بارزاني وأردوغان.. قصة “مصالح” أوشكت على النهاية

باتت علاقة الحزب الديمقراطي الكردستاني وزعيمه مسعود بارزاني مع الجانب التركي، على المحك وغير معروفة…

باتت علاقة زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني بالحكومة التركية على المحك وغير معروفة النتائج، بسبب قرب الانتخابات التركية، التي يتنافس عليها حزب العدالة والتنمية وحلفاؤه من جهة، وأحزاب المعارضة التركية بما فيها الكردية من جهة أخرى، ما شكل أزمة دعت بارزاني، وهو المقرب من أردوغان، إلى اتخاذ موقف متذبذب بين دعم حليفه من عدمه، وخاصة بعد توتر العلاقة بينهما نتيجة لقضايا النفط والقصف التي جرت خلال الأشهر الماضية.

وفي خطوة خجولة، استقبل بارزاني بتاريخ 26 نيسان أبريل الماضي، في مقر إقامته بمصيف صلاح الدين بمحأربيل، رئيس حزب الدعوة الحرة الكردي التركي “هدى- بار”، زكريا يابيجي أوغلو، وهذا الأخير هو من حلفاء أردوغان حاليا، ويعد من الأحزاب المتطرفة إسلاميا، وله قاعدة شعبية تعد بسيطة، في المدن الكردية بتركيا، إلى جانب اتهامات موجهة له بارتباطه بجماعة “حزب الله” التركية الكردية، وتاريخها بتنفيذ عمليات ضد حزب العمال الكردستاني.

ووفقا لوسائل إعلام تركية، فإن اجتماع بارزاني وأوغلو، شهد مناقشة انتخابات الرئاسة التركية المقرر إجراؤها في 14 أيار مايو المقبل، فضلا عن التوصل لاتفاق مشترك حول مواصلة تطوير العلاقات بين حزب الدعوة الحرة والحزب الديمقراطي الكردستاني، مستقبلا.      

وتمتد علاقة بارزاني مع أردوغان لسنوات طويلة، وشكل بارزاني في العام 2013، قوة دعم كبيرة لأردوغان، حيث عقدا اجتماعا في ولاية ديار بكر الكردية، في خطوة رمزية لتحشيد دعم الكرد لصالح أردوغان، عندما كان رئيسا لوزراء تركيا في حينها، وجرى الاستقبال في حينها بحفاوة كبيرة، وحضور مطرب كردي، كان خارج تركيا منذ سبيعينات القرن الماضي، في خطوة اتخذها أردوغان في حينها لكسب تأييد الكرد له، عبر بارزاني، الذي يعد شخصية ذات تأثير كبير على المجتمعات الكردية بالمنطقة. 

الحزب الديمقراطي الكردستاني، وعبر العضو فيه وفاء محمد كريم، يؤكد في البداية، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “زيارة رئيس حزب هدى بار الكردي التركي لبارزاني، تأتي للتأثير على الأوساط الكردية التركية، خاصة وأن هناك قرابة 10 ملايين كردي في تركيا”.

“هذه الزيارة، تعد جزءا من تقديم بارزاني الدعم لهذا الحزب الكردي التركي المتحالف مع أردوغان، وهذا التأثير سيكون معنويا ويدفع بالكرد إلى مناصرة حزب هدى بار”، كما يضيف كريم.

لكن، عضو الحزب الديمقراطي، يستدرك خلال حديثه بأنه “سابقا كان دعم بارزاني لأردوغان كبيرا جدا، وتمثل باستقبال أردوغان لبارزاني في المدن الكردية وإقامة الاحتفالات، أما الآن فأن الدعم بسيط جدا، وقد لا يتجاوز هذا اللقاء الذي جرى مؤخرا”، مبينا أنه “لغاية الآن فإن خطوات بارزاني لدعم أردوغان غير معروفة بشكل كبير أم لا”.

