20 عاما على الحرب.. الحريات ما تزال رهينة “مجلس قيادة الثورة”

في الجزء الثاني من الملف الخاص بذكرى الحرب على العراق عام 2003، تتناول “العالم الجديد”،…

في الجزء الثاني من الملف الخاص بذكرى الحرب على العراق عام 2003، تتناول “العالم الجديد”، قضية الحريات والحقوق في العراق خلال الـ20 عاما الماضية، فضلا عن القوانين الموروثة من النظام السابق، إذ كشف قانونيون وناشطون عن 6 آلاف قرار من مجلس قيادة الثورة المنحل ما تزال نافذة وأغلبها يحد من حرية التعبير، فضلا عن توجه النظام الجديد إلى تشريع قوانين تصب في هذا الشأن أيضا، إلى جانب الحد من حرية الصحافة ودورها الرقابي، ما عزاه متخصصون لأسباب عدة، منها ضعف العمل النقابي وارتباطه بالسلطة، وأشاروا إلى أن ما يجري جميعه مخالف للدستور، مطالبين بتأسيس هيئة مختصة تعنى بإنفاذ الدستور وتطبيق القوانين وفقا لما ورد فيه.

ويقول الخبير القانوني، جمال الأسدي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “أكثر من 29 ألف قانون لا يزال نافذا في العراق، منذ ثلاثينيات القرن المنصرم وحتى اليوم، مع أكثر من 250 مادة قانونية، وهذا العدد الكبير، أدى لاختلافات وتقاطعات بين عدد كبير من القوانين، من ضمنها القوانين الخاصة بالحريات، وهذا ناتج عن اختلاف المنهجيات التي أسست لها أنظمة مختلفة مرت على حكم العراق”.

ويبين الأسدي، أن “الدستور كفل الحريات، بمفاهيم واسعة، ولكن ضمن الآداب العامة، التي لم يعرفها، ولم تعرفها أي جهة، فنحن بأمس الحاجة لمعرفة الحدود التي تنتهي معها الحريات، ومن دون تحديد هذه الحدود سوف يبقى التعامل مع الحريات خاضعاً لأمزجة الحاكم والمحكوم”.

ويضيف أن “هناك العديد من القوانين تتعارض مع الدستور العراقي، أغلبها تتمثل بقرارات مجلس قيادة الثورة، التي تبلغ أكثر من 6000 قرار، وهي قوانين تحد من الحريات بشكل كبير، ونحن بحاجة لقانون يلغي كل تلك القرارات، باستثناء القرارات التي تصب في مصلحة العراق والمواطن العراقي”.

ويردف الأسدي، أن “قانون حرية التعبير تمت مناقشته من قبل لجان ومنظمات مجتمع مدني، لكنه إلى الآن لم يدخل أروقة مجلسي الوزراء والنواب العراقيين، ولو افترضنا أن القانون تم تشريعه، أيضاً سوف تبقى مسألة تطبيقه خاضعة لمزاج الحاكم والمناخ الاجتماعي والسياسي، تبعاً لذلك فإننا بحاجة لإيجاد هيئة أو جهة تعنى بإنفاذ الدستور، تكون وظيفتها الرئيسة تطبيق القوانين وفقاً للدستور”.

ويرى أن “تشريع القوانين في العراق يحتاج لاستشارات الخبراء القانونيين، فهنالك العديد من القوانين تحمل نزعات أيديولوجية، يتم فرضها على الآخر، تم تشريعها بعد العام 2003، مثل فقرة منع المشروبات الكحولية، أو تقييد النشر والإعلام”.

جدير بالذكر، أن محاولات عدة جرت من قبل البرلمان والحكومة والأجهزة التنفيذية الأخرى، لتقييد الحريات بشكل عام، وكان آخرها إدخال قانون واردات البلديات حيز التنفيذ، وهو يتضمن فقرة صريحة بمنع واستيراد وتصنيع المشروبات الكحولية، دون استثناء لأبناء الديانات الأخرى، رغم أن هذا الاستثناء كان معمولا به في النظام السابق، كما أن الدستور الحالي ضمن الحرية لكافة أبناء البلد.

ويأتي هذا التوجه، بعد حملة قادتها وزارة الداخلية بالتعاون مع مجلس القضاء الأعلى، ضد ما أسمته بـ”المحتوى الهابط”، وعلى أساسها جرى اعتقال صناع محتوى وصدور أحاكم قضائية مشددة بحقهم، كما سرت أنباء عن أن تنفيذ الاعتقال جرى بطريقة الهجوم على المنازل واقتياد المتهمين، أشبه بالمتهمين بجرائم الإرهاب.

