عيد الفصح في البصرة.. حسرات وبحث عن فرص للنجاة

أمام إحدى كنائس البصرة، يقف القس زهير غالب مستمعاً إلى رنّات خجولة تطلقها الأجراس المعلقة…

أمام إحدى كنائس البصرة، يقف القس زهير غالب مستمعاً إلى رنّات خجولة تطلقها الأجراس المعلقة بعناية، وهو يراقب الأعداد القليلة التي حضرت قداس عيد الفصح أو القيامة.

“العدد الذي حضر القداس قليل جدا، ففي كل كنائس البصرة قد يصل العدد إلى 450 شخصا بين كبير وصغير”، هذا ما أكده غالب خلال حديثه لـ”العالم الجديد”.

ويؤكد القس ،أن “هذا العيد ليس احتفاليا، إنما تذكاري وديني لاستذكار قيامة المسيح، ويكون الاحتفال فيه داخل الكنائس”.

ويضيف بحسرة، أن “الطوائف المسيحية في البصرة أصبحت شبه معدومة، ولو تم جمعها كلها لا تملأ كنيسة واحدة، وهذا التناقص سببه الأسلوب المعيشي القاسي، إذ أن هناك قوة دفع نحو المغادرة من الداخل، وتقابلها في الوقت نفسه قوة سحب من الخارج، فمن لديه أخ أو أقارب في الخارج يعمل على سحب الموجودين هنا، وهكذا بدأت تقل الأعداد تدريجيا”.

ويتابع، أن “معظم الشباب المسيحيين لا يحصلون على أعمال، والخريجون عاطلون عن العمل، ما يضطرهم إلى الخروج لغرض الدراسة أو الهجرة أو العمل، فالوضع الاقتصادي المتردي عامل مهم لإجبارهم على السفر”، لافتا إلى أن “سبب بقاء بعض الأسر إلى الالتزامات والأولاد ممن يعملون في العراق إضافة إلى الارتباط بالأرض، خاصة نحن، ساكني البصرة”.

وبدأت الأسبوع الماضي، احتفالات “أحد الشعانين” للمكون المسيحي، حيث خرجت مسيرات في مناطق سهل نينوى، كما جرت العادة في كل عيد، ومن ثم احتفل أبناء المكون يوم أمس الأحد، بعيد “القيامة أو الفصح”، وجرى أكثر من قداس في أغلب محافظات العراق، وخاصة في الكنائس المركزية والكاتدرائيات.

وكانت “العالم الجديد”، قد كشفت في كانون الأول ديسمبر 2020، عن تناقص أعداد المسيحيين في جنوب العراق بشكل كبير، وبحسب تقرير سابق، فإن قرابة 150 عائلة بالبصرة، أحيت قداس الميلاد الأخير في الكنائس: الكلدانية، الأرمنية، والسريانية الكاثوليكية، أما في كنائس السريان الارثوذكس، الإنجيلية المشيخية الوطنية، فقد أحيت القداس فيها قرابة 10 عائلات فقط، فيما تحوي ذي قار عائلة مسيحية واحدة، وفي ميسان أحيت 14 عائلة القداس.

ومنذ تسعينيات القرن الماضي، بدأت هجرة أبناء المكون المسيحي نحو الدول الأوروبية، لأسباب اقتصادية وأمنية واجتماعية، وارتفعت نسبة الهجرة بعد عام 2003، وما شهدته البلاد من تردٍ كبير في الأوضاع الأمنية، ورافقت الهجرة مشاكل أخرى أبرزها السيطرة على عقاراتهم، كالمنازل والبنايات من قبل بعض الجهات المسلحة والأشخاص المرتبطين بها، وجرت الكثير من عمليات التزوير للاستيلاء على هذه الممتلكات.

من جانبه، يعدّد حسام ماهر، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، الكنائس المفتوحة في البصرة وهي، “كنيسة السريان الكاثوليك والارثدوكس والكنيسة الكلدانية إضافة إلى كاتدرائية مريم العذراء الكلدانية وأيضا الكنيسة المشيخية وكنيسة الصخرة الرسولية”.

ويضيف ماهر: “بالنسبة لأوضاع العائلات المسيحية فإننا بصراحة كحال أي مواطن، وما يسري على الجميع يسري علينا كمواطنين، وبالنسبة للتمييز قد يكون موجودا لدى البعض بسبب عدم وجود قانون”.

وعن مناسبة الفصح، يؤكد أن “الاحتفال يكون بإجراء قداس ليلة العيد وهي مستمرة ولا يوجد أي منع من أي جهة، والطقس الديني يكون داخل الكنائس”، مشيرا إلى أن “هذا الأسبوع يسمى الأسبوع المقدس ويبدأ من عيد الشعانين الذي صادف الأحد الماضي وينتهي بعيد القيامة”.

ويرجع المواطن المسيحي سبب بقاء عائلات مسيحية في البصرة إلى أن “المنطقة ذات طابع اقتصادي، واليوم حتى المسيحيون من أربيل أو أي مدينة أخرى يأتون في بعض الأحيان للبصرة من اجل العمل، سواء في حقول النفط وغيرها، وبالتالي التنقل يكون بحسب مكان العمل ومن تتوفر لديه فرصة عمل كريمة في أربيل بالتأكيد يذهب إلى هناك”.

يشار إلى أن أعداد المسيحيين في العراق حاليا تصل إلى نحو 400 ألف شخص فقط، بعد أن كان العدد مليونا ونصف المليون، وذلك بحسب رئيس الكنيسة الكلدانية الكاردينال لويس ساكو، حيث صرح لـ”العالم الجديد”، في تموز يوليو الماضي.

وتعاني أغلب الكنائس من الإهمال، بالإضافة إلى صعوبة افتتاح أو بناء معابد جديدة، وهو أمر متوقف منذ سنوات طويلة، فيما تحولت بعض الكنائس في بغداد إلى مخازن للتجار بعد إهمالها وتركها منذ سنوات. 

بدوره، يتحدث القس أمجد سمير، لـ”العالم الجديد”، عن أن “الأعداد بالنسبة للعائلات المسيحية في البصرة ليست كثيرة، لكن رغم تناقصها فإن الأمور الاجتماعية والاقتصادية جيدة نسبيا ولا توجد مشاكل أخرى”.

ويشير سمير، إلى أن “100 عائلة تقريبا من المكون المسيحي تقطن البصرة، ومن ناحية فرص العمل فإن بعض هذه الأسر تمتلك أعمالا، لكن البعض الآخر مازالت تبحث عن فرص عمل”، لافتا إلى أن “جميع الكنائس في البصرة مفتوحة ولا توجد واحدة مغلقة”.

وكان بابا الفاتيكان فرنسيس، قد زار العراق في 5 آذار مارس 2021، عدت زيارة تاريخية والأولى من نوعها لأي من بابوات الفاتيكان في التاريخ، وأجرى خلال زيارته جولة شملت كنائس العاصمة بغداد ومدينة أور الأثرية في ذي قار، حيث منزل النبي إبراهيم الخليل، والتقى أيضا المرجع الديني علي السيستاني في النجف، بالإضافة إلى زيارته للموصل وأربيل.

إقرأ أيضا