20 عاما على الحرب.. انهيار الصناعة والزراعة وتحسن بالنفط 

تمر هذه الأيام الذكرى الـ20 لبدء الحرب على العراق عام 2003، التي انتهت بإسقاط نظام…

تمر اليوم، الذكرى الـ20 لبدء الحرب التي شنتها الولايات المتحدة على العراق، وأدت للإطاحة بنظام صدام حسين، فيما قادت العراق ودول الشرق الأوسط إلى تحول كبير في جميع الصعد والمجالات، حيث تعد “العالم الجديد” ملفا موسعا مكونا من 5 أجزاء، يناقش أهم تداعيات تلك الحرب على البلاد بعد عقدين من حدوثها، وفي الجزء الأول من الملف، تسلط الصحيفة على جوانب الاقتصاد والزراعة والنفط، ووفقا لخبراء بهذه المجالات، فإن الزراعة والصناعة شهدتا تراجعا هائلا، وصل حد الانهيار، في مقابل تعاظم الإنتاج النفطي وتطور مجالات الاستخراج والخزن والتصدير.

ويقول الخبير في الشأن الاقتصادي عبد الرحمن المشهداني، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “برنامجا بدأ فيه الحاكم المدني للعراق بول بريمر، عمل على إلغاء كل قيود الاستيراد، حيث سار عليه كل من تولّى القيادة بعده، وهنا تحول العراق إلى مستورد بشكل كلي دون إنتاج محلي، والمشكلة لم تقتصر على تحول العراق إلى مستورد وحسب، بل أصبح مستوردا لأردأ البضائع في العالم”.

ويوضح المشهداني، أن “إلغاء التعرفة الكمركية قتل بشكل نهائي الصناعة المحلية بمختلف المجالات، كل هذا مع عدم وضوح نوع النظام الاقتصادي في العراق، خصوصاً وأن القطاع الخاص محارب بشكل كبير، مع وجود قطاع خاص طفيلي تجاري وصناعي يستثمر الأموال الموجودة لغرض تهريبها إلى خارج البلاد”.

ويتابع أن “هناك تراجعا في قطاع الزراعة بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي من 16 بالمئة إلى 2 بالمئة، وقطاع الصناعة من 20 بالمئة إلى 1 بالمئة، وهذا يعني أن العراق خسر الصناعة والزراعة بشكل كامل”.

ويخلص الخبير في الشأن الاقتصادي، إلى أن “العراق خلال الـ20 سنة الماضية، لم يشهد أي تطور بالاقتصاد، بل شهد تراجعا كبير في هذا القطاع، خصوصاً الصناعة والزراعة ومجمل هذا الملف المهم، وهذا كله بسبب سوء الإدارة والفساد وعدم وجود أي محاسبة حقيقية”.

وكانت الولايات المتحدة الأمريكية، قادت تحالفا دوليا للإطاحة بالنظام السابق، بدأت في مثل هذا اليوم قبل 20 عاما، الموافق لـ19 من آذار مارس من ذلك العام، نتيجة لمزاعم وجود أسلحة دمار شامل كيميائية أو نووية أو بيولوجية، طورها نظام صدام حسين، إلا أنه لم يتم العثور لاحقا على أي من تلك الأسلحة.

وقد تعرضت بغداد وحدها في أول يوم من أيام الحرب، الى 1000 ضربة جوية بصواريخ “كروز”، في حرب غير مسبوقة حملت اسم “الصدمة والرعب”، وطالت أغلب المنشآت الحيوية والرسمية، التي اعتقد في حينها أن النظام السابق استخدمها لخزن أسلحة محرمة وأعتدة.

وفي اليوم التالي، شنت الطائرات غارات عنيفة على مدن البصرة وكركوك والموصل وضواحي بغداد، وفي 25 آذار مارس، عبر نحو أربعة آلاف من مشاة البحرية (المارينز) مدينة الناصرية مركز محافظة ذي قار، باتجاه بغداد.

وفي الأيام التالية، أصبحت بغداد ومحيطها هدفا لحملة قصف عنيف طالت مجمع القصر الجمهوري والأحياء السكنية والحرس الجمهوري.

