بعد القرار الدولي.. ما سر صمت أربيل وخضوعها “نفطيا” لبغداد؟

استجابة لمتغيّرات دولية، ومحاولات فرض التهدئة على المنطقة وخاصة بالجوانب الاقتصادية، يأتي قرار هيئة التحكيم…

يأتي قرار هيئة التحكيم في غرفة التجارة الدولية ضد تركيا، ومنعها من بيع نفط إقليم كردستان عبر خط ميناء جيهان التركي، في ظل الاستجابة لمتغيّرات دولية، ومحاولات أمريكية وغربية لفرض التهدئة على دول المنطقة، ما منح الإطار التنسيقي الحاكم أريحية في مفاوضات إقرار قانون الموازنة العامة، مقابل الحزب الديمقراطي الكردستاني، ودفع الأخير لتعزيز التقارب أكثر بين بغداد وأربيل، فيما أكد مختصون أن القرار الدولي سيدر على خزانة البلاد نحو مليار دولار شهريا.

ويقول مصدر سياسي مطلع، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “رسالة أمريكية وصلت لزعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني، تدعوه للتهدئة وحلحلة الأمور مع الحكومة الاتحادية في بغداد، ورفض أي تصعيد جديد من شأنه زعزعة الاستقرار السياسي في العراق، وسط حرب أوروبية انعكست سلبا على سوق النفط، لا يراد لها أن ترتفع أكثر”.

ويضيف المصدر، أن “هذا التطور منح الإطار التنسيقي الحاكم في بغداد، ورقة قوية لفرض شروطها على أربيل، وهو ما جرى خلال إعداد مشروع قانون الموازنة، وفيه وافقت أربيل على وضع تصديرها للنفط تحت وصاية سومو”.

وكانت هيئة التحكيم التابعة لغرفة التجارة الدولية، أصدرت قرارها أمس الأول الجمعة، بالقضية التي رفعها العراق ضد تركيا منذ العام 2014، بشأن صادرات نفط إقليم كردستان، التي تمررها تركيا عبر خط ميناء جيهان، حيث جاء القرار لصالح العراق.

ووفقا لمواقع أمريكية، فأن تركيا أبلغت العراق أنها لن تسمح للشحنات التي تحمل الخام من إقليم كردستان العراق بمغادرة ميناء جيهان الساحلي دون موافقة الحكومة الاتحادية في بغداد.

وزارة النفط الاتحادية، من جانبها رحبت يوم أمس، بقرار الحكم النهائي لصالح العراق، وأوضحت أنه في دعوى التحكيم المرفوعة من قبل جمهورية العراق ضد الجمهورية التركية لمخالفتها أحكام اتفاقية خط الأنابيب العراقية التركية الموقعة في عام 1973 والتي تنص على وجوب امتثال الحكومة التركية لتعليمات الجانب العراقي في ما يتعلق بحركة النفط الخام المصدّر من العراق إلى جميع مراكز التخزين والتصريف والمحطة النهائية.

وبحسب وزارة النفط فإنها ستقوم ببحث آليات تصدير النفط العراقي عبر ميناء جيهان التركي مع الجهات المعنية في الإقليم ومع السلطات التركية، وفقاً للمعطيات الجديدة بعد صدور قرار الحكم النهائي من قبل هيئة التحكيم بباريس، وبما يضمن إدامة الصادرات النفطية، والإيفاء بالتزامات “سومو” مع الشركات العالمية عبر ميناء جيهان، حرصاً من الوزارة على تصدير كامل الكميات المخصصة من جميع الحقول النفطية بما فيها الإقليم، بهدف تعظيم الإيرادات المالية، لرفد الموازنة الاتحادية.

إلى ذلك، يرى الخبير في الشأن النفطي، حمزة الجواهري، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “كسب العراق هذه الدعوى له أهمية كبيرة جداً، فتركيا الآن لا تستطيع أن تسمح لإقليم كردستان أو غيره أن يبيع النفط من خلال ميناء جيهان، إذ جرى حصر هذا الحق للحكومة العراقية الاتحادية عبر (سومو)، وهذا سيقوّي موقف بغداد مع أربيل التي تمرّدت على بغداد لسنين طويلة”.

