هل ينجح العراق في تنويع الإيرادات “غير النفطية”؟

يصطدم هدف تنويع الإيرادات في العراق بـ”الهيمنة النفطية” والخطط “غير الجديرة” للحكومات المتعاقبة، فاعتماد الموازنة…

يصطدم هدف تنويع الإيرادات في العراق بـ”الهيمنة النفطية” والخطط “غير الجديرة” للحكومات المتعاقبة، فاعتماد الموازنة الكلي على النفط، يضع الحكومة على بساط من القلق الذي يسببه تقلب أسعار البترول في السوق العالمية، وإزاء ذلك تفكر الحكومة في إيجاد وتفعيل روافد “غير نفطية” لإمداد موازنتها، لكن هذه الفكرة تبدو بعيدة حسبما يرى متخصصون بالاقتصاد، بسبب هيمنة النفط ومشاركته الكبيرة في الناتج الإجمالي، ووجود شركات القطاع العام “الخاسرة”، وتدهور الزراعة والصناعة.

ويقول المستشار المالي والاقتصادي لرئيس الوزراء مظهر محمد صالح، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “هناك هيمنة تاريخية للريع النفطي في مكونات موارد الموازنة العامة السنوية في البلاد، إذ مازالت عوائد النفط تشكّل قرابة 91 بالمئة من إجمالي الإيرادات الفعلية السنوية في الموازنات الحكومية لقاء 19 بالمئة للإيرادات غير النفطية، والسبب يعود إلى غلبة الاقتصاد الأحادي النفطي في تكوين الناتج المحلي الإجمالي للعراق الذي يتراوح بين 50- 45 بالمئة من الناتج الإجمالي السنوي، في حين نجد أن تأثيرات إنفاق العوائد النفطية على دورة الحياة الاقتصادية تمتد إلى أكثر من 85 بالمئة من فاعلية النشاط الاقتصادي الكلي؛ الأهلي والعام في العراق”. 

ويبين صالح، أن “النشاطات المولّدة للدخل، عدا قطاع النفط، تستمد فاعليتها من القطاع النفطي نفسه وتأثيرات عوائده الإنفاقية على عموم النشاط الاقتصادي، وبهذا ففي بلادنا الريعية وبسبب الاعتماد على المورد النفطي، فإن القطاعات الأخرى المولدة للدخل الوطني والتي يشتق منها الإيراد الحكومي سواء بصورة نسبة من أرباح شركات القطاع العام أو نشاطات خاصة تخضع للرسوم أو الضرائب من دوائر التحصيل الضريبي والجمركي تجدها إمّا أنها معفاة من الضرائب والرسوم أو متهربة منها بسبب الفساد، أو تتلقى على العكس دعما مباشرا أو غير مباشر من الموارنة العامة (في جانب الإنفاق) أو أنها شركات عامة خاسرة بالغالب لا تدر أية أرباح في جانب الإيرادات”.

ويضيف، أن “الإيرادات غير النفطية في الموازنة العامة الاتحادية لعام 2023 تقدر بنحو 20 تريليون دينار، لقاء 110 تريليونات للإيرادات النفطية، فما زالت المشكلة قائمة في كفاءة تحصيل الإيرادات غير النفطية التي لا تزيد على 50 بالمئة مما مخطط لها من تحصيل سنوي، وهو أمر للأسف يزيد من عبء العجز المخطط نفسه كل عام”.

ويؤكد المستشار المالي والاقتصادي لرئيس الوزراء، أن “الحكومة تهدف إلى خفض مساهمة عوائد النفط في إيرادات الموازنة العامة خلال السنوات الثلاثة القادمة لتصبح 80 بالمئة بدلا مما هي أكثر من 90  بالمئة حالياً، ما يعني من حيث المنطق المالي هو رفع مساهمة الإيرادات غير النفطية لبلوغ أهدافها في النمو المالي المحدد لها سنويا في الموازنات العامة للسنوات الثلاث المقبلة، وهو ما تسعى المالية العامة إلى تحقيقه حاليا وفي المستقبل”.

وكانت اللجنة المالية النيابية، أكدت أمس الأربعاء، وجود اتفاق على دعم “خطة طموحة” لتنويع إيرادات العراق السنوية، بحسب عضو اللجنة مضر الكروي، الذي أكد أن بقاء النفط كمصدر رئيس لموازنة العراق بات أمرا في غاية الخطورة مع التدهور المتكرر في سوق الطاقة العالمي وتذبذب أسعاره، وأن اللجنة المالية ستبدأ بدراسة واقعية خلال الأيام المقبلة لملف تنويع إيرادات العراق.

ويعتمد العراق بنسبة كبيرة على بيع النفط الخام في تأمين إيراداته السنوية ودفع الرواتب وبقية المستحقات الأخرى.

