الحسابات الختامية مجددا.. هل ما زال الفساد “يغيبها”؟

يتجدّد الحديث عن غياب الحسابات الختامية للدولة منذ أكثر من 10 سنوات، وكما يرى متخصصون…

يتجدّد الحديث حول غياب الحسابات الختامية للدولة منذ أكثر من 10 سنوات، ما يعزوه متخصصون بالاقتصاد لسببين، الأول فني والآخر التغطية على الفساد، بمقابل إشارتهم إلى أن قيمة السلف والأمانات بلغت 250 تريليون دينار جرى إنفاقها دون تسويتها، في وقت أكد خبير قانوني، أن الحكومة خرقت الدستور بعدم تقديم هذه الحسابات، داعيا البرلمان لمحاسبة رئيس الحكومة بسبب ذلك.

ويقول الباحث والمختص في الشأن الاقتصادي نبيل جبار العلي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “الحسابات الختامية هي تقرير الإنفاق، الذي يتم تقديمه من الحكومة في نهاية كل عام، وهي نقيض الموازنة، التي تقدر النفقات، لتتمكن اللجان المختصة من مطابقة تقديرات الإنفاق المقرة في الموازنة، مع حجم الإنفاق الحقيقي، الذي تكشف عنه الحسابات الختامية”.

ويضيف العلي، أن “عدم وجود حسابات ختامية عائد لسببين في اعتقادي، الأول فني، يمثل خللاً في الكشوفات، أما الثاني فيتمثل بقصور حكومي، أو مسائل متعلقة بالتغطية على ملفات فساد، أو صفقات هنا وهناك”.

ويشير إلى أن “الحسابات الختامية والموازنة لها نص ثابت ومحدد في الدستور العراقي، يلزم الحكومة بتقديمهما في مواعيد ثابتة، لكن هذا الأمر غالباً ما يخضع للأمزجة السياسية، بعيداً عن التنفيذ الحقيقي للقوانين”.

وعن سلبيات انعدام الحسابات الختامية في العراق أكد العلي أنه “لا يمكن معرفة نسب إنجاز المشاريع، ونسب التنفيذ، وحجم الإنفاق، لكل دائرة حكومية، أو وزارة، ما لم يتم الكشف عن الحسابات الختامية، التي تكشف بالتفصيل عن مصير الأموال وخطط التنفيذ”.

وكان الحزب الشيوعي العراقي، أعلن يوم أمس، عن ردّ المحكمة الاتحادية الدعوى التي أقامها بشأن خرق الدستور في عدم تقديم الحسابات الختامية مع مشروع الموازنة العامة، لأنه لا يعتبر صاحب مصلحة في موضوع الشكوى.

وكانت اللجنة المالية النيابية، قررت في وقت سابق، تقديم تقرير لرئاسة البرلمان بشأن إرسال الحسابات الختامية لسنة 2012 من قبل الحكومة.

ويعاني البلد من غياب البيانات الختامية، إذ أعلن وكيل وزارة التخطيط ماهر حماد، العام الماضي، عن عدم وجود بيانات ختامية للعام 2021، وذلك بالتزامن مع تصريح رئيس ديوان الرقابة المالية رافل ياسين خضير، أن أسباب تأخير إنجاز الحسابات الختامية يعود إلى أن الديوان يحصل على البيانات عبر سجلات ووثائق، وليست إلكترونية.

يذكر أن مستشار رئيس الحكومة الاقتصادي مظهر محمد صالح، أوضح في تصريح صحفي بوقت سابق، أنه يجب أن يصوت مجلس النواب على الحسابات الختامية لأعوام 2013 و2014، التي تمثل المصروفات والنفقات الفعلية والمعروضة، وبعدها يمكن عرض بقية الحسابات الختامية على مجلس الوزراء تباعاً بغية رفعها إلى مجلس النواب لإقرارها بموجب الدستور وقانون الإدارة المالية النافذ، مؤكدا أن المصروفات والنفقات معدة ضمن أعمال رقابة ديوان الرقابة الاتحادية، ولكن عملية اعتمادها مع الملاحظات التي يقدمها الديوان بتقريره يجب أن تعرض بالتعاقب على مجلس النواب.