وبلغ التنافس على الرئاسة التركية ذروته، عبر تشكيل جبهتين، الأولى بقيادة أردوغان وتحالفه الذي يحمل اسم الجمهور، لمواجهة مرشح المعارضة كمال كيلتشدار أوغلو، عن تحالف الأمة والذي يعرف أيضا بالطاولة السداسية.

حيث شكل أردوغان، تحالف الجمهور، والمؤلف من خمسة أحزاب، هي حزب العدالة والتنمية الحاكم، وحزب الحركة القومية اليميني المحافظ، وحزب الوحدة الكبرى، وحزب الرفاه من جديد الإسلامي، وهو “وريث” الزعيم الإسلامي الراحل نجم الدين أربكان، مؤسس حركة “النظرة الوطنية”، وحزب هدى بار الذي ينشط في مناطق جنوب شرق تركيا.

وبالمقابل، فأن الأحزاب المعارضة لأردوغان، شكلت تحالفا سداسيا، يضم حزب الشعب الجمهوري وحزب الجيد القومي بزعامة كليجدار أوغلو وميرال أكشنار، بالإضافة إلى زعيم حزب السعادة ذي الخلفية الإسلامية تمال كرم الله أوغلو، ورئيس حزب الديمقراطية والتقدم (ديفا) علي باباجان، ورئيس حزب المستقبل أحمد داود أوغلو، وكلاهما منشقان عن حزب العدالة والتنمية الحاكم، وأخيراً رئيس الحزب الديمقراطي غول تكين أويصال.

لا فرق بين أوغلو وأردوغان

ويكمل عضو الديمقراطي الكردستاني حديثه، بالقول: “العلاقة بين بارزاني وأردوغان، هي علاقة اقتصادية، فهناك حدود مشتركة وتصدير نفط وأكثر من 3 آلاف شركة تركية عاملة في إقليم كردستان، كما يرتبطان بالشأن الأمني وهو محاربة حزب العمال الكردستاني، لكن بعد التوغل التركي وقصف الإقليم وقضية إيقاف تصدير النفط واستجابة تركيا السريعة لقرار محكمة باريس، كلها عوامل أدت إلى فتور العلاقة، وقد حدثت خلافات وقطيعة بين بارزاني وأردوغان، لذلك لن يدعم بارزاني تحالف أردوغان في الانتخابات كما دعمه سابقا، عبر التأثير على القاعدة الكردية في تركيا”.

“أوغلو (منافس أردوغان)، وعد بأنه سيحل القضية مع كرد تركيا، وبالمقابل فأن أردوغان تحالف من جهة أخرى مع شخصية تعد معادية للكرد، وبالتالي هذه كلها مرتبطة وتشكل فارقا”، هكذا يكمل كريم حديثه، لكنه يعبر بنوع من عدم الانزعاج من وصول أوغلو للرئاسة “ما الذي سيفعله أوغلو ضد الكرد، فأردوغان وضع الكثير من الناشطين بالسجن، وعين أشخاصاً لمراقبة عمل رؤساء البلديات الكرد، بالتالي لن يحدث أسوأ من هذا”.

وكانت هيئة التحكيم التابعة لغرفة التجارة الدولية، أصدرت قرارها في 24 من آذار مارس الماضي، بالقضية التي رفعها العراق ضد تركيا منذ العام 2014، بشأن صادرات نفط إقليم كردستان، التي تمررها تركيا عبر خط ميناء جيهان، حيث جاء القرار لصالح العراق.

ووفقا للقرار، فقد توقف ضخ النفط من الإقليم مباشرة، كما أن تركيا أبلغت العراق أنها لن تسمح للشحنات التي تحمل الخام من إقليم كردستان العراق بمغادرة ميناء جيهان الساحلي دون موافقة الحكومة الاتحادية في بغداد، وهو ما نتج عنه توقيع أربيل اتفاقا مع بغداد لاستئناف تصدير النفط مجددا.

