بين السعودية وإيران، كما أن الرياض وطهران اتفقتا على احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وأن المباحثات جرت في بكين وفق اتفاق بين قيادتي السعودية وإيران مع الرئيس الصيني، كما جرى الاتفاق على تفعيل اتفاقية التعاون الأمني بين البلدين.

يذكر أن السعودية استضافت في كانون الأول ديسمبر 2022، القمة العربية- الصينية، بحضور الرئيس الصيني شي جين بينغ، وشدد البيان الختامي للقمة على المضي بالتعاون بين الدول العربية وبكين، وتعزيز الشراكة الاستراتيجية بين الطرفين القائمة على التعاون الشامل والتنمية، والتأكيد على احترام سيادة الدول والامتناع عن استخدام القوة أو التهديد باستخدامها واحترام مبدأ حسن الجوار.

وكان الرئيس الصيني، أكد خلال كلمته في القمة، على أن الجانب الصيني يحرص على العمل مع الجانب العربي على تنفيذ مبادرة التنمية العالمية وتدعيم تعاون الجنوب- الجنوب لتحقيق التنمية المستدامة، وأشار أيضا في كلمته، إلى دعم الصين لإيجاد حلول سياسية للقضايا الساخنة والشائكة في البلدان العربية، وبناء منظومة أمنية مشتركة ومستدامة في الشرق الأوسط. 

يذكر أنه خلال القمة، قال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض، جون كيربي، إن زيارة الرئيس الصيني للسعودية “مثال على محاولات الصين بسط نفوذها في أنحاء العالم”، مشددا على أنها لن تغير سياسة الولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط، وأن واشنطن تركز على شراكاتها في المنطقة”. 

سحب البساط

من جهته، يرى المحلل السياسي السعودي عبد الله غانم القحطاني، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “الدور الصيني دور عالمي مؤثر، فالصين أصبح لها نفوذ في منطقة غرب آسيا وإفريقيا، وهذا جاء لوجود فراغ كبير جداً من قبل الغرب والولايات المتحدة الأمريكية، والصين دولة مهمة ومؤثرة على مستوى العالم، والشرق الأوسط من أهم مناطق العالم، ولهذا من الطبيعي أن نجد نفوذا للصين بهذه المنطقة، وهو دور إيجابي حتى اللحظة فهو لا يتدخل في شؤون الدول بل يسعى إلى إيجاد شراكات اقتصادية كبرى، وهو دور مرحب به على مستوى الشعوب والقيادات في منطقة الشرق الأوسط”.

ويتوقع القحطاني، أن “دور الصين سيكون مهما في المنطقة خلال المرحلة المقبلة من خلال التنامي في الاقتصاد والشراكات والثقافة والتواجد السياسي والدليل على ذلك التوسط بين طهران والرياض، فالصين صاحب ضمانة، والمستقبل سيكون واسع جداً في المنطقة وبكل دول العالم”.

ولا يرجح المحلل السياسي السعودي أن “الصين ترغب بسحب البساط من النفوذ الأمريكي، فالأخير موجود منذ حوالي قرن، ولهذا لا يمكن لأن تحل الصين بشكل مباشر ونهائي بدلا عن أمريكا، لكنها تزاحمها بسبب السياسات الأمريكية غير الموفقة خلال الثلاثين سنة الماضية، ولهذا كان على المنطقة أن تذهب لشريك آخر من أجل البناء والتنمية، والدور الأمريكي لن يغيب بل سوف يتعاظم في المنطقة”، لافتا إلى أن “ردود أفعال أمريكية ستأتي، وستعمل واشنطن على منع الصين من أي دور إيجابي في المنطقة”.

وتعيش المنطقة، أزمات عديدة وخاصة العراق وسوريا ولبنان واليمن، نتيجة للصراع السعودي الإيراني، الذي بدأ قبل 7 سنوات، ووجهت العديد من الاتهامات لإيران بالتدخل بالشؤون الداخلية لهذه الدول، بمقابل اتهامات للسعودية بدعم التنظيمات الإرهابية.

وعن رعاية الصين للاتفاق الإيراني السعودي، يؤكد المحلل السياسي الأردني حازم عياد، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “هذه الرعاية قفزة نوعية من الناحية السياسية للصين، والتأكيد على دورها السياسي، الذي لم يعد يختصر على العلاقات الاقتصادية، بل أصبح يتخذ منحى سياسيا في المنطقة وأصبح للصين دور مهم في تجسير الفجوة ما بين الدول المختلفة، والصين بهذه الخطوة سجلت نقلة نوعية في علاقاتها السياسية في المنطقة، وهذا قد يفتح الباب للصين ليكون لها بعد أمني بعد البعد السياسي”.