وامتدادا لما سبق، فإن هيئة الإعلام والاتصالات تستعد لإقرار مسودة لائحة تنظيم المحتوى الرقمي، والتي تضمنت بنودا تحد من حرية التعبير بشكل كبير، مع فرض عقوبات على المخالفين تبدأ بالغرامات وتنتهي بإحالة الملف للقضاء.

ومنذ فترة حاول البرلمان تمرير قانون حرية التعبير عن الرأي والتظاهر السلمي، حيث أدرجه على جدول أعماله قبل أن يرفع منها بضغط من بعض الكتل السياسية، ويأتي ذلك بعد طرح قانون جرائم المعلوماتية، الذي رفع من جدول الأعمال بضغط أيضا.

خيبة أمل

من جانبه، يؤكد الناشط المدني واثق لفتة، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “سقوط النظام الدكتاتوري عام 2003 كان مفرحاً بالنسبة لنا، واستبشرنا خيراً بالمعارضة التي أخذت زمام الأمور في حكم العراق، وتوقعنا منها تطوير البلد وانتشاله من دماره، تعويضاً عن سنوات القحط التي حلت بشباب العراق وأجياله المتعاقبة على مدى 40 عاماً، لكننا وجدنا أن تلك المجاميع التي جاءت من خارج العراق تمثل مجاميع مظلمة صادرت حرياتنا، وشددت علينا بوسائل تكميم الأفواه”.

ويتابع لفتة، أن “كل من لم ينضم لتلك المجاميع التي أدارت البلاد، يعلم جيداً انعدام أي بصيص للأمل بالحفاظ على الحريات والحقوق في الأيام القادمة، مع مصادرة جميع الحريات، وتكميم الأفواه، والدليل على ذلك أن الحكومة غير محمية من قوة عسكرية رسمية، لكنها محمية من قوة عسكرية موازية، لا تخضع للقوانين العراقية”.

ويبين “إذا ما أردنا تفحص الدستور العراقي، فإننا سنقف على ضمان حرية التعبير، وضمان للاحتجاج والتجمع، لكنها في النهاية مجرد كلمات ليس لها من يحميها من عدم التطبيق والخرق، وهذا ينسحب على أغلب بنود الدستور، التي تتعرض كل يوم للانتهاك والخروق، مرة من القوانين التي يشرعها مجلس النواب، ومرة من السلطة التنفيذية، دون اكتراث حامي الدستور رئيس الجمهورية”.

يشار إلى أن المادة 38 من الدستور تنص على: تكفل الدولة، بما لا يخل بالنظام العام والآداب: أولاً:- حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل. ثانياً:- حرية الصحافة والطباعة والإعلان والإعلام والنشر. ثالثاً:- حرية الاجتماع والتظاهر السلمي، وتنظم بقانون.

جدير بالذكر، أن جميع هذه القوانين ما زالت تستند إلى مواد في قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969، وفي الفترة الأخيرة جرى الاستناد إلى المادة 403 من القانون الخاصة بخدش الحياء.

يذكر أن المواد في قانون العقوبات العراقي، والخاصة بإهانة السلطات، كانت تستخدم بشكل واسع خلال فترة النظام السابق، وسبق أن أصدر الحاكم المدني للعراق بول بريمر في 10 حزيران يونيو 2003، أمرا بإيقاف استخدامها، لكن أمر بريمر ألغي في ما بعد من قبل الدولة العراقية.

أسوأ المراحل

وفي السياق ذاته، يرى رئيس جمعية الدفاع عن حرية الصحافة مصطفى ناصر، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “كل الأنظمة الديمقراطية تحتوي ثلاث سلطات، هي التشريعية والتنفيذية والقضائية، وتنضم لها سلطة رابعة هي الصحافة، وكنا نطمح أن تكون السلطة الرابعة سلطة حقيقية، تراقب المشهد، وتشخص الأخطاء، لكن ذلك لم يتحقق على مدى 20 عاما”.

ويتابع ناصر، أن “عدم تحقق كل ذلك، وعدم حصول المواطن العراقي على حرياته ناتج عن ثلاثة أسباب، السبب الأول يرجع إلى مجموعة من القوانين النافذة والموروثة من الحقبة الدكتاتورية السابقة، فضلاً عن العديد من القوانين التي شرعت بعد العام 2003، وهي مسؤولة عن إعادة انتاج الدكتاتورية والاستبداد، أما السبب الثاني فهو محاصرة الصحافة المستقلة، عبر منع التمويل والإعلانات، فضلاً عن محاربتها بالغرامات والدعاوى الكيدية وملاحقة الصحفيين، أما السبب الثالث فهو غياب العمل النقابي المستقل، فنقابة الصحفيين تتعالق مع السلطة بتوجه ورأي موحدين”.