وفي ما يخص حزب “هدى- بار” الكردي التركي، فأن شعبيته تتراوح ما بين 0,5 و1 في المائة، إلا أن أهميته أكبر من هذه الأرقام، وفقا لمتخصصين أتراك، لأنه ينشط بالدرجة الأولى في المناطق ذات الأغلبية الكردية، وأن معظم مؤيديه هم من الأكراد المتدينين الذين يعادون حزب العمال الكردستاني.

وتعرض حزب “هدى – بار” إلى هجوم من المعارضة التركية، بعد إعلان دعمه لأردوغان، وتقول المعارضة إن الحزب امتداد لجماعة “حزب الله” التركية التي ارتكبت جرائم في تسعينيات القرن الماضي حين كانت تقاتل ضد حزب العمال الكردستاني.

وجماعة حزب الله الكردية التركية، تأسست في سبعينيات القرن الماضي، وتتركز أغلب نشاطاتها في مناطق جنوب شرق تركيا، وكانت تقيم دورات دينية مثل تعليم القرآن، ويتوسطون في قضايا حل النزاعات الاجتماعية، وحاولوا الاندماج في سياسة تركيا بعد نجاح حزب العدالة والتنمية، فأعلنوا تأسيس حزب الهدى للمشاركة في الانتخابات التركية، وبدأت في التسعينيات مواجهة حزب العمال الكردستاني وحزب الشعب الديمقراطي.

رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني ورئيس حزب "هدى- بار" زكريا يابيجي أوغلو (26 أبريل 2023)

إبعاد الشبهات

وفي ظل المد القومي الذي انتهجه أردوغان في تركيا، بقي على علاقة وثيقة مع بارزاني، ليفصل بهذا بين سياسته الداخلية والخارجية، وهنا يوضح المحلل السياسي التركي جواد غوك خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “هناك علاقات شخصية تربط بين رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وبرغم الضغط الذي يتعرضان له، لكنهما مستمران بالتجارة، كما يوجد حديث عن علاقات تجارية تربط المقربين جدا من بارزاني وأردوغان بشكل خاص”.

الطرفان، بارزاني وأردوغان، لا يريدان تخريب العلاقة بين الإقليم وأنقرة، أو العلاقة الشخصية فيما بينهما، هكذا يؤكد غوك، متابعا “حزب هدى – بار، يريد أن يستفيد من هذه العلاقة التي تربط مسعود بأردوغان”.

ويؤكد المحلل التركي، أن “هناك نفوذا لبارزاني في السياسة التركية بشكل عام، بالتالي يريد الحزب الحاكم أن يجذب أصوات الكرد لهدى بار عبر ورقة بارزاني، لضمان عدم حدوث ردة فعل من الكرد المحافظين ضد هدى بار، لأنه متهم بالتطرف الإسلامي، لذا هناك محاولات لإبعاد هذه التهمة عنه”.

ويوضح غوك أن “دعم بارزاني لن يكون كما كان سابقا، لأن القومية في تركيا أصبحت متطرفة جدا، وهذه صنعها الحزب الحاكم، حيث قام بتقوية التطرف، فلو حدث لقاء مباشر بين بارزاني وأردوغان في أنقرة مثلا، فسينعكس سلبا على الأخير وتستغله المعارضة، لكن بالنتيجة فأن دعم بارزاني لأردوغان سيبقى في إطاره العام، كما أن اللقاء الأخير مع حزب هدى – بار، يمثل اتجاهين الأول دعم انتخابي للحزب واستثمار لعلاقات مستقبلية لما بعد الانتخابات”.

ويشير إلى أن “بارزاني يريد أن يرى نتائج الانتخابات، إذا كانت لصالح المعارضة أم لا، فهو حاليا لا يريد أن يستبق الأحداث ويدمر علاقته مع المعارضة، فلو وصلت للحكم ستبقى علاقته جيدة معهم وستتجه من جانبها إلى تقوية علاقتها مع بارزاني”.

يذكر أن علاقة بارزاني وأردوغان، شهدت توترات كثيرة، وأبرزها ما جرى في العام 2017، عندما أجرى بارزاني استفتاء انفصال إقليم كردستان عن العراق، وشمل به محافظة كركوك، وهو ما قوبل برد سريع وفوري من أردوغان، حيث أغلق المجال الجوي مع الإقليم، فضلا عن المنافذ البرية.

