ماذا بقي من “البعث” في ذكرى سقوطه العشرين؟

مرت 20 سنة على مشهد سقوط تمثال صدام حسين، وسط العاصمة بغداد، في حدث مفصلي…

مرت 20 سنة على مشهد سقوط تمثال صدام حسين، وسط العاصمة بغداد، في حدث مفصلي غيّر مسار البلد، وزالت معه حقبة “البعث” التي دامت 35 عاما، ومع اكتمال عقدين على زوال الحزب من المشهد السياسي، يتجدد السؤال حول مصيره في ظل بقاء أيديولوجيته، والقبول الدولي والإقليمي لعناصر منه، وفقا لمراقبين، أشاروا أيضا إلى أن الغضب الشعبي من النظام الجديد قد يسهل على الحزب المحظور عودته مجددا.

ويقول المحلل السياسي نزار حيدر، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “حزب البعث تأسس عام 1947، وأهم نقطة هي انه في العام 1956 لعب دورا هاما في الحياة السياسية بالعراق، حيث شكل ما سميت بالجبهة الوطنية، إلى جانب الحزب الشيوعي العراقي والحزب الديمقراطي الكردستاني، وبدأ العمل على تغيير النظام الملكي، حيث تحرك حزب البعث أيضا على الضباط (الأحرار) ومنهم عبدالكريم قاسم وعبدالسلام عارف، وخططوا لانقلاب 14 تموز 1958، وهذا يعني أن حزب البعث وصل السلطة في ذلك العام وليس 1968، والدليل أن أمينه العام آنذاك فؤاد الركابي كان جزءا من حكومة قاسم”.

ويضيف حيدر: “بعد العام 2003، ترك البعث السلطة، لكن لفترة محدودة، وفي العام 2010، وباتفاق بين رئيس الاتحاد الوطني الراحل جلال طالباني ورئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي ورئيس جبهة الإنقاذ والتنمية أسامة النجيفي، جرى استثناء بعض الأسماء المشمولة بالاجتثاث وعودتهم للحياة السياسية، ومنهم صالح المطلك وظافر العاني ورافع العيساوي وآخرين”، موضحا أن “البعثيين منذ 1958 ولغاية اليوم، دائما ما يتمكنون ويعودون بأسماء وعناوين جديدة، ما أن تكون الفرصة سانحة لهم”.

ويتابع أن “المرحلة الراهنة فيها مؤشرات عديدة، تدل على عودتهم أو تقربهم، منها قضية التسهيلات التقاعدية لفدائيي صدام وإلغاء لجنة مصادرة الأموال المنقولة والتوجه لإلغاء هيئة المساءلة والعدالة وزيارة جناح سوريا لحزب البعث، بالإضافة إلى التسويق لباقر ياسين وهو من البعثيين القدماء المعارضين لصدام وظهوره بلقاءات تلفزيونية، بالتالي كل هذه المؤشرات تذهب باتجاه عودة البعث”.

ويتساءل حيدر، فيما إذا كان “ما يجري حاليا، بتخطيط من النظام الجديد، وهنا الإجابة متشعبة، فالأحزاب الكردية لن تمانع لأن حزب البعث إن عاد فانه سيأخذ حيزا في الوسط والجنوب والغرب ولا دخل للإقليم به، أما الكتل السنية فإنها تعده إضافة سياسية لها كما أنه مرتبط بالمكون السني، لكن الأهم هو الأحزاب الشيعية، والأخيرة تعاملت مع حزب البعث السوري ودافعت عنه، بالتالي فأن العودة ستكون للبعث المعارض لصدام، ولن تواجه مشكلة بذلك”.

ويعتقد أن “قضية انتهاء حزب البعث مستحيلة، فالأحزاب الشمولية الإيديولوجية لن تنتهي، وهذا ليس في العراق فحسب، بل بكل العالم، وفي العراق توجد ثلاثة أحزاب، هي الحزب الشيوعي الذي يمثل التيار اليساري، والبعث الذي يمثل التيار القومي، وحزب الدعوة الذي يمثل التيار الإسلامي، وهذه الأحزاب لن تنتهي والدليل أن الشيوعي والدعوة ورغم كل ما تعرضا له سابقا، ما زالا لغاية الآن، فهذه الأحزاب الشمولية لن تنتهي بسرعة”.

ويؤكد أن “حزب البعث ينتهي بشرط واحد، وهو بالانجاز، وليس بالقمع أو الاجتثاث أو المحاكم وغيرها، إذ يجب على النظام الجديد تقديم إنجاز ينسي الشعب حزب البعث، وهذا لم يحصل لغاية الآن”.

ويستطرد المحلل السياسي، أن “عودة البعث، ستفتح الباب على تساؤلات حول الاشتراطات الإقليمية والدولية، وهذه ستكون متفاوتة لكنها حسب التوقعات لن تواجه برفض، فدول الخليج من مصلحتها عودة البعث لأنها ستخلق توازنا سياسيا، وإيران لن تجد مشكلة لأنها تتعامل مع حزب البعث بسوريا، وأوروبا وخاصة فرنسا، فأنها تعد البعث تاريخيا محسوبا عليها وتربطها معه صلات قديمة”.

