السوداني وإسرائيل.. تطبيع أم نقطة تحول نحو قوة إقليمية؟

قضية جديدة شغلت الرأي العام، وتمثلت بمشاركة رئيس الحكومة بقمة “من أجل الديمقراطية” التي ترعاها…

قضية جديدة شغلت الرأي العام، وتمثلت بمشاركة رئيس الحكومة بقمة “من أجل الديمقراطية” التي ترعاها الولايات المتحدة بمشاركة إسرائيل، لاسيما وأن العراق هو الدولة العربية الوحيدة المشاركة في القمة، وفيما أكد خبير قانوني أن هذه المشاركة طبيعية ولا تتعارض مع قانون حظر التطبيع، لكونها لم تتضمن لقاء ثنائيا مع ممثل إسرائيل أو بحث التعاون معه، أثارت من جانب آخر، الانقسام والجدل بين المراقبين السياسيين، فمنهم من اعتبرها إملاءات أمريكية على الإطار التنسيقي، وافق عليها الأخير، إلا أن آخر ذهب إلى أنها دليل على قوة العراق في المنطقة، وأن تجربته الديمقراطية تعد مثالا ناجحا، يجب التمسك به. 

ويقول الخبير القانوني علي التميمي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “قانون حظر التطبيع مع إسرائيل، منع إقامة علاقات مع الكيان الإسرائيلي، أو الزيارات واللقاءات، وهذه المواد لا تنطبق على المؤتمر الذي حضره رئيس الحكومة”.

ويضيف التميمي، أن “المؤتمر ليس جلسة مباشرة وجها لوجه، ولا يوجد لقاء منفصل مع ممثل الكيان الإسرائيلي، فهذه الحالة أشبه بالتحدث لوسيلة إعلام والطرف الآخر يشاهد فقط، فلم يحدث لقاء أو تبادل الحديث حول إقامة علاقات أو تعاون بمجال معين، بالتالي ما جرى لا يخضع للقانون ولا يوجد فيه إشكال”.

ويتابع أن “المؤتمرات والجلسات الدولية، يوجد فيها عرف دبلوماسي، وهو إضافة أي دولة لعبارة (حضور مع التحفظ) وهذه ترد في حال وجود عداء بين دولتين، وهو ما كان يجري في ثمانينات القرن الماضي، عندما كانت الحرب العراقية – الإيرانية قائمة، ورغم هذا يجلس ممثل العراق بجانب ممثل إيران وإسرائيل وربما تفصل بينهما أيرلندا، لكن هذه الوفود تورد عبارة (مع التحفظ)”.

وشارك رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، مساء أمس الأول، بقمة من أجل الديمقراطية، التي عقدت عبر دائرة تلفزيونية مغلقة، بدعوة من قبل الرئيس الأمريكي جو بايدن، إلى جانب 115 دولة من ضمنها إسرائيل، فيما كان العراق هو الدولة العربية الوحيدة التي شاركت فيها.

وبحسب المكتب الإعلامي للسوداني، فأن الجلسة التي شارك فيها العراق، ضمت ممثلي دول هولندا واليابان ولاتيفيا وغامبيا والأورغواي وغينيا الجديدة والرأس الأخضر وباربيدوس.

يذكر أن بايدن، أكد في كلمته “أعتقد أنّ هذا هو التحدّي الحاسم لعصرنا، واليوم يمكننا أن نقول بكل فخر إنّ الأنظمة الديمقراطية في العالم تزداد قوة وليست ضعفا، والأنظمة الاستبدادية في العالم تزداد ضعفاً وليس قوة”.

ضجيج وتوضيح

ومنذ صباح يوم أمس، انشغل الرأي العام بقضية مشاركة السوداني، وتم تداول العديد من الصور التي تظهر السوداني ورئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو في جلسة واحدة، لكن تم نفيها بشكل رسمي وعدت “مفبركة”.

وقد عمدت الكثير من الحسابات بوسائل التواصل الاجتماعي وبعض المواقع الخبرية، إلى اعتبار المشاركة تطبيعا مع إسرائيل، وهاجمت الإطار التنسيقي والحكومة على هذه الخطوة.

بالمقابل، أصدرت الدولة، توضيحا عبر مصدر حكومي لوكالات الأنباء في العراق، ورد فيه: هناك عملية تضليل يقوم فيها بعض المغرضين حول مشاركة رئيس الوزراء في قمة “من أجل الديمقراطية”، وللتوضيح فأن رئيس الوزراء لم يشارك مع نتنياهو بأي جلسة من جلسات القمة، إنما شارك وألقى كلمة في جلسة بعنوان “الديمقراطية تحقق العدالة للجميع”، وأن مشاركة السوداني في الجلسة المذكورة جاءت بعد اشتراط عدم وجود إسرائيل.

