20 عاما على الحرب.. ديمقراطية “مشوهة” بدلا عن الديكتاتورية

تختتم “العالم الجديد”، سلسلة تقاريرها حول الذكرى الـ20 للحرب على العراق، وفي هذا التقرير تناقش…

تختتم “العالم الجديد”، سلسلة تقاريرها حول الذكرى الـ20 للحرب على العراق، ليناقش العملية السياسية التي أنتجها النظام “الديمقراطي” الجديد في العراق، حيث أكد مراقبون للشأن السياسي أن ما جرى طيلة هذين العقدين، هو خلق “دستور مواز”، يتمثل بالأعراف السياسية والمحاصصة، وتم تجاوز القوانين حتى وصل البلد إلى مرحلة “الديمقراطية المشوهة”، مبينين أن البلد بحاجة لدورات انتخابية كثيرة مقبلة حتى يصحح مسار العملية السياسية بعد 2003.

ويقول رئيس مركز التفكير السياسي، إحسان الشمري، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “عملية التحول من النظام الدكتاتوري إلى النظام الديمقراطي تتطلب توفر العديد من المسارات المناسبة لهذا الانتقال المفاجئ، وتتمثل المسارات بتثبيت دعائم الديمقراطية، والآليات الحقيقية لها، وترافق هذا الانتقال مع انعدام التنشئة السياسية الديمقراطية، كل ذلك أدى بعد عشرين عاما لبزوغ ديمقراطية مشوهة”.

ويضيف الشمري، أن “الأنظمة الديمقراطية أيا كان شكلها، برلمانيا، رئاسيا، أم مختلطا، جميعها يمكن أن تنتج ديمقراطيات محترمة، لكن المشكلة تكمن في الطبقة السياسية، التي لا تؤمن بالديمقراطية ولا بالدستور ولا بالهوية الوطنية، لكنها بالمقابل تنشط هوياتها الفرعية، ما أنتج خطابات طائفية تتجاوز الدستور، أسست لحرب طائفية، وتبعا لذلك فقد المجتمع العراقي الثقة بالطبقة السياسية”.

ويتابع أن “الطبقة السياسية عملت خلال العقدين المنصرمين على خلق دستور مواز، هو عبارة عن أعراف سياسية ليست لها أساسات قانونية أو دستورية، تمثلت بتكتلات سياسية طائفية، مع ممارسة التوافق، الذي أسهم بالقفز على حقوق العديد من المواطنين”.

وحول النظم الانتخابية، يؤكد الأكاديمي والمحلل السياسي، أن “جميع الأنظمة الانتخابية تمت صياغتها وفقا لأمزجة الطبقة السياسية، سواء أكان نظام سانت ليغو أو الدوائر المتعددة، ترافق مع ذلك تحاصص مفوضية الانتخابات بين التكتلات و الأحزاب السياسية، فضلا عن ذلك استخدمت العديد من الأحزاب تزوير صناديق الاقتراع، واستخدام المال العام للحملات الانتخابية، مع استخدام السلاح، وهذه خروقات واضحة لآليات الديمقراطية”.

وجرت في 30 كانون الثاني يناير 2005، أول انتخابات تشريعية في البلاد، انتخب خلالها الشعب العراقي أعضاء “الجمعية الوطنية الانتقالية” كما سميت في ذلك الوقت، بعضوية 275 نائبا.

 وفي تلك الانتخابات كان العدد الكلي للناخبين 14 مليونا و200 ألف ناخب من مجموع سكان العراق، الذي قدر في وقتها بنحو 27 مليون مواطن، حيث شهدت نسبة مشاركة تصل إلى 76 بالمائة، وهي أعلى نسبة مشاركة في تاريخ الانتخابات التي تم تسجيلها في العراق، حتى الآن.

 وقد أفرز برلمان 2005، اختيار جلال طالباني لرئاسة الجمهورية، وغازي عجيل الياور وعادل عبد المهدي نائبين له، بالإضافة إلى انتخاب إبراهيم الجعفري رئيسا للوزراء، حيث سميت بالحكومة الانتقالية، فيما شهدت تلك الانتخابات مقاطعة ممثلي المكون السني في ثلاث محافظات: نينوى وصلاح الدين والأنبار، قبل أن يصبح منصب رئيس البرلمان من حصتهم في الدورات اللاحقة.

يشار إلى أن حاجم الحسني، تسنم منصب رئيس البرلمان بصفته أول شخصية سنية في أيار مايو 2005، ليبدأ عرف سياسي جديد يقوم على تقسيم الرئاسات الثلاث حسب المكونات.

إلى ذلك، يؤكد المحلل السياسي غالب الدعمي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “العملية السياسية كانت قد أنشأتها الولايات المتحدة الأمريكية بعد العام 2003، بعد أن جلبت معها غالبية الطبقة السياسية الحالية، الذين كانوا سببا في انجرار العراق للمزيد من الخراب والدمار”.

ويبين الدعمي، أن “العملية السياسية الحالية لم تنتج إيجابيات تذكر، سوى أنها سببت ارتفاعا بنسب الفقر، وفجوة كبيرة بين الأغنياء والفقراء، مع تفاقم الفساد، وانتشار البطالة، وضياع الهوية الوطنية”.