وكانت الولايات المتحدة الأمريكية قادت تحالفا دوليا ضد النظام العراقي السابق، وشنت الحرب في 19 آذار مارس، ما أدى إسقاط نظام صدام حسين في 9 نيسان أبريل، تلتها معارك عدة في بعض المدن قبل أن تسيطر القوات الأمريكية بالكامل.

وكانت معركة مطار المثنى، من أبرز المعارك التي حالت دون دخول القوات الأمريكية الى العاصمة، واستمرت ثلاثة أيام، قادتها قوات كان يطلق عليها “فدائيو صدام”.

واشنطن، كلفت جاي غارنر، وهو جنرال أمريكي متقاعد بإدارة العراق، تسلم مهامه في 21 نيسان أبريل 2003، ليكون أول حاكم مدني، ومن ثم تم تعيين بول بريمر كخلف له في أيار مايو من العام ذاته.

المرحلة الراهنة

خلال الفترة القليلة الماضية، صدرت العديد من القرارات وحدثت لقاءات، أشرت جميعها نحو عودة التقارب مع حزب البعث، وآخرها إلغاء اللجنة المذكورة في البند (ثالثا) من المادة (1)، والبند (ثانياً) من المادة (3)، المبينة في قانون حجز ومصادرة الأموال المنقولة وغير المنقولة العائدة إلى أركان النظام السابق، والتوصية إلى مجلس النواب بسحب مشروع قانون التعديل الأول لقانون حجز ومصادرة الأموال المنقولة وغير المنقولة العائدة إلى أركان النظام السابق (رقم 72 لسنة 2017)، كما تضمن القرار أن المتضرر يتولى رفع دعاوى بشأن قرار الحجز أو المصادرة أمام المحاكم المختصة.

ليضاف القرار أعلاه، إلى قرار المحكمة الاتحادية، مطلع آذار مارس الماضي، بناء على دعوى رفعت أمامها، منح الحقوق التقاعدية لمنتسبي “فدائيي صدام” عن خدمتهم العسكرية أو المدنية خارج الفدائيين، وأصدرت توضيحا، يتمثل برد على كتاب هيئة المساءلة والعدالة المتضمن “يمنع فدائيو صدام المتطـوعون مـن أية حقـوق تقاعدية”، وقالت المحكمة في توضيحها “أن مـن تم نقلهـم قسـرا سـواء كـانوا مـن المدنيين أو العسكريين إلى الجهاز المذكور آنفـا وتـمت إعـادتهم إلـى دوائرهم فـإنهم يستحقون راتبهم التقاعدي عـن خدمتهم خارج فدائيي صـدام ولا تحتسـب خدمتهم ضـمن الجهاز المذكور خدمة تقاعدية”.

وأكدت المحكمة أيضا آنذاك، أنها “توصلت مـن خـلال تحقيقاتهـا أن قسـما منهم (أي فدائيي صدام) استشهد أثنـاء تحرير العراق من عصـابات داعش الإرهابية اسـتجابة لنداء المرجعية، مما يقتضي مراعاة ذلك عند نظر حقوق الشهداء المذكورين”.

وتأتي هذه القرارات، إلى جانب التوجه لإلغاء هيئة المساءلة والعدالة، وبضغط من تحالف السيادة، وكان أساس اللغط الحالي حول رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، الذي أثاره بأخذه الإجازة من جهة، ومن جهة أخرى التوجه لإقالته لعدم تحقيقه المطالب في وثيقة تشكيل الحكومة.

جدير بالذكر، أن ائتلاف إدارة الدولة، وعند تشكيله في أيلول سبتمبر من العام الماضي، فإنه شهد توقيع وثيقة بين الإطار التنسيقي والاتحاد الوطني الكردستاني من جهة، والحزب الديمقراطي الكردستاني وتحالف السيادة من جهة أخرى، وفيها مطالب الطرفين الأخيرين، لغرض تنفيذها من قبل الحكومة التي يشكلها الإطار، وذلك لغرض تمريرها، وهو ما جرى في تشرين الأول أكتوبر الماضي، حيث مررت حكومة محمد شياع السوداني بناء على هذه الوثيقة.

 

ووفقا لتسريب بنود الوثيقة، التي لم تعلن بشكل رسمي، فإنها تضمنت من ضمن بنودها الكثيرة التالي: إلغاء هيئة المساءلة والعدالة وتحويل ملفاتها إلى القضاء والدوائر ذات الشأن، إصدار قانون العفو العام ويستثنى من عمل مع التنظيمات الإرهابية أو ساعد الإرهاب أو ورد اسمه بقوائم الجهات الأمنية، فضلا عن استثناء أي شخص مشمول بالمساءلة والعدالة لكنه شارك بالقتال ضد الإرهاب واستشهد، وشموله بالحقوق التقاعدية.