ويذكر الجواهري، أن “الدعوى استغرقت سنوات طويلة حتى حسمت، فهي رفعت منذ سنة 2014 بزمن حكومة حيدر العبادي، وتأخير هذا الحسم كان بسبب عرقلتها من الحكومات العراقية الاتحادية وكانت أولها حكومة عادل عبد المهدي، وتم تأجيل الدعوى لعدة مرات، ولهذا فقد تأخر حسمها 9 سنوات، إذ كان يفترض حسمها قبل سنوات وليس الآن”.

ويضيف: “بعد كسب العراق هذه الدعوى، ستزداد صادرات العراق النفطية، فكمية النفط التي يصدرها إقليم كردستان، كانت محسوبة على إنتاج العراق، وبالتالي فالعراق يخسر هذه الكمية الكبيرة، إذ يخسر شهرياً نحو أكثر من مليار دولار، لكن بعد كسب هذه الدعوى سيعود هذا المبلغ للحكومة الاتحادية”.

ويخلص إلى أن “الحكم يتضمن تعويض العراق 26 مليار دولار من قبل تركيا، لكن دفع هذا المبلغ يتطلب إجراءات وحوارات ومفاوضات، ربما يدخل دفع هذا المبلغ مقابل إطلاقات كميات كبيرة من المياه للعراق”.

وكانت وزارة النفط أعلنت في تموز يوليو من العام الماضي، أن محكمة غرفة التجارة الدولية تنظر في دعوى التحكيم المرفوعة من قبل جمهورية العراق ضد الجمهورية التركية لمخالفتها أحكام اتفاقية خط الأنابيب العراقية التركية الموقعة في عام 1973 التي تنص على وجوب امتثال الحكومة التركية لتعليمات الجانب العراقي في ما يتعلق بحركة النفط الخام، الآتي من العراق في جميع مراكز التخزين والتصريف والمحطة النهائية.

يشار إلى أن هذه الدعوى، رفعها رئيس الحكومة الأسبق حيدر العبادي، في المحكمة الدولية ضد تركيا، يطالبها بدفع تعويض مالي قدره 26 مليار دولار، بسبب شرائها النفط من إقليم كردستان من دون إذن من الحكومة الاتحادية، ووصلت الدعوى لمراحلها الأخيرة، لكن بعد تولي عادل عبد المهدي رئاسة الحكومة وبتدخل من زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني، تم تأجيل الدعوى لمدة 5 سنوات بناء على طلب الحكومة العراقية.

يشار إلى أن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان أعلن مطلع شباط فبراير من العام الماضي، عن نية بلاده استيراد الغاز من العراق، وبعد أيام فقط، نشرت وسائل إعلام تركية نقلا عن رئيس لجنة الطاقة والموارد الطبيعية في برلمان إقليم كردستان علي حمه صالح، أن حكومة الإقليم ستبدأ عملية بيع الغاز الطبيعي إلى تركيا في عام 2025، وأشار إلى أنه من المخطط أن يتم مد خط أنابيب للغاز الطبيعي إلى تركيا، وقد بدأت المرحلتان الأولى والثانية من إنشاء خطوط أنابيب الغاز المذكورة، وذلك قبل أيام من صدور قرار المحكمة الاتحادية آنذاك بعدم دستورية قانون النفط والغاز في إقليم كردستان.

بالمقابل، يرى القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني وفاء محمد كريم، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “كسب العراق لهذه الدعوى لن يترك أي تأثير على وضع الإقليم المالي والنفطي، فهناك اتفاق ما بين بغداد وأربيل على تصدير النفط بعلم شركة سومو، وعلى إثر هذا الاتفاق، تم تحديد حصة الإقليم ضمن قانون موازنة سنة 2023”.

ويبين كريم، أن “هذا القرار لو صدر في ظل الخلافات ما بين بغداد وأربيل، لكان له تأثير كبير على وضع الإقليم المالي، لكنه صدر في ظل تقارب وتفاهم ما بين الطرفين، وهذا القرار لن يؤثر على العلاقات المقدمة بين حكومة المركز والإقليم وهذا القرار يعتبر معنويا لصالح بغداد ولا اثر له على الإقليم، فنحن متفقون على هذا الأمر ولدينا علم مسبق بهكذا قرار”.