وفي التاسع من نيسان أبريل 2003، دخلت القوات الأمريكية “مدينة صدام”، وهي مدينة الصدر حاليا، شرقي العاصمة بغداد، كما وصلت الدبابات والمركبات المدرعة الأمريكية إلى وسط العاصمة في ساحة الفردوس أمام فندق فلسطين، وتم اقتلاع تمثال ضخم من البرونز لصدام حسين من قاعدته بواسطة عربة مدرعة أمريكية قبل أن يدوسه بعض العراقيين الذين حضروا المشهد.

ويواجه قطاع الصناعة في العراق بشكل عام، الذي من المفترض أن يساهم بتشغيل شرائح عديدة من المجتمع، تدهورا كبيرا منذ العام 2003 ولغاية الآن، في ظل توقف أغلب المعامل والتوجه للاستيراد، وقد قدر اتحاد الصناعات العراقية قبل سنوات، نسبة المشاريع المتوقفة بـ40 ألف مشروع، ودائما ما تتضمن البرامج الحكومية المتعاقبة موضوع تنشيط الاقتصاد والصناعة المحلية، لكن من دون تحقيق أي وعد، بل يستمر التبادل التجاري مع دول المنطقة مع إهمال الصناعة المحلية.

وفضلا عن القطاع الحكومي، فإن مشاريع القطاع الخاص، شهدت توقفا، بل وانهيارا كبيرا نتيجة لعدم توفر البنى التحتية للإنتاج، من تيار كهربائي أو حماية لازمة، خاصة في ظل الأحداث الأمنية التي يعيشها البلد بصورة مستمرة، ما انعكس سلبا على الشارع العراقي الذي تحول إلى مستهلك للبضائع المستوردة.

وغالبا ما يتصدر العراق منذ عام 2003، قوائم المستوردين لمختلف البضائع الصناعية والزراعية، سواء من تركيا أو إيران، إلى جانب احتلاله مراتب متقدمة كمستورد من الأردن ودول الخليج، فيما بلغ حجم استيراداته من الصين بنحو 50 مليار دولار.

الزراعة

من جهته، يفيد الخبير في الشأن الزراعي والمائي عادل المختار، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، بأن “القطاعين الزراعي والمائي شهدا تدهورا كبيرا وخطيرا خلال الـ20 سنة الماضية، فالعراق وصل حاليا إلى أسوأ خزين مائي منذ ثلاثينات القرن الماضي”.

ويبين المختار، أن “القطاع الزراعي يشهد تدهورا كبيرا بمختلف أنواعه، فجانب الدواجن، تضرر بشكل كبير ومحطات الأبقار شبه متوقفة، كذلك قطاع الأسماك، بسبب شحة المياه وأزمة الجفاف”، لافتا إلى أن “تراجع حاد في الزراعة، إذ أصبح الاعتماد كليا على المحصول المستورد، وحتى كليات الزراعة أصبحت تضم أسوأ المعدلات الدراسية، وهذا دليل على أن القطاع الزراعي متدهور وبشكل خطير”.

ويؤكد الخبير في الشأن الزراعي، أن “هذا القطاع يعاني من مشكلة في التسويق الزراعي، كما أن هنالك تكلفة في الإنتاج الزراعي المحلي، لذا فالمستورد بات هو الأرخص في السوق المحلية، وتم الاعتماد عليه بشكل كلي، ما انعكس سلبا على الإنتاج الزراعي المحلي الذي أصبح شبه معدوم، مقارنة بما كان عليه قبل 20 عاما”.

وخلال السنوات الماضية، جرى تجريف أغلب الأراضي الزراعية لأسباب مختلفة، وتحويلها إلى منازل أو مراكز تجارية، خاصة مع هجرة الفلاحين لأراضيهم بسبب شح المياه وعدم وجود دعم رسمي بالأسمدة ومنظومات الري، ويضاف لها شح المياه وتخفيض الحكومة للخطة الزراعية إلى 50 بالمئة منذ قرابة 3 سنوات، ما انعكس سلبا على المزراعين الذين عانوا لفترات من عدم حصولهم على مستحقاتهم واضطروا إلى الاستدانة.