جدير بالذكر، أن مسؤول تنظيم حزب البعث العراقي جناح سوريا محمد رشاد الشيخ راضي، زار بغداد منتصف الشهر الحالي وعقد سلسلة اجتماعات مع رئيس الجمهورية عبد اللطيف رشيد ورئيسي الحكومتين السابقتين نوري المالكي وعادل عبد المهدي إضافة إلى سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي رائد فهمي، وقد طالب راضي خلال لقاءاته أن يتم استثناء جناحه من الحظر في العراق، لكونه كان معارضا لصدام حسين، ووصف الأمر بأنه كان يقود “بعثا صداميا”، ويجب إفساح المجال أمام جناح سوريا بالعودة للعملية السياسية في العراق.

 

الفشل

إلى ذلك، يبين المحلل السياسي غازي فيصل، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “حزب البعث تعرض لتحديات كبيرة على المستوى التنظيمي والفكري، بدءا من الحرب العراقية – الإيرانية، وحرب الكويت وما تبعها من الحصار الاقتصادي وغيرها، وصولا إلى عام 2003، وما تعرض له، حيث جرت تصفية نحو 150 ألفا من كوادره في الوسط والجنوب وقانون الاجتثاث، وكل هذه العوامل أدت إلى إضعافه بشكل كبير”.

ويضيف فيصل، أنه “لا يمكن الحديث عن الحزب اليوم كما كان في السبعينيات، كما أن المواطنين ومن مختلف الفئات الشعبية باتت تتخوف من التقرب من أي شخص كان بعثيا سابقا أو حاليا، تحسبا من الخضوع للمحاسبة القانونية، لكن بالمقابل فأن ما يعيشه المواطن حاليا من فقر ومدن عشوائية وتهريب أموال وبطالة ويتامى وأرامل بالملايين وتفشي المخدرات، كلها عوامل تدفعه إلى تمني عودة البعث لما كان يوفره من حياة مستقرة، رغم ما تشوبها من انتهاكات لحقوق الانسان وملاحظات كثيرة أخرى، لكنها كانت توفر حياة بسيطة آمنة للمواطن”.

ويستدرك: “لن ننسى أن هناك العديد من الأحزاب الإسلامية والحزب الشيوعي، تعرضوا إلى الاضطهاد والانتهاكات والأحكام القاسية، ووصلت إلى مرحلة الإعدام”، مبينا أن “الأحزاب السياسية حاليا مرت بتجربة صعبة، خاصة وأن الإسلام السياسي فشل تماما في تحقيق أهدافه وبناء دولة مدنية، لعدم إيمان هذه الأحزاب بالدولة الدستورية والحداثة، وعدم تقبل الفكر الغربي على مستوى الاقتصاد والاجتماع”.

يذكر أنه في التاسع من نيسان أبريل 2003، دخلت القوات الأمريكية “مدينة صدام”، وهي مدينة الصدر حاليا، شرقي العاصمة بغداد، كما وصلت الدبابات والمركبات المدرعة الأمريكية إلى وسط العاصمة في ساحة الفردوس أمام فندق فلسطين، وتم اقتلاع تمثال ضخم من البرونز لصدام حسين من قاعدته بواسطة عربة مدرعة أمريكية قبل أن يدوسه بعض العراقيين الذين حضروا المشهد.

في اليومين التاليين لتلك الحادثة، سقطت كركوك والموصل دون مقاومة كبيرة، أما تكريت، معقل صدام حسين، فقد سقطت في 14 نيسان أبريل.

يشار إلى أن القوات الأمريكية اعتقلت صدام حسين في كانون الأول ديسمبر 2003 قرب تكريت قبل أن يتم إعدامه أواخر عام 2006، بعد محاكمة طويلة وعلنية.

جني المكاسب

من جانبه، يؤكد الباحث الأمني والسياسي سرمد البياتي خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “الكثير من كوادر حزب البعث، التي كانت مؤثرة سافرت خارج العراق والقسم الآخر أصبحت أعمارهم كبيرة جداً وقسم منهم أصبح عاجزا، ولهذا لا نعتقد أن هناك تنظيما واضحا  ومؤثرا لحزب البعث”.

ويلفت إلى أنه “في خارج العراق ربما يكون هناك تنظيم لحزب البعث، خصوصاً في سوريا والأردن، لكن هذا التنظيم هدفه العلاقات والتواصل، وليس تنظيما فعليا وينفذ عمليات أو تحركات مؤثرة”.

ويكمل حديثه “هناك من يريد لهذا الاسم (حزب البعث) أن يبقى من أجل جني الكثير من المكاسب والامتيازات بحجة خطورة حزب البعث وعودته، لكن في الحقيقة لا توجد أي خطورة إطلاقا”.

يذكر أن الولايات المتحدة خسرت 139 جنديا وبريطانيا 33 جنديا خلال الحرب، وفقا لوزارتي الدفاع في البلدين، كما قتل أكثر من 7300 مدني عراقي خلال هذه الفترة، وفقا لمنظمة “إيراكبادي كاونت”غير الحكومية.

إقرأ أيضا