ويضيف أن “حرية التعبير والحريات بشكل عام في الوقت الراهن بأسوأ مراحلها، وبعد انقضاء كل عام تصبح الحريات مهددة، وهذا يتضح بالانتهاكات الموجهة للصحفيين، مع عدم وجود أي تحرك حكومي ينهي تلك الانتهاكات، التي لم تصدر من شخصيات سياسية وعسكرية رفيعة فحسب، بل انسحبت على منتسبين صغار، وبذلك أصبحت الانتهاكات متفشية بعد مرور 20 عاما”.

ويردف أن “أحزاب السلطة تتحين الفرص المناسبة لتقييد الحريات أكثر، عبر تهيئتها حزمة من القوانين الجاهزة، ينتظرون الفرص المناسبة لزج بعضها وتشريعها، مثل قانون حرية التعبير، وقانون الجرائم المعلوماتية، وقانون هيئة الاعلام والاتصالات، وغيرها من القوانين، وهم عبر أغلبية برلمانية سيعملون على تمرير العديد من هذه القوانين، ومايحول بينهم وبين المزيد من الخطوات بهذا الاتجاه هو المجتمع الدولي، دون الأخذ بعين الاعتبار اعتراضات الشارع العراقي، ومن كل ذلك نستخلص أن الحريات في العراق بخطر داهم، ونحن مقبلون على دكتاتورية جديدة”.

ويتضمن قانون العقوبات العراقي، 4 مواد مختصة بمعاقبة من يهين السلطات او الرئيس، وجرى استخدامها كثيرا خلال السنوات الماضية ضد الناشطين والصحفيين، وهي: المادة 225: يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على سبع سنوات او بالحبس من أهان بإحدى طرق العلانية رئيس الجمهورية او من يقوم مقامه.

المادة 226: يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على سبع سنوات او بالحبس او الغرامة من اهان باحدى طرق العلانية مجلس الامة او الحكومة او المحاكم او القوات المسلحة او غير ذلك من الهيئات النظامية او السلطات العامة او المصالح او الدوائر الرسمية او شبه الرسمية.

المادة 227: يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين او بغرامة لا تزيد على مائتي دينار كل من اهان باحدى طرق العلانية دولة اجنبية او منظمة دولية لها مقر بالعراق او اهان رئيسها او ممثلها لدى العراق او اهان علمها او شعارها الوطني متى كانا مستعملين على وجه لا يخالف قوانين العراق. ولا تقام الدعوى عن هذه الجريمة الا بناء على اذن تحريري من وزير العدل.

المادة 228: يعاقب بالحبس او بغرامة لا تزيد على مائتي دينار من نشر باحدى طرق العلانية امرا مما جرى في الجلسات السرية لمجلس الامة او نشر بغير امانة وبسوء قصد امرا مما جرى في الجلسات العلنية لهذا المجلس.

كما أن هناك مواد أخرى تختص بالنشر، وهي: المادة 433 أولا: القذف هو اسناد واقعة معينة الى الغير باحدى طرق العلانية من شأنها لو صحت ان توجب عقاب من اسندت اليه او احتقاره عند اهل وطنه، ويعاقب من قذف غيره بالحبس وبالغرامة او باحدى هاتين العقوبتين، واذا وقع القذف بطريق النشر في الصحف او المطبوعات او بإحدى طرق الإعلام الأخرى عد ذلك ظرفا مشددا. ثانيا:  ولا يقبل من القاذف اقامة الدليل على ما اسنده الا اذا كان القذف موجها الى موظف او مكلف بخدمة عامة او الى شخص ذي صفة نيابية عامة او كان يتولى عملا يتعلق بمصالح الجمهور وكان ما اسنده القاذف متصلا بوظيفة المقذوف او عمله فاذا اقام الدليل على كل ما اسنده انتفت الجريمة.

المادة 434: السب، من رمى الغير بما يخدش شرفه او اعتباره او يجرح شعوره وان لم يتضمن ذلك اسناد واقعة معينة، ويعاقب من سب غيره بالحبس مدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تزيد على مائة دينار او باحدى هاتين العقوبتين، واذا وقع السب بطريق النشر في الصحف او المطبوعات او باحدى طرق الاعلام الاخرى عد ذلك ظرفا مشددا.

المادة 435: اذا وقع القذف او السب في مواجهة المجنى عليه من غير علانية او في حديث تلفوني معه او في مكتوب بعث به اليه او ابلغه ذلك بواسطة اخرى فتكون العقوبة الحبس مدة لا تزيد على ستة اشهر وبغرامة لا تزيد على خمسين دينارا او باحدى هاتين العقوبتين.

أقرأ أيضا