تلوث وارتفاع بعدد المصابين بـ”الربو”.. هل من حلول؟

إلى جانب العديد من المشاكل، يحلّ العراق ثانيا كأسوأ الدول تلوثا بعد دولة تشاد الأفريقية،…

إلى جانب العديد من المشاكل، يحلّ العراق ثانيا كأسوأ الدول تلوثا بعد دولة تشاد الأفريقية، وفيما عزا متخصصون بالبيئة ذلك إلى الانبعاثات وعوادم السيارات الكثيرة وانعدام الحزام الأخضر، طالبوا بالانتقال إلى وسائل النقل الجماعية والطاقة النظيفة وإلزام أصحاب المولدات والمعامل بفلترة الغازات المنبعثة منها، وسط ارتفاع في حالات الإصابة بالربو، وأمراض مزمنة بالصدر، فضلا عن السرطان.

ويقول الخبير البيئي محمد إبراهيم، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “العراق رغم عدم امتلاكه العديد من المصانع إلا أن بيئته مليئة بالأبخرة والغازات السامة، فضلا عن الأتربة المتطايرة داخل المدن وخارجها، وذلك عائد لتزايد أعداد السيارات بشكل ملفت، بالتزامن مع ارتفاع في أعداد السكان، وكثرة الزحامات المرورية، وغياب الاهتمام بالمساحات والأحزمة الخضراء، فضلا عن انتشار ظاهرة حرق النفايات“.

ويضيف إبراهيم: “تبعاً لهذه المشاكل فإن الحلول المفترضة تتعلق بإنشاء وتفعيل النقل الجماعي، المتمثل بالمترو والباصات، لتقليل الاعتماد على السيارات الشخصية، فضلا عن فك الاختناقات المرورية، عبر إنشاء الجسور والأنفاق، وتحويل السيارات التي تعمل بوقود البنزين إلى الغاز، واتجاه الحكومة للاعتماد على الطاقة النظيفة والمتجدّدة في مؤسسات الدولة“.

ويشير إلى أن “بعض الحلول التي ينبغي على العراق إتباعها تتمثل بزرع المساحات الخالية داخل المدن، والعمل بشكل جاد على إنشاء الأحزمة الخضراء، يترافق مع ذلك وجوب اعتماد العراق على تقنية تدوير النفايات، ونسيان الطرق القديمة في طمر وحرق النفايات الصلبة“.

وكانت دراسة عالمية سنوية أجرتها شركة سويسرية لتصنيع أجهزة تنقية الهواء، صدرت أمس الأول، أشرت أن تشاد الواقعة في وسط إفريقيا حلت محل بنغلادش لتصبح الدولة صاحبة أعلى معدل لتلوث الهواء في عام 2022، وبلغ متوسط معدل التركيز في تشاد 89.7، بينما بلغ 80.1 بالعراق الذي أصبح ثاني أكثر الدول تلوثاً.

وتقيس الشركة جودة الهواء بتحديد مستوى تركيز الجزيئات الملوثة المنقولة عبر الهواء وتسبب تلفاً للرئتين والمعروفة باسم جزيئات (ب.إم.2.5). ويستشهد باحثون ومنظمات حكومية على نطاق واسع بهذه الدراسة السنوية.

ويشهد العراق ارتفاعا كبيرا ومستمرا في أعداد السيارات، حيث بلغ عددها في العاصمة بغداد قرابة 4 ملايين سيارة، وهذا إلى جانب انتشار الآلاف من مولدات الكهرباء الأهلية داخل الأحياء السكنية، وأغلبها تصدر عوادم دون وجود لأجهزة فلترة.

وما تزال قضية الحزام الأخضر، تنتقل من حكومة لأخرى دون تنفيذ حقيقي، باستثناء ما أعلنه رئيس الحكومة محمد شياع السوداني مؤخرا، عن مبادرة لزراعة 5 ملايين شجرة ونخلة، وهو ما قلل من أهميته متخصصون بالبيئة، حيث أكدوا أن البلد بحاجة إلى 14 مليار شجرة.

يذكر أن مبادرات إنشاء الحزام الأخضر، بدأت في سبعينيات القرن الماضي، كجزء من حملة قامت بها الدول العربية وبمساعدة منظمة الأغذية والزراعة (فاو) في مرحلتها الأولى، يعمل كمصد للرمال الصحراوية التي تجتاح المدن والأراضي الزراعية، فضلاً عن عمله للحد من الرياح الصحراوية نحو المدن، لكن المشروع توقف بسبب الحرب العراقية الإيرانية 1980- 1988، ومن ثم حرب الخليج، والخلاف العراقي الخليجي.

