العراق “يتفرج”.. كيف تقاسمت إيران والكويت مياهه الدولية؟

أعاد التحرك الكويتي – الإيراني لترسيم الحدود البحرية، الحديث عن موقف العراق من حصته في…

أعاد التحرك الكويتي- الإيراني لترسيم الحدود البحرية، الحديث عن موقف العراق من استحقاقه في المياه الدولية، التي يقترب من فقدانها بشكل كبير، لكونه لم يثبتها رسمياً، ما أدى لفقدانه حقه بالاحتجاج رسميا، وفتح المجال أمام الدولتين الجارتين للاستيلاء عليها واستغلالها دون إشراكه بأي مفاوضات رسمية، خاصة وأن المساحة التي يشترك بها العراق تصل إلى 300 ميل بحري، وما يملكه العراق اليوم هو 24 ميلا بحريا فقط، ليضاف لهذا الأمر تقدم السواحل الإيرانية من الجانب الآخر نحو ميناء “العمية” العراقي، الذي لم يعد يبعد سوى 3 أميال بحرية عن الحدود الشرقية.

وتكشف “العالم الجديد” في هذا التقرير، التفاصيل الكاملة لملف ترسيم الحدود البحرية العراقية، وكيفية فقدانها، وعدم اهتمام الحكومات المتعاقبة، بما فيها الحكومة الحالية، بهذا الملف وإهماله كليا رغم المناشدات التي وصلت لمكتب رئيس الحكومة، لاسيما في ظل بدء مفاوضات الكويت وإيران لترسيم الحدود بشكل رسمي بينهما من دون إشراك العراق

البداية من الخبير بترسيم الحدود ومستشار وزير النقل السابق حسن العبادي، إذ يقول خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “الحدود بعد العلامة 162، أهملت بالكامل، وفي وقت الحاكم المدني للعراق بول بريمر جرى حراك لترسميها، وقد تشجعت الكويت آنذاك لبدء المفاوضات مع العراق، لكنها كانت على قناعة بأن هذه المساحة البحرية قابلة للاستغلال بسبب تبدل الحكومات في العراق، فاتجهت إلى تعطيل المفاوضات“.

ويضيف العبادي، أن “الكويت خلال السنوات الماضية، اتجهت إلى إنشاء جزيرتين اصطناعيتين قرب الخط الملاحي التجاري العراقي، وهو الخط الوحيد للعراق الذي تدخل منه السفن، وهذه أخطر جزر، لكونها تعتبر أراضي كويتية، وقد تمكنت الكويت من تسجيلها رسميا كجزر طبيعية في الخرائط الأدميرالية البريطانية وهذه كارثة“.

ويشرح بالقول، إن “قانون البحار الدولي، اشترط أن تبتعد الجزيرة عن الساحل الكويتي، نصف مساحة البحري الإقليمي للدولة الساحلية المقابلة، وهذا ما تحقق بإحدى هذه الجزر، وجرى توسيعها وبناء برج مراقبة فيها على حساب العراق، وأصبحت الجزيرة تبعد عن ميناء البصرة 18 ميلا بحريا فقط“.

ويستطرد أن “ما أقدمت عليه الكويت شجع إيران، لأن منطق قانون البحار الدولي، قائم على أنه إذا لم تستطع الدولة ترسيم حدودها، فبإمكان أي دولة أن تستغلها، وهذا الأمر مشابه للمناطق البرية المهملة ومسألة وضع اليد، والعراق لم يرسم حدوده البحرية، وهذا أدى لفقدانه حق الاحتجاج رسميا على استغلال مياهه“.

ويؤكد أن “مساحة العراق البحرية الاقتصادية المشتركة مع إيران والكويت والواصلة للحدود السعودية، ستستغل من قبل إيران والكويت ويتم الاستيلاء عليها، وهي الممر البحري الوحيد للعراق، وهذا بسبب ضعف العراق وجهل اللجان المختصة بالقوانين الدولية، فضلا عن الفساد الذي طال بعض المسؤولين عن هذا الملف، وهو ما أدى الى تشكيك الدولة بكل ما يطرح من قبل الخبراء والمتخصصين“.

