في ذروة الجفاف.. كيف يستفيد العراق من مياه الأمطار؟

سلّطت غزارة الأمطار الأخيرة في عموم البلد، الضوء على كيفية الاستفادة منها في ظل أزمة…

غزارة الأمطار الأخيرة، جلبت فوائد عدة للبلاد، أبرزها زيادة المخزون المائي، وإكمال الرية الأخيرة للمحاصيل الزراعية، وتخفيف حدة ملوحة المياه الجوفية المستخدمة في الري، في ظل ضعف إدارة القطاع الزراعي في التعامل مع المياه التي يتم استهلاك 70 بالمئة منها لهذا الغرض، كما أشرت ذلك وزارة الموارد المائية، في حين، دعا متخصصون لإنشاء سدود صغيرة وروافد توجه مياه الأمطار نحو السدود والبحيرات وعدم فقدان النسبة الأعظم منها.

ويقول المتحدث باسم وزارة الموارد المائية خالد شمال، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “الأمطار أينما هطلت فهي مفيدة، ولكن هناك فوائد مهمة، وهي الفائدة الخزنية، إذ يُستفاد منها في المناطق الشمالية ليتم توجيهها إلى مقدمات البحيرات والسدود وهي بحيرات الحبانية والثرثار، أما الأمطار التي تقع في المناطق الوسطى والجنوبية لها فائدتان الأولى هي تحقيق عملية الري إذا كانت في موسم زراعة، خاصة أننا مقبلون على الرية الأخيرة للمحاصيل الزراعية كما تقلل سحب المياه من الخزانات الإستراتيجية والأنهر والسدود والخزانات، كما أن هناك فائدة أخرى وهي إنعاش الأهوار وزيادة الغطاء النباتي في المناطق الرعوية كافة”.

ويضيف شمال، أن “المشكلة الأساسية التي يعانيها العراق هي مروره بثلاث سنوات جافة، فحتى العام الحالي لم يكن رطبا بشك كاف، ولتحقيق خطة زراعية وتوفير مياه شرب اضطرت الوزارة أن تأخذ من الخزين الاستراتيجي، ما أدى إلى استنزافه بشكل كبير ووصل إلى اقل مستويات منذ سنوات طويلة”.

وفي الوقت نفسه، يلفت إلى أن “70 بالمئة من الإيرادات المائية تأتي من الدول المجاورة تركيا وسوريا وإيران التي انتهجت سياسات مائية مضرة بالعراق بتنفيذ مشاريع ري وسدود خزنية كبرى وتنفيذ مشاريع استصلاح كبرى وتشغيل مشاريعها الإروائية بطريقة جائرة بشكل يؤثر على العراق وعلى طبيعة الإيرادات التي تأتيه”.

ويستدرك شمال أن “القطاع الزراعي يستنزف 70 بالمئة من الإيرادات المائية الكلية رغم وجود إشكاليات وتراجع في هذا القطاع”، لافتا إلى أن “العراق يعاني من ضعف في إدارة القطاع الزراعي، حيث ما تزال الزراعة تعيش ثقافة الوفرة وتتعامل مع المياه على أنها متاحة، في حين كل العالم يتعامل مع ندرة المياه وشحتها، إضافة إلى أساليب الري البدائية التي يستخدمها المزارعون وعدم اعتماد الوسائل الحديثة”.

ويؤكد متحدث الوزارة، أن “الحكومات السابقة لم تعر ملف المياه أهمية، لكن حاليا الوضع تغير في ظل حكومة السوداني وصار التوجه نحو دعم هذا الملف، كما عرض وزير الموارد المائية عون ذياب الملف بطريقة مفصلة على السوداني وأوعز الأخير أن يصبح الملف سياديا ويتم التعامل معه على هذا الأساس”.

وشهدت أغلب المحافظات يوم أمس، موجة أمطار غزيرة، استدعت تعطيل دوام بعض المدارس وأدت لتخسفات في بعض الطرق، فيما جرى تداول مقاطع فيديو لارتفاع مستوى مياه بحيرة حمرين نتيجة الأمطار.

وكان المتحدث باسم وزارة الزراعة محمد الخزعلي، أعلن يوم أمس، أن أمطار هذا الموسم غطت احتياجات الوزارة للريات 1،2،3 وتم بالفعل تحقيق تلك الريات، وأن الأمطار التي تشهدها البلاد ستنعكس ايجابيا في المناطق الوسطى والجنوبية خصوصا بعد السنوات الجافة التي تعرضت لها البلاد والتي أدت إلى تقلص الغطاء النباتي.

وكان وزير الموارد المائية عون ذياب، أعلن يوم أواخر العام الماضي، أن الأمطار التي هطلت على مناطق عدة في محافظات الوسط والجنوب كافة وكان أعلاها 67 ملم في موقع سدة الكوت، سيكون لها تأثير إيجابي في تخفيف حدة التنافس على المياه، خصوصا للأراضي الزراعية، كما سيكون لدى الوزارة الفرصة لمعالجة شح المياه في المناطق الجنوبية وتأمين جزء من احتياجات مناطق الأهوار.

جدير بالذكر أن ذياب، كشف يوم أمس، أن تركيا ستشيِّد 20 سداً إضافياً على نهري دجلة والفرات، فيما أكد أن مياه الشرب مؤمنة بالكامل لكن تناقص الخزين المائي أثر بشكل مباشر على الخطة الزراعية الصيفية.