من جانبه يعتقد الباحث في الشأن الاقتصادي قصي صفوان، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “هناك حسابات ختامية معلقة، ترتبط بالسنوات المالية الماضية، فقد بلغ حساب السلف والأمانات المعلقة بنسبة 250 تريليون دينار عراقي، وهي عبارة عن مصروفات جرى إنفاقها لكن لم تتم تسويتها، فضلاً عن إيرادات يفترض أن تدخل لخزينة الدولة من حساب الأمانات لكنها لم تدخل، بمعنى آخر أن خزينة الدولة تعطي مصروفات على شكل سلف، لكنها لم يتم التحقق من صرفها أو إعادتها”.

ويضيف صفوان أن “الحسابات الختامية حتى العام 2013 يمكن للحكومة تقديمها، لكن الصعوبة تكمن في العام 2014، فقد ضاعت العديد من السجلات والأوراق الثبوتية، والوصولات، أثناء احتلال داعش لمحافظات عراقية، ولكن يمكن تلافي هذا التلكؤ بمراجعة دقيقة للحسابات بشكل جزئي، كل وحدة حكومية على حدة، ثم المصادقة على ميزان المراجعة، لكل وحدة حكومية، وبشكل مستقل، لضمان تحديد الخلل، والكشف عن الحسابات الختامية التي لا يشوبها خلل معين، دون شمول كل الوحدات، وبالتالي إنجاز الحساب الختامي دون تعذر”.

ويبين أن “سلوك الإنفاق وسلوك الإيراد يعتمد على مقارنة التخطيط بالتنفيذ، فعدم وجود حساب ختامي سوف يعرقل وضع الخطط، ويكرر صرف الأموال بالطريقة نفسها، ما يسبب هدراً كبيراً للمال العام”.

وكانت عضو لجنة الاقتصاد والاستثمار النيابية السابقة نجيبة نجيب، قد كشفت في العام 2018، في سياق حديثها عن غياب البيانات الختامية، أن المبالغ التي دخلت خزينة الدولة هي أكثر من 990 تريليون دينار منذ 2004 لغاية 2017، وإذا تمت مقارنتها بالخدمات والمشاريع سنجد أن هناك فرقا كبيرا فيها.

يشار إلى أن العام الماضي، مضى دون إقرار موازنة، ليضاف إلى عام 2020 وعام 2014، حيث مضيا دون موازنة بسبب الأحداث السياسية والأمنية. 

بدوره، يشرح الخبير القانوني أحمد العبادي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “الحسابات الختامية تخضع لسلطة هيئة الرقابة المالية التابعة لرئاسة الوزراء، فضلاً عن تدقيقات هيئة النزاهة، مع الجهات الرقابية الأخرى، بما فيها مجلس النواب”.

ويضيف العبادي: “رغم وجود العديد من الهيئات الرقابية، إلا أن المادة 62 من الدستور العراقي تلزم الحكومة بكشف الحسابات الختامية، عبر الإشارة بصريح العبارة إلى تقديم مجلس الوزراء مشروع الموازنة العامة والحساب الختامي لمجلس النواب لإقراره، ولكن في حالة عدم تقديمها فإن الجهات الرقابية ملزمة بالمتابعة والتدقيق، وعلى مجلس النواب يقع العاتق الأكبر في ذلك”.

ويبين أن “السلطة التشريعية والرقابية المتمثلة بمجلس النواب يمكنها مساءلة القائم بأعمال رئاسة الوزراء حول الحسابات الختامية، نتيجة عدم تطبيق القانون بشكل تام، ثم يعمل مجلس النواب تبعاً لصلاحياته للقيام بإجراءات قانونية محددة”.

يذكر أن مجلس الوزراء، صوت على موازنة العام الحالي أمس الأول، وأحالها لمجلس النواب لغرض التصويت عليها، وبلغت نحو 200 تريليون دينار.

إقرأ أيضا