من جانبه، يؤكد عميد المعهد الأمريكي للدراسات البايولوجية والبيئية حيدر معتز، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “أسباب تلوث هواء العراق كثيرة، أبرزها انتشار مولدات الكهرباء، التي تعمل بالوقود، لتبعث الغازات الدفيئة للهواء، يترافق مع ذلك اقتصار النشاط الصناعي على المدن، مع قلة الأغطية النباتية، فضلا عن انتشار التصحر، الذي نتج عن قلة المياه“.

ويبين معتز أن “المعالجات المناسبة لتقليل نسب التلوث تكمن في وضع إستراتيجية وطنية للتعامل مع الملوثات البيئية بشكل عام، سواء أكانت ملوثات الهواء، التربة أو المياه، فعلى صعيد الهواء يتعين على الجهات المختصة إطلاق حملة للتأكد من وجود حجر البيئة داخل المولدات، وهو حجر يسهم بتقليل انبعاثات الكاربون للهواء، كما ينبغي توجيه القطاع الصناعي الخاص والحكومي بضرورة فلترة الانبعاثات الغازية للمصانع“.

ويضيف “إننا لا نشهد في مقابل انتشار تلك الملوثات جهدا حكوميا لتقليلها، مع انعدام أي خطط للتعامل معها على المدى القريب والبعيد، إذ لا يتجه العراق لمعالجة نقص الغطاء النباتي، ونقص المياه، وانتشار التصحر، وبالتالي فإننا بحاجة للتحرك على كافة الأصعدة، لتقليل التلوث“.

وإلى جانب هذه المشاكل، تبرز قضية هامة، وهي الانبعاثات الصادرة عن الحقول النفطية المنتشرة في البلد، ووفقا لتحقيقات غربية أظهرت سابقا، أن عشرات الحقول النفطية التي تعمل فيها كبريات الشركات النفطية مثل بريتش بتروليوم (BP) وإيني (ENI) وإكسون موبيل (MOBILEXXON) وشيفرون (CHEVRON) وشل (SHELL) لا يتم الإعلان فيها عن ملايين الأطنان من الانبعاثات الناتجة عن حرق “غاز الشعلة” الذي يرافق إنتاج النفط فيها.

جدير بالذكر، أن “بريتش بتروليوم” و”إيني” و”شل” و”شفرون” و”إكسون موبيل”، تبنت تعهد البنك الدولي لعام 2015 الخاص بالتخلص من ظاهرة غاز الشعلة بحلول عام 2030 إلا في حالات الطوارئ، فيما قالت شل إنها ستتخلص من ذلك بحلول 2025.

لكن هذه الشركات تقول إنه عندما تعاقدت مع شركة أخرى لإدارة العمليات اليومية في هذه الحقول النفطية، تتحمل تلك الشركات مسؤولية الكشف عن الانبعاثات الغازية الناتجة عن حرق غاز الشعلة.

وفي سياق متصل، يرى أخصائي الأمراض الصدرية مهدي محمد، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “تلوث الهواء بالأتربة والغازات أسهم بشكل كبير في ازدياد حالات الربو، وهذا ما لمسناه في المستشفيات والعيادات الشخصية، وتلك الحالات تحتاج لعناية شديدة على مستوى المجاري التنفسية، تبعا لذلك فإن هذه الشريحة تحتاج لحلول دائمة، عبر مساهمات حكومية بتنقية الهواء الخارجي“.

ويضيف محمد، أن “تلوث الهواء بغازات المولدات والسيارات والمعامل يؤدي لأمراض خطيرة، كالأمراض المسرطنة والأمراض الرئوية، فضلا عن ذلك ورغم تعرض الشباب العراقي لهذه الانبعاثات نجدهم مقبلين على تدخين السجائر والأرجيلة، التي سببت أمراضا رئوية خطيرة، تشهد عليها أغلب مستشفيات العراق“.

وينصح أخصائي الأمراض الصدرية “المواطنين باستعمال الكمامة للضرورات، وأثناء الاختناقات المرورية، دون ارتدائها بشكل مستمر، لأنها تسبب ضيقا في التنفس، كما أنصح بالإكثار من فيتامينالمسؤول الأول عن محاربة السموم الداخلة للجسم، فضلا عن التعرض لأشعة الشمس، التي تقدم للجسد مضادات حيوية كثيرة، وتحارب السموم“.

ويشتبه منذ فترة طويلة أبناء المناطق المحيطة ببعض أكبر حقول النفط العالمية في جنوب العراق، الرميلة وغرب القرنة والزبير والنهران عمر، في أن سرطان الدم لدى الأطفال آخذ في الازدياد، وأن حرق غاز الشعلة هو المسؤول عن ذلك.

جدير بالذكر، أن وزير النفط السابق إحسان عبد الجبار، أعلن سابقا “أوعزنا لجميع الشركات المتعاقد معها والعاملة في حقول النفط بالالتزام بالمعايير الدولية”، وذلك في تعليقه على التقارير التي تشير إلى تزايد الإصابات بالسرطان جراء الانبعاثات.

إقرأ أيضا