ويضيف أن “الحوارات والمفاوضات ما بين بغداد وأربيل بشأن تشريع قانون النفط والغاز وصلت لمراحل متقدمة جداً وهناك اتفاق على كامل فقرات القانون، وهناك شبه اتفاق على تمرير هذا القانون خلال الشهرين المقبلين، وهذا القانون سيضع حلولا لكافة الخلافات المالية والنفطية ما بين الإقليم والمركز”.

ويحذر القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني من أن “محاولة استغلال الحكومة العراقية لهذا القرار ضد الإقليم والالتفاف على الاتفاقات التي حصلت مؤخرا، بكل تأكيد سيكون له اثر اقتصادي على إقليم كردستان، لكن في الوقت نفسه ستكون لنا مواقف سياسية عديدة، لكن لا نعتقد أن الحكومة العراقية لديها نية لاستغلال هذا القرار، بل هي تسعى لحل الخلافات بشكل حقيقي”.

وكان رئيس حكومة اقليم كردستان مسرور بارزاني، أعلن يوم أمس، أن “تفاهمنا الأخير مع بغداد هو أساس جيد لحل القضايا المتعلقة بقرار المحكمة اليوم.. سيزور فريق من حكومة إقليم كردستان بغداد غدا (اليوم) لمواصلة محادثاتنا على أساس حسن النية”.

قانونياً، يوضح الخبير في الشأن القانوني، علي التميمي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “الحكم الصادر من قبل هيئة التحكيم التابعة لغرفة التجارة الدولية في باريس، سيكون ملزم التطبيق لتركيا، وأي دولة تعارض أي حكم يصدر من قبل هذه الهيئة ستعرض نفسها لعقوبات دولية، فما يصدر من قرارات من قبل هذه الهيئة ملزم التطبيق لكافة الدول”.

ويؤكد التميمي، أن “القرار الذي صدر من قبل هيئة التحكيم التابعة لغرفة التجارة الدولية في باريس، استند إلى مجموعة أدلة وقرائن ولا يمكن لتركيا معارضة ذلك أو لإقليم كردستان، فحتى الإقليم سيكون مجبرا على تطبيق هذا القرار”.

ويضيف أن “قرار هيئة التحكيم التابعة لغرفة التجارة الدولية في باريس، أكد على تركيا أن تتعامل بشكل مباشر مع الحكومة العراقية ببغداد وليس مع الإقليم بقضايا النفط، وأي مخالفة للإقليم لهذا القرار ممكن أن تتخذ الحكومة الاتحادية عقوبات بحقه، وربما تصل إلى قطع حصته من الموازنة وهذا ضمن صلاحيات الحكومة”.

جدير بالذكر، أن رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، أعلن مؤخرا، خلال المؤتمر الصحفي الذي كشف فيه تفاصيل إقرار مجلس الوزراء للموازنة، أن من أسباب تأخير إقرار الموازنة كان التفاهم مع إقليم كردستان، وقد وصلنا إلى اتفاق شامل للقضايا العالقة بين بغداد وأربيل، لأول مرة يتم إيداع الإيرادات الكلية للنفط المنتج في الإقليم بحساب مصرفي موحد يخضع للإدارة الاتحادية.

كما أكد السوداني، أن التفاهمات بين بغداد وأربيل كانت بنقاط واضحة، وفي حال وجود أي خلافات بين بغداد وأربيل هناك لجنة ترفع توصياتها إلى رئيس الوزراء الاتحادي، وأن هذه التفاهمات بين بغداد وأربيل تؤكد مضي الطرفين نحو إقرار قانون النفط والغاز.

كما زار السوداني إقليم كردستان، والتقى في أربيل رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني، ووضع اللمسات الأخيرة للاتفاق بين بغداد وأربيل وحل القضايا، وخاصة المالية والنفطية.

إقرأ أيضا