حرية الرأي والصحافة في العراق.. حقل ألغام و”الصاعق” بيد السلطات

شهدت محافظة النجف، يوم أمس الأول الأربعاء، اعتقال الناشط البارز أبو زين العابدين الحسناوي، بعد…

تزامنا مع اليوم العالمي لحرية الصحافة، شهدت محافظة النجف، أمس الأول الأربعاء، اعتقال ناشط ومدون بارز، بسبب انتقاده لتردي الواقع الخدمي بالمحافظة، في خطوة مكملة لسلسلة “تكميم الأفواه” التي تنتهجها السلطات في البلد، بحسب مراقبين، في ظل اعتقال ناشطين ومدونين في محافظات أخرى بينها واسط للسبب ذاته، لتضاف هذه الاعتقالات إلى التوجه الحكومي لمنع وصول المعلومة للصحفيين عبر معاقبة مسؤولين سربوا بعض الكتب الرسمية.

“العالم الجديد”، تواصلت مع الناشط أبو زين العابدين الحسناوي، من محافظة النجف، عقب إطلاق سراحه بكفالة، حيث يقول، إن “الهدف من انتقاد بعض المشاريع الخدمية، لم يكن التسقيط، بل تقويم العمل وتقديم ملاحظات مجانية إلى الأشخاص والجهات المسؤولة، لكن ونحن نقدم تلك المعلومات، نلاقي تهديدا وملاحقة لنا بسبب التعبير عن الرأي”.

ويبين الحسناوي “نواجه ضغوطات من خلال تفعيل مذكرات قبض بحقنا، بسبب الانتقاد للفشل والفساد للمشاريع الخدمية، دون المساس بأي شخصية، ورغم ذلك تتم ملاحقتنا من أجل إسكاتنا، وأنا حاليا أمام أكثر من دعوى قضائية، والبعض صدرت ضده مذكرات قبض لكن تم الإفراج عن بكفالة موظف بـ50 مليونا، وهذا كله من أجل ترهيبنا وإسكات صوتنا”.

ويؤكد الناشط البارز في النجف أن “تلك المحاولات لن تثنينا عن الدفاع عن مناطقنا وكشف المشاريع التي فيها إخفاق وفساد، ونحن نعمل على النقد البناء وليست لدينا أي نية من خلال هذا النقد الدخول بعالم السياسة، ونحن نستحق مكافأة، لما نقدم من معلومات للجهات المسؤولة لتقويم العمل، وليس الملاحقة والتهديد والوعيد”.

وشهد الشهر الماضي، حالات ملاحقة لمحللين سياسيين وناشطين، وأبرزها صدور أمر إلقاء القبض بحق المحلل السياسي، ليث شبر، وفق المادة 433 من قانون العقوبات العراقي، بناءً على دعوى رفعها مكتب رئيس الوزراء، وأساسها أن شبر تهجّم على رئيس الحكومة في أحد اللقاءات المتلفزة.

كما جرى اعتقال المحلل السياسي محمد نعناع، بناء على دعوى رفعها السوداني ضده عندما كان مرشحا لرئاسة الحكومة، بتهمة التهجم عليه ووصفه بأن السوداني شخصية “غير وطنية”، بالإضافة إلى تحريك السوداني، دعوى قضائية ضد محامية، بسبب تغريدة لها، انتقدت فيها أدائه الحكومي، وجرى استقدامها من قبل القضاء، ثم أطلق سراحها بكفالة.

بالمقابل، يذكر المحلل السياسي غالب الدعمي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “جميع الحكومات والمسؤولين يرفعون شعار دعم حرية الصحافة وحرية التعبير، لكن هي مجرد شعارات، فهناك ملاحقة وتهديد لأصحاب الرأي وهناك تقييد على الحريات الصحفية في العراق”.

واحتفل الصحفيون باليوم العالمي لحرية الصحافة أمس الأول، المصادف 3 أيار مايو الحالي.

ويبين الدعمي، أن “بعض الناشطين والصحفيين، ووسائل الإعلام تقدم خدمة مجانية، للحكومة العراقية والأجهزة الرقابية عن بعض الإخفاق والفشل والفساد، ولهذا يجب دعمهم وليس ملاحقتهم قضائيا، ولهذا نرى ملاحقة لعدد من الناشطين في محافظات مختلفة بسبب انتقادهم للأداء الحكومي أو بعض دوائر الدولة، بسبب إخفاقات في بعض المشاريع الخدمية وغيرها”.

ويضيف، “وفق القانون والدستور، لا يمكن اعتقال أي شخص يوجه انتقادا لشخصية عامة وجهة حكومية بسبب إخفاقها في المهام والأداء، لكن في الغالب هكذا دعاوى تغلق، وهناك أمثلة كثيرة، كما أن الحديث عن عدم وجود سجناء بسبب الرأي، غير صحيح، فلدينا الكثير من سجناء الرأي، لكن في الغالب يسقطها القضاء العراقي”.

وفي واسط، جرى اعتقال ناشطين بارزين الأسبوع الماضي، وحاول مراسل “العالم الجديد” التواصل معهم، لكنهم رفضوا الإدلاء بأي تصريح لوسائل الإعلام، وحسب قولهم “حتى لا يتم تعقيد القضايا المرفوعة ضدهم”.

وأكدوا في حيدث مقتضب، أن “هناك وعودا تلقوها من الجهات التي رفعت دعاوى ضدهم، بغلقها مقابل استمرارهم بالصمت وعدم التحدث لوسائل الإعلام”.

وكانت منظمة اليونسكو، حذرت يوم أمس الخميس، بمناسبة بدء اعمال القمة الدولية للفن والثقافة، من تعرض الصحفيين والفنانين الى استهداف في مناطق واسعة وخصوصا العراق، موصية الأمم المتحدة باتخاذ ثلاث خطوات لحمايتهم، أولها اعلان الفنانين في إطار التعبير الحر عن الفن جماعة ضعيفة معرضة للخطر وبحاجة الى اهتمام خاص، وإطلاق برنامج دعم واسع للصحفيين والفنانين يهدف لحماية أعمالهم والمساحات الفنية والثقافية التي يعملون بها، وأخيرا إطلاق برامج لاعادة بناء النظم القضائية والعوامل القانونية لحمايتهم خلال التحقيقات والمحاكمات.

يشار إلى أن المادة 38 من الدستور تنص على أن: تكفل الدولة، بما لا يخل بالنظام العام والآداب: أولاً:- حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل. ثانياً:- حرية الصحافة والطباعة والإعلان والإعلام والنشر. ثالثاً:- حرية الاجتماع والتظاهر السلمي، وتنظم بقانون.

جدير بالذكر، أن جميع هذه القوانين والقرارات الحالية ما زالت تستند إلى مواد في قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969، وفي الفترة الأخيرة جرى الاستناد إلى المادة 403 من القانون الخاصة بخدش الحياء.

يذكر أن المواد في قانون العقوبات العراقي، والخاصة بإهانة السلطات، كانت تستخدم بشكل واسع خلال فترة النظام السابق، وسبق أن أصدر الحاكم المدني للعراق بول بريمر في 10 حزيران يونيو 2003، أمرا بإيقاف استخدامها، لكن أمر بريمر ألغي في ما بعد من قبل الدولة العراقية.

الوصول للمعلومة بخطر

وكانت وكالة الأنباء الرسمية، نشرت يوم أمس، خبرا نقلا عن مصدر حكومي، تضمن: جرى اتخاذ إجراءات رادعة بحق موظفين