كما تضمن التوضيح الرسمي: إسرائيل موجودة في كل الاجتماعات والمؤتمرات الدولية التي يشارك فيها العراق منذ عقود ومنها مثلا اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة ومؤتمرات المناخ وغيرها وهذا الأمر لا يعد تطبيعا، لماذا يحاول البعض تصوير القمة المذكورة بأنها تطبيع مع إسرائيل؟.

يشار إلى أن مجلس النواب، صوت في أيار مايو 2022، على قانون تجريم التطبيع مع إسرائيل بالإجماع، وقد نصت المادة الرابعة من القانون، على تجريم كافة أنواع التواصل مع إسرائيل سواء السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي، ومنعت أي تعاون مع الشركات والمنظمات الإسرائيلية، كما منع القانون كافة أشكال التطبيع والتواصل مع إسرائيل، لكنه يتضمن فقرة تستثني الزيارات الدينية المقترنة بموافقة وزارة الداخلية.

تطبيع أم قوة إقليمية؟

ويقول الباحث في الشأن السياسي نزار حيدر، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “الحقيقة واحدة وبدأت تتكشف يوما بعد آخر، وهي أن حكومة الإطار التي أمضت على كل الاشتراطات الأمريكية قبل أن يتم تسويقها في المجتمع الدولي والإقليمي والمحلي، ماضية في تنفيذها الواحدة بعد الأخرى، فلا داعي للضجة على حضور السوداني في مؤتمر بحضور إسرائيل التي وصفها السوداني بتغريدتهِ بالدولة بعد وصف لبنان لها بهذا التوصيف، كما أن من تعامل مع تشكيل حكومة الإطار كأَمر واقع لا ينبغي له أن يعترض على الشكليات، فالأصل هو إمضاء الحكومة على الاشتراطات لتلتزم بها تباعاً”.

ويبين حيدر، المقيم في واشنطن، أن “العراق قد يكون هو الدولة الوحيدة في المنطقة التي تتبنى الديمقراطية كنظام سياسي حاكم، ولذلك دعته واشنطن لحضور مؤتمر الديمقراطية من بين بقية دول المنطقة، ولذلك فلا معنى لأن يشكل البعض على حضوره المؤتمر كونه الوحيد من دول المنطقة، وفي الوقت نفسه كان بإمكان السوداني إما أن يشترط عدم حضور إسرائيل في المؤتمر ليحضر كما فعل الكاظمي من قبل”.

ويضيف حيدر أن “حضور العراق في مؤتمر أميركي تحضره إسرائيل يأتي في إطار التطبيع الذي أمضت عليه حكومة الإطار، وهو حلقة في سلسلة الخطط التي يتم تنفيذها الواحدة بعد الأخرى، والقادم أكبر بكثير وعلى العراقيين أن يستعدوا لتلقي الصدمات تباعاً، إذا قرروا الوقوف على التل متفرجين”.

يشار إلى أن رئيس الحكومة السابق مصطفى الكاظمي، رهن مشاركته في القمة ذاتها، بعدم مشاركة إسرائيل فيها، وهو ما تحقق في حينها، حسب الإعلان الرسمي آنذاك.

إلى ذلك، يبين المحلل السياسي ماهر جودة، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “حضور العراق في قمة من أجل الديمقراطية، يدل على أن البلد أصبح محوريا ومؤثرا في المنطقة، وهو صاحب تجربة ديمقراطية ناشئة، وتستوجب هذه المشاركة أن يتمسك العراقيون بالخيار الديمقراطي”.

ويتابع أن “المرحلة المقبلة ستكون مهمة، وسينتقل فيها البلد إلى مرحلة النضوج الديمقراطي، لاسيما وأن اختياره من قبل واشنطن للمشاركة في هذه القمة، يكشف الدعم الأمريكي ومن جميع دول العالم للعراق، ويؤكد أنه أصبحت لديه بصمات إقليمية ودولية، بالتالي لا يوجد إشكال في الدعم الأمريكي، خاصة وأنها قوة عظمى”.

ويشير إلى أن “الرعاية الأمريكية للعراق، دليل على اهتمام المجتمع الدولي بالعراق، وأن تجربته الديمقراطية أصبحت ناجحة على عكس بعض بلدان المنطقة، ويجري تسويقها كمثال للنجاح”، مشددا على العراق “أن يستثمر هذا الدعم الدولي لصالحه بشتى الطرق”.

يشار إلى أن لغطا كبيرا، أثير أيضا في تشرين الثاني نوفمبر 2022، بشأن مشاركة رئيس الجمهورية عبداللطيف رشيد بمؤتمر المناخ الذي عقد في مصر، حيث أظهرت الصور جلوسه إلى جانب ممثل إسرائيل، المشارك بالمؤتمر.

إقرأ أيضا