ويضيف أن “الدور الصيني في منطقة الشرق الأوسط، له تأثير كبير على النفوذ الأمريكي، وردود الأفعال الأمريكية، قد تكون واردة ومتوقعة، وربما سيكون هناك تحرك أمريكي لمنع دول المنطقة من الذهاب بعيداً مع الصين في الكثير من الملفات المهمة والحساسة، لكن نعتقد أن هذا العمل الأمريكي لن ينفع”.

ويتابع المحلل السياسي الأردني أن “تطبيع العلاقات الإيرانية – السعودية، سيكون له تأثير على وضع سوريا، في المستقبل البعيد وقد يدفع لعودتها سوريا إلى الجامعة العربية، لأن الكثير من العوائق التي كانت تقف أمام عودة سوريا للجامعة قد تمت إزاحتها، فنتوقع هذا التطبيع سيكون له تأثير إيجابي على وضع سوريا بشكل عام وعودة الاستقرار”.

ويخلص إلى أن “الأردن في الآونة الأخيرة لديه الرغبة والجدية في الانفتاح على العراق وسوريا، لكن هذا الأمر يتم وفق ضوابط تضعها الإدارة الأمريكية، ولهذا الأردن يتحرك بحذر، في الإطار الإقليمي الذي يجمع كل من مصر والعراق، ويقترب من إيران، فالأردن، لديها قابلية للانفتاح مع إيران وغيرها من الدول، خصوصاً مع وجود التوتر في الأراضي المحتلة في فلسطين، والذي يمثل الأرق الأساسي لعمّان، ولهذا تطبيع العلاقات السعودية – الإيرانية سوف يسهم بشكل إيجابي على الأردن، ويفتح الآفاق للشراكة والتعاون بين الأردن وباقي الدول”.

“الزعامة السنية”

وفي شأن الصراع بين الرياض وأنقرة حول الزعامة السنية في العالم والمنطقة، لا يرى القحطاني، أن “هناك صراعا، لكن القيادة التركية حاولت أن تقنع نفسها بأنها زعيمة على العالم العربي واكتشفت أن هذا الأمر غير مقبول من الشارع العربي وغير منطقي وغير قابل للتطبيق”.

وتعد “الزعامة السنية” محل نزاع بين السعودية من جهة وتركيا وقطر من جهة أخرى، وقد أدت أنقرة هذا الدور كزعيمة للقوى والمكون السني، وخاصة في العراق، حيث قادت وساطة صلح بين القطبين للمكون السني رئيس البرلمان محمد الحلبوسي وزعيم المشروع العربي خميس الخنجر.

يذكر أن إيران دعمت قطر، خلال فترة صراعها مع دول الخليج وفرض حصار عليها، واستمر الدعم والتنسيق حتى بعد عودة قطر وعقد مصالحة مع دول الخليج، وأثمر التعاون القطر الإيراني عن تعاون آخر ربط تركيا بقطر، لاسيما وأن قطر ترتبط بعلاقة وتنسيق كبير مع إيران.

ومن المواقف التي ما زال الإعلام الإيراني يذكرها، هو إنقاذ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من محاولة اغتياله خلال الانقلاب الفاشل في تركيا عام 2016، وذلك عبر معلومات استخبارية إيرانية، أخرجت أردوغان من فندقه قبل دقائق فقط من استهدافه بصاروخ في غرفته.

من جانبه، يشير عياد، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إلى أن “تطبيع العلاقات الإيرانية السعودية، لن يدفع إلى فتح جبهة ما بين أنقرة والرياض، بالعكس فالعلاقات السعودية – التركية في تطور خصوصا أن السعودية لعبت دورا كبيرا في الدعم والإغاثة أثناء الزلازل التي ضربت تركيا، كما قامت قبل أيام بوضع وديعة بقيمة 5 ملايين دولار في الخزينة التركية، وهذا الأمر يؤكد أن لا خلاف على قضية الزعامة السنية والعلاقات الإيرانية – السعودية لن تؤثر بأي شيء في العلاقات السعودية التركية”.

فيما تتجه الأردن إلى “الاستقواء” بالعراق وعلاقاته للوقوف إلى جانبها، بصراعها مع السعودية حول حق الوصاية على المقدسات في فلسطين، إذ تتجه السعودية إلى الاستحواذ على الوصاية التاريخية باتفاق مع إسرائيل، ومن جانب آخر، تحاول الأردن، وحسب ما كشف تقرير سابق لـ”العالم الجديد”، أن تعود لنفوذها في سوريا ولبنان، عبر بوابة القوى الشيعية العراقية.

إقرأ أيضا