كما تعرض البلد إلى انتكاسة بأعداد النخيل، فبعد أن كان يفخر بكونه “بلد النخيل”، ويملك أجود أنواع التمور بنحو 30 مليون نخلة، تراجعت لأقل من ذلك بكثير، فضلا عن تشتت في عمل المؤسسات المعنية، وإهمال الشركة الوحيدة المعنية بالتمور في عموم البلاد، وهي “الشركة العراقية لتصنيع وتسويق التمور” التي انهارت تماما بعد 2003، بحسب وزارة الزراعة.

وكشفت وزارة الزراعة لـ”العالم الجديد”، في تقرير سابق، خلال العام 2020، أن “الشركة العراقية للتمور تدهور وضعها ولم تتم إعادة تأهيلها، حيث كانت قبل 2003، تحظى ببرادات ومخازن تتسع لها، لكنها انهارت جميعها بسبب ظروف الحرب، لذا عندما حاولنا تسليمها كميات كبيرة من التمور، لم تتمكن من تسلمها لعدم امتلاكها مواقع للخزن، لذلك فتحنا التصدير المباشر للقطاع الخاص، بغرض إدخال الدولار للبلد”.

النفط والغاز

بالمقابل، يرى الخبير في الشأن النفطي حمزة الجواهري، لـ”العالم الجديد”، أن “العراق خلال الـ20 سنة الماضية تطور في مجال استخراج النفط، خصوصاً أن معظم وارداته الحالية من النفط، كما أن هناك بنى تحتية في مشاريع النفط من خلال الحقول الجديدة”.

ويلفت الجواهري، إلى أن “هناك تطورا في قضية تخزين النفط ونقله إلى الموانئ والتحميل، وغيرها من ميناء البصرة وميناء خور عبدالله، كما أن هناك عملا لتجديد هذه الموانئ، وهذا يعد من ثمار الـ20 سنة الماضية، فقطاع النفط هو الوحيد، الذي حقق فيه العراق نجاحا نسبيا وليس مطلقا، وليس هناك أي قطاع آخر ناجح لا الصناعة ولا الزراعة ولا غيرها، بكل هناك تراجع كبير وخطير بهذه القطاعات”.

ويتابع الخبير في الشأن النفطي، انه “في مجال الغاز، لم يحقق العراق أي تطور وتقدم طيلة الـ20 سنة الماضية، وهذا كله بسبب الدولة العميقة التي منعت وتمنع العراق من استثمار الغاز، من أجل مصلحة دولة أخرى، لديها إمكانيات هائلة في هذا الحقل، وتعمل على إعاقة عملية استغلال الغاز”.

يذكر أن العراق يستورد منذ سنوات، الغاز الإيراني لتشغيل محطاته الكهربائية، في ظل فشل كل العقود ومذكرات التفاهم التي أبرمها مع شركات بهذا الشأن، أبرزها مع ميتسوبيشي اليابانية في 2012.

وبحسب إدارة الطاقة الأمريكية فإن 70 بالمائة من الغاز العراقي هو غاز مصاحب، و30 بالمائة غاز طبيعي، وأن العراق يتلف 62 بالمائة من إنتاجه من الغاز، أي ما يعادل 196 ألف برميل من النفط، ولو كان سعر البرميل 70 دولارا في المعدل الطبيعي، فإن المبلغ المهدور سيصل إلى 45 مليار دولار، وهو ما يكفي لإنشاء صناعة غاز جديدة بالكامل.

ومن أبرز المعامل التي تم تدميرها، هي معامل الفوسفات في الأنبار، التي كانت تشكل نسبة عالية في الناتج المحلي، واليوم تحولت إلى أطلال فقط، حيث فقدت هذه الصناعة بالكامل وأهملت، إلى جانب تدمير صناعة السمنت العراقي، بسبب الإجراءات الحكومية الخاصة برفع أسعار النفط الأسود الواصل للمعامل، لفسح المجال أمام السمنت المستورد. 

وفي المجال النفطي، أجرى العراق 5 جولات نفطية لاستثمار الحقول، ذهبت لشركات عالمية مختلفة الجنسيات، وعاد ليكون عضوا فاعلا بمنظمة أوبك، ويصدر قرابة 3.5 برميل يوميا، لكن لغاية الآن لم يتم استثمار الغاز المصاحب.

 

إقرأ أيضا