إلى ذلك، يرى الباحث في الشأن الاقتصادي ملاذ الأمين، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “الإيرادات غير النفطية في العراق قليلة جدا، والخلل يكمن في الاقتصاد العراقي الذي اعتمد على النفط وجعله المورد الأفضل للموازنة المالية دون الاعتماد على الزراعة أو الصناعة أو استخدام الطرق والتنقلات”.

ويطالب الأمين “الحكومة الحالية والحكومات القادمة بأن تستخدم إيرادات النفط لبناء وتنشيط المصانع وتنمية الزراعة وتهيئة طرق نقل توصل بين العراق ودول الجوار فهذه جميعها تحقق إيرادات أخرى إلى موازنة العراق، فمن الممكن أن تنافس الزراعة أو الصناعة الإيرادات النفطية، خاصة وأن سعر النفط غير ثابت وقد تأتي فترات يمر فيها النفط بأزمة معينة وتهبط أسعاره”.

ويؤكد، أن “الاعتماد على النفط بصورة أساسية لدعم الاقتصاد العراقي أو أي اقتصاد متنامٍ هو طريقة خطيرة جدا، خاصة وأن العراق بلد زراعي بالدرجة الأولى ويتمتع بأرض خصبة، وبالإمكان الاعتماد على هذا القطاع كوسيلة بديلة، ولكن الخطط الحكومية السابقة والحالية ليست جديرة بأن تنهض بالاقتصاد العراقي وتحوله من الاعتماد على الإيرادات النفطية إلى غيره من القطاعات”.

ويواجه قطاع الزراعة الذي كان يمثل أحد روافد الإيرادات في السابق، تدهورا كبيرا، ومنذ العام الماضي، برزت أزمة الجفاف بشكل جلي في العراق، فبعد أن تم تقليص المساحات الزراعية إلى 50 بالمئة في العام الماضي، تفاقمت الأزمة مؤخرا عبر فقدان أغلب المحافظات مساحاتها الزراعية، وأبرزها ديالى وبابل، حيث أعلن مسؤولون فيها عن انعدام الأراضي الزراعية بشكل شبه كامل، بسبب شح المياه.

وكان مجلس الوزراء صوت الشهر الماضي، بجلسة خاصة، على قانون موازنة العام الحالي بقيمة 200 تريليون دينار (151 مليار دولار) للعام الحالي والعامين المقبلين، وأرسلها لمجلس النواب بغرض إقرارها، فيما وصفت الموازنة بالـ”مجازفة” من الحكومة باقتصاد البلاد ووضعها المالي، لاسيما في حالة انهيار أسعار النفط، الذي تعتمد عليه كليا، كما حدث في أعوام سابقة.

من جانبه، يوضح الباحث والمتخصص في الشأن الاقتصادي نبيل جبار، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “الإيرادات غير النفطية، تتمثل بالضرائب والرسوم والجمارك وأرباح القطاع العام، وهذا ما يفترض أن يعتمد عليه اقتصاد البلاد، إلى جانب النفط”. 

ويبين جبار، أن “أرباح القطاع العام لا تمثل شيئاً بوجود الشركات الخاسرة، وأن اي وارد ملموس للإيرادات خارج قطاع النفط غير موجود، وما يتم الحديث عنه بشأن نسب مشاركتها في الموازنة غير دقيق”. 

وعن كيفية تفعيل هذه الإيرادات، يؤكد، أن “الإنتاج كفيل بتفعيلها، لكن الدولة تسيطر على قطاعات الكهرباء والنفط ولديها 70 شركة في الصناعة و30 شركة وأكثر في الزراعة وجميع هذه الشركات لا تعمل، فكيف يتم الحصول على إيرادات لاسيما أن الحكومات المتعاقبة لم تلجأ إلى الإنتاج وتكتفي بحلول غير مجدية كتغيير سعر الصرف وفرض ضرائب مالية”، مشيراً إلى أن “المضي نحو الإنتاج والعمل يقلل نسب الاعتماد على النفط، فهناك دول ليس لها نفط وتعمل وتنتج”. 

وكانت “العالم الجديد”، أعدت ملفا موسعا سلط الضوء على الاقتصاد والزراعة والنفط بعد عشرين عاماً على زوال النظام السابق، وأظهر أن قطاعي الزراعة والصناعة شهدا تراجعا هائلا، بلغ مرحلة الانهيار، حتى باتا لا يشكلان سوى 2 بالمئة من الناتج المحلي بعد أن كانت نسبة القطاعين بحدود 15 – 20 بالمئة، لكن النفط كان الوحيد الذي شهد تطورا ملحوظا، حسب وصف خبراء، وذلك بمجال الاستخراج والخزن والتصدير.

إقرأ أيضا