وشن أردوغان في ذلك الوقت، هجوما على بارزاني، وقال في كلمة له إن بارزاني سيخضع لـ”حساب التاريخ،” واصفًا إياه بالساعي وراء الفرص والمصالح، وأعلن أن حكومته ستتواصل مباشرة مع الحكومة المركزية في بغداد وليس مع حكومة الإقليم.

الاتحاد الوطني: أقرب لأوغلو  

وفي ظل ما تقدم حول طبيعة العلاقة بين بارزاني وأردوغان، فأن الاتحاد الوطني الكردستاني، يرى من جانبه أن الكرد في المنطقة “بحاجة إلى السلام”، كما يؤكد العضو فيه محمود خوشناو.

ويرى خوشناو خلال حديثه لـ”العالم الجديد”، أن “الاتحاد الوطني لن يتدخل بالشؤون التركية، ولا يفضل حزبا على آخر، لكنه يتمنى ممن يصل للرئاسة التركية أن يغير من السياسة الخارجية تجاه إقليم كردستان وإنهاء الأزمات بطرق سلمية، وهذا ما يدعو له حزب الشعوب الجمهوري (المنافس لأردوغان)”.

ويبين أن “العلاقة بين تركيا والعراق يجب أن تبنى على المصالح المشتركة، وإيقاف انتهاك السيادة، وهذا ما لمسناه في الدعايات الانتخابية لمنافسي أردوغان، حيث أكدوا أنهم يسعون لتحقيق السلام،على عكس أردوغان الذي قاد الحرب ضد ما أسماه الإرهاب وشن عمليات في العراق”.

وبشأن العمال الكردستاني، يوضح خوشناو: “علاقتنا مع العمال الكردستاني، ليست حسب الرواية التركية، فقوات سوريا الديمقراطية (قسد) تصنفها تركيا أنها إرهابية وجزء من العمال الكردستاني، والحقيقة مختلفة، فنحن نتعاون معها لمكافحة الإرهاب وذلك بدعم التحالف الدولي، لكن تركيا تمرر هذه الرواية لتسوغ توغلها في المنطقة”.

ويعرج على لقاء حزب “هدى – بار” مع بارزاني، بالقول: “كل الاحزاب التركية كانت تريد أن تستخدم الورقة الكردية للوصول للسلطة، وهو ما يفعله حزب العدالة والتنمية بزعامة أردوغان حاليا، وخاصة بعد ردة الفعل الشعبية ضده نتيجة لحروبه في العراق وسوريا وليبيا وقبرص، والتي باتت تستنزف الشباب التركي وأدت لانهيار الاقتصاد التركي، وهذه ردة الفعل صدرت من الشعب التركي عموما قبل كرد تركيا”.

ويشرح عضو الاتحاد الوطني، علاقة الأحزاب المعارضة لأردوغان بحزب العمال الكردستاني، حيث يوضح: “الحزب الحاكم التركي يروج أن المعارضة لديها تعاون مع العمال الكردستاني، وهذا خطأ، فأي تعاون لا يوجد، بل ما يجري هو توجه المعارضة لإحلال السلام وتسليم السلاح والتوصل لهدنة لإنهاء الصراع المسلح، لكن أردوغان يروج أن المعارضة إرهابية، وهذه ورقته حتى يحافظ على أصواته”.

يشار إلى أن من أبرز الأهداف التي ترفعها أحزاب الطاولة السداسية بشكل واضح هي إسقاط أردوغان، والعودة بالبلاد من النظام الرئاسي الذي أقر في عام 2018، إلى النظام البرلماني.

وكان أردوغان قد أجرى تعديلا على الدستور، وحول النظام من برلماني إلى رئاسي، وفاز بمنصب الرئيس في انتخابات أجريت عام 2018، في دورة ثانية له.

إقرأ أيضا