ويضيف أن “العراق من الناحية الخدمية أيضا يمرّ بأسوأ مراحله، إذ عرفنا طبقة سياسية لم تستطع إصلاح المنظومة الكهربائية، والتعامل مع ملف المياه بواقعية، أو استغلال الزراعة، والاتجاه نحو التصنيع، وهذا يقدم لنا نتيجة حتمية، مفادها أن المنظومة السياسية الحالية لم تقدم للعراق شيئا، وهي امتداد للنظام السابق، بعناوين أخرى ليس لها حقيقة على أرض الواقع”.

ويشير الدعمي، إلى أن “الآليات التي يعمل بها النظام الحالي ديمقراطية في شكلها، لكن المشكلة الحقيقية تكمن في الطبقة السياسية، التي أسهم الجمهور المقاطع للانتخابات بإيجادها، ولو قرر هؤلاء المشاركة لغيروا كثيرا من المعادلة، سيما وأن  هذا الجمهور تقدر نسبته بأكثر من 65 بالمئة من الشعب العراقي”.

وقد شهدت الانتخابات النيابية اللاحقة للعام 2005، تراجعا كبيرا بنسب المشاركة، حيث وصلت النسبة في انتخابات العام 2010، إلى 62.8 بالمائة، من أصل 18 مليونا و600 ألف ناخب، وفي العام 2014 تراجعت النسبة إلى 60 بالمائة من بين 20 مليونا و432 ألف ناخب، في حين تدنت النسبة في العام 2018 إلى 44 بالمائة، من بين 24 مليونا و352 ألف ناخب، وفي 2021 بلغت نسبة المشاركة 41 بالمائة، كأدنى نسبة مشاركة مسجلة رسمية حتى الآن.

ومنذ أول انتخابات جرت، ثبتت الكتل السياسية أقدامها في السلطة وأنتجت شخصيات لم تتغير حتى الآن، فضلا عن دخولها بصراعات مستمرة، وخاصة منصب رئيس الحكومة الذي هو من حصة الكتل الشيعية.

وكان العام 2010، من أبرز الأعوام التي شهدت جدلا حول تشكيل الحكومة، قبل أن يتكرر السيناريو ذاته في العام الماضي، حيث فازت في العام 2010 كتلة أياد علاوي بـ91 مقعدا فيما فازت كتلة نوري المالكي بـ89 مقعدا، وفي حينها أصدرت المحكمة الاتحادية قرارها الشهير، بأن الكتلة الأكبر ليست الفائزة بالانتخابات، بل إنها من تتشكل داخل مجلس النواب في أول جلسة، وذهبت الحكومة لصالح المالكي الذي شكل الكتلة الأكبر بعد تحالفه مع خصومه من الكتل الشيعية الأخرى، ومن ضمنها التيار الصدري.

وفي السياق ذاته، يعتقد المحلل السياسي علي البيدر، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “الطبقة السياسية لا تتحمل وحدها شكل العمل السياسي في العراق، ولكن العديد من البلدان كان لها سبب في إفشال التجربة الديمقراطية في العراق، خوفا من انتقال التجربة لها، عبر الدفع باتجاهات القفز على الدستور والقوانين، وإظهار الديمقراطية بشكل مشوه، فضلا عن أن الولايات المتحدة تتحمل جزءا من هذا الإخفاق، بعد أن جاءت بالعديد من الشخصيات، وزجتها في العمل السياسي”.

ويؤكد البيدر، أن “النظام السياسي الحالي فشل لا بكونه نظاما غير منتج، أو غير صالح للتطبيق فحسب، لكن المشكلة الحقيقية تكمن في المحاصصة الطائفية، التي أسست لها أحزاب المعارضة قبل إسقاط النظام الدكتاتوري السابق، وهذه المحاصصة كانت بمثابة التملص من الإخفاق الحتمي، إذ يعد العمل السياسي بعد العام 2003 مخاطرة كبيرة، ونسب الفشل أكبر من نسب النجاح، وبذلك تعمل المحاصصة على توزيع الفشل، وعدم تشخيص المسؤول عنه”.

ويبين أن “المجتمع العراقي يواجه صعوبة في المرحلة الراهنة للتخلص من استفحال المحاصصة، لأسباب تتعلق بوجود تخادم سياسي، قائم على تكريس المحاصصة وكسب الولاءات، وبالتالي فنحن بحاجة لدورات انتخابية عديدة، مع تغيير العقلية السياسية، وصناعة معارضة سياسية داخلية حقيقية، ليصبح المشهد السياسي منقسما بين أغلبية حاكمة وأقلية معارضة، وهو السبيل الوحيد لتصحيح عمل مؤسسات الدولة”.

والعام الماضي، تجدّد الصراع ذاته بين التيار الصدري الذي حصل على 73 مقعدا نيابيا، بمقابل نحو 50 مقعداً للإطار التنسيقي المكون من تحالف الفتح بزعامة هادي العامري وائتلاف دولة القانون برئاسة نوري المالكي، قبل أن تنضم لهم قوى أخرى ومستقلين، ونشب الصراع حول الكتلة الأكبر، وانتهى بانسحاب التيار الصدري من البرلمان، وشكلت الحكومة من قبل الإطار بعد أكثر من عام على الانتخابات التي جرت في تشرين الأول أكتوبر 2021.

جدير بالذكر، أن الكتل السياسية اعتمدت على الطابع المذهبي والقومي، في الترويج عن نفسها، واستخدمت بداية اسم المرجعية الدينية، وبعضها حمل شعارات ضد الدولة الحالية، واستمر هذا الحال لسنوات، قبل أن يتغير الخطاب مؤخرا ويتحول إلى بناء البلد والخدمات.

أقرأ أيضا