كما قال ذياب، قبل أيام، أن العراق لم يعد بلد النهرين العظيمين دجلة والفرات، لكون أنهره أمست قنوات بسيطة تتحكم السدود التركية بما يطلق لها من حصص مائية. 

ومنذ أكثر من عام، برزت أزمة الجفاف بشكل جلي في العراق، فبعد أن تم تقليص المساحات الزراعية إلى 50 بالمئة في العام الماضي، تفاقمت الأزمة مؤخرا عبر فقدان أغلب المحافظات مساحاتها الزراعية، وأبرزها ديالى وبابل، حيث أعلن مسؤولون فيها عن انعدام الأراضي الزراعية بشكل شبه كامل، بسبب شح المياه.

يذكر أن إيران قطعت المياه المتدفقة إلى سد دربندخان بالكامل، مطلع أيار مايو الماضي، ما أدى لأزمة كبيرة في حوض نهر ديالى الذي انخفضت مناسيبه بنسبة 75 بالمئة، وذلك بحسب تصريحات مسؤولين في المحافظة.

إلى ذلك، يؤكد الخبير المائي جمعة الدراجي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “الأقمار الصناعية تؤكد تساقط مطري كبير من شمال العراق حتى جنوبه، وفي المجمل ذلك سوف يكون للأمطار فائدة كبيرة على الزراعة وخاصة محصول الحنطة في موسمه الحالي وهذا ما يعوض طرق الري الأخرى، بيد أن الاستفادة من هذه السيول سوف تكون محدودة لعدم وجود بنية تحتية في العراق لحصاد المياه المحلية للتساقط المطري”.

ويضيف الدراجي أن “هذه الأمطار تحتاج إلى مصدات وسدود صغيرة كما تحتاج إلى تسليك وتمرير وحفر قنوات وأنفاق وجداول تمر عبر المنخفضات غير المتصلة بالسدود إلى الخزانات التي تحوي أكبر كمية ممكنة لاسيما أننا نمتلك مساحة خزنية كبيرة في العراق  بسبب شحة التساقط المطري خلال السنوات الأربعة الأخيرة، كما  يترتب على العراق الآن أن يتوجه لإنشاء بنية تحتية لحصاد المياه المحلية”.

ويستدرك الخبير المائي أن “وزارة الموارد المائية خلال الأمطار السابقة أكدت أن التساقط يعادل أكثر من مليار متر مكعب لكنها استطاعت أن تخزن فقط 250 مليون متر مكعب، أي ربع التساقط المطري، وهو التساقط الطبيعي في الخزانات غير المسلكة، أما كمية الثلاثة أرباع المتبقية التي سقطت ذهبت إلى منخفضات غير متصلة بالخزانات”، مشيرا إلى أن “التساقط المطري إضافة إلى فائدته في الري، قد ينتعش الأهوار بواسطة التساقط المباشر ولكن يتطلب أيضا تسليكها”.

كما غيرت إيران مجرى نهر الكارون في العام 2018، حين أعلن معاون وزير الزراعة الإيراني آنذاك، علي مراد أكبري، عن قطع حوالي 7 مليارات متر مكعب صوب الحدود العراقية، وتخصيص مبلغ 8 مليارات دولار لوزارات الطاقة والزراعة للتحكم بحركة المياه، وأن هذه الكميات من المياه ستستخدم في 3 مشاريع رئيسية في البلاد، منها مشروع على مساحة 550 ألف هكتار في خوزستان، و220 ألف هكتار في خوزستان أيضا وإيلام، في غرب إيران، الأمر الذي أثر على مياه شط العرب وزاد من ملوحتها، وأضر بالأراضي الزراعية في محافظة البصرة.

من جانبه، يذكر رئيس الجمعيات الفلاحية عبد الحسن كاظم، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “الأمطار التي ستسقط هذه الفترة ستحقق الرية الأخيرة أو رية الفطام والفلاح ينتظرها، خاصة في شمال البصرة الذي يضم أغلب مزارع الحنطة والشعير”.

ويضيف كاظم، أن “الأمطار في هذا الوقت مصدر مهم للمياه الجوفية خاصة في الزبير وأم قصر، وهي مياه تسمى بالمتجددة كونها موجودة داخل الأرض ولا تتعرض للتبخر، وهذه الأمطار تقلل من خزين المياه الجوفية الموجودة فعليا، وبالتالي تستخدم مستقبلا في الزراعة”، لافتا إلى أن “الأمطار كانت ذات فائدة لجميع الأشجار المثمرة، لكنها قد تكون مضرة على محصول الطماطة كونه في موسم القطف الآن وكذلك البامية والفلفل ستتأثر خاصة إذا كانت الأمطار قوية”.

جدير بالذكر، أن تركيا تحاول منذ سنوات، استخدام مياه نهري دجلة والفرات، لتوليد الطاقة الكهربائية، فأعلنت عن تشييد عدد من السدود، بدءا من العام 2006، منها سد إليسو الذي دخل حيز التشغيل عام 2018، ما حد من تدفق المياه إلى العراق، وأدى ذلك إلى تفاقم الخوف من النقص الحاد وعدم القدرة على تلبية الاحتياجات اليومية للزراعة والسكان.

إقرأ أيضا