ويلفت العبادي، إلى أن “ما يجري ستكون له عواقب وخيمة، ومنها ما بدأ مؤخرا وهو الاجتماع الكويتي الإيراني، كونه أحد هذه العواقب“.

وعن مساحة العراق المائية الدولية، يوضح أن “المقرر دوليا، هو أن للعراق 12 ميلا بحريا وهي البحر الإقليمي، ومن ثم المنطقة المتاخمة وهي 12 ميلا أيضا، ليصبح المجموع 24 ميلا بحريا، ومن بعدها الجرف القاري والمنطقة الاقتصادية، وهذه كانت 200 ميل بحري، ومن ثم عدلت لتصبح 300 ميل بحري، ما أدى إلى وصولها للسواحل السعودية”، مبينا أن “هذه المساحة يشترك فيها كل من العراق والكويت وإيران والسعودية، وبالنسبة للعراق فهو واقع في المنتصف بين إيران والكويت، لكنه لم يرسم حدوده دوليا، ما سيعرض مساحته للاعتداء عليها، خاصة وأنها لغاية الآن صفر (غير مشغولة من قبله)، فالعراق لا يملك فيها شيئاً“.

ويكشف الخبير في ترسيم الحدود، قائلا “من جانب إيران، فإن سواحلها بدأت تمتد باتجاه العراق، وأصبحت قاب قوسين أو أدنى من ميناء العمية، حيث اقتربت السواحل من العراق وباتت لا تبعد عنه سوى 3 أميال بحرية فقط“.

يذكر أن الكويت وإيران، عقدتا في 14 من آذار مارس الماضي، اجتماعا مشتركا في طهران لبحث مسألة ترسيم الحدود البحرية بين الدولتين، والتأكيد على ضرورة حسم هذا الأمر بالشكل الذي يتوافق مع قواعد القانون الدولي، بحسب ما أوردت وكالة الأنباء الكويتية في حينها.

جدير بالذكر، أن مفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين إيران والكويت متوقفة منذ أكثر من 10 سنوات، لكنها عادت بعد 3 أيام فقط من عودة العلاقات بين إيران والسعودية، وتوقيع الاتفاق بينهما في الصين

وكان وزير الخارجية الكويتي، سالم العبد الله، كشف في شباط فبراير الماضي، عن انطلاق جولة مباحثات عراقية كويتية، لترسيم الحدود البحرية بين البلدين، ومن المفترض أنها بدأت حسب إعلانه في حينها، لكن لم يتم الكشف عن أي تطورات أو بيان من العراق.

المعطيات

وفقا لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 833 لسنة 1993، فقد تم تقسيم خور عبد الله مناصفة بين العراق والكويت، فالحدود تبدأ من العلامة 107 إلى 110 وتمثل خط الساحل بين الجانبين، أي تكون المياه للعراق واليابسة للكويت، ومن النقطة 111 إلى 134 هو خور شيطانة، وتمثل خط التالوك لمجرى الينابيع العذبة، وبالتالي أصبح المجال البحري للعراق أكبر من مجال الجانب الكويتي، ومن النقطة 134 إلى 162 هو خور عبد الله، ويكون مناصفة بين العراق والكويت، أي الجزء الشمالي للعراق والجنوبي للكويت، فيما ترك القرار، ما بعد العلامة 162، ولم يرسمها، ورهن تحديدها بمفاوضات بين العراق والكويت.

يشار إلى أنه بين عامي 2008- 2010، أعدت وزارة النقل خطة “المبادلة” مع الكويت لغرض ترسيم الحدود البحرية، وبموجب هذه الاتفاقية، فإن العراق منح الكويت السيطرة التامة على أغلب المياه، كما جاء في التقرير السابق للصحيفة.

وأواخر العام الماضي، أثيرت قضية إنشاء الكويت جزرا اصطناعية بغية تقريب حدودها والسيطرة على مدخل خور عبدالله، وهو ما لم يتحرك بشأنه العراق دوليا، بل قدمت الكويت حدودها الجديدة للأمم المتحدة لغرض إقرارها.

يذكر أن تقريرا سابقا لـ”العالم الجديد”، كشف عن تحرك الأردن نحو الكويت الشهر الماضي، وتدخلها كوسيط لغرض ترسيم الحدود البحرية بين العراق والكويت وإنهاء هذا الملف.

حقل الدرة

إلى جانب ما تقدم، فإن متخصصا بترسيم الحدود البحرية، رفض الكشف عن اسمه، يؤكد لـ”العالم الجديد”، أن “إيران متجاوزة على المساحة البحرية الخاصة بالعراق والكويت والسعودية، وتريد الوصول إلى الحقل النفطي المشترك، وهو آرش بحسب التسمية الإيرانية، فيما تسميه الكويت بالدرة، لكن الحقيقة أن لدى العراق حقا أيضا في هذا الحقل، لأن حدوده البحرية تصل إليه ويقع بين الدولتين“.

ويؤكد المصدر، أن “مناشدات عديدة وكتبا رسمية، وصلت إلى رئيس الحكومة السابق مصطفى الكاظمي، ولم يتحرك بهذا الشأن، وحاليا أيضا تكررت المناشدات لرئيس الحكومة محمد شياع السوداني، وجرى التواصل مع مكتبه، ولم يتم اتخاذ أي إجراء بشأن هذا الملف“.

ويتابع أن “لجنة الأمر الديواني 110 لسنة 2021 ولجنة الأمر 123 لسنة 2021، يجب أن تتوقفا ويعاد النظر بها وبأعضائها ويتم استبدال نصف أعضاء هذه اللجان“.

يشار إلى أن “العالم الجديد” كشفت في تقرير سابق، أن اللجان العراقية الخاصة بترسيم الحدود، قدمت نقاط أساسٍ وهمية تمكنت الكويت خلالها من الوصول إلى المدد الزمنية المطلوبة للحصول على ترسيم جديد وغلق القناة الملاحية للعراق.

يذكر أن الخبير بترسيم الحدود البحرية جمال الحلبوسي، نشر مقاطع فيديو توضيحية بشأن فقدان العراق لمياهه الدولية، وأشر بالخرائط منطقة خماسية الأضلاع، وهي فقط ما تبقى للعراق من مياهه، وهي فقط القريبة من سواحله قبالة الكويت، فيما جرى تطويق مساحته المائية الدولية بالكامل.

لا يمكن السكوت

من جانبه، يرى المحلل السياسي ماهر جودة، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “سكوت العراق على قضية التمدد على حصته ضمن المياه الإقليمية من قبل إيران والكويت أمر كبير وخطير، وهذا الأمر يتطلب موقفا حازما من العراق، فيجب أن تكون بغداد مشاركة وبقوة بأي تفاوض يخص المياه الإقليمية بين الدول الثلاث“.

ويتابع أن “حصة العراق ضمن المياه الإقليمية، لا تخص حكومة معينة، فهذا ملك العراق والعراقيين، ولا يمكن السكوت عنه لأي أهداف ومصالح، ولهذا فإن العراق مطالب بالتحرك سريعاً ليكون ضمن المفوضات الإيرانية- الكويتية لضمان كامل حصته، وعدم القبول بالتجاوز على حصته المشروعة لأي سبب كان“.

ويشدد على أن “مجلس النواب العراقي، والقوى السياسية مطالبة بالضغط على الحكومة من أجل أن يكون لها موقف حازم من أي تحرك إقليمي يهدف إلى اخذ مساحات كبيرة ومهمة من حصة العراق ضمن المياه الإقليمية، فهذا التنازل قد يدفع إلى التنازل بشكل اكبر عن غيره من الملفات المهمة والحساسة“. 

يشار إلى أن رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، زار الكويت قبل أكثر من أربعة أشهر، وبحث هناك خلال زيارته التي استمرت لساعات عدة، التعاون بين البلدين وسبل تطوير العلاقات، دون التطرق لملف الحدود حسب البيانات الرسمية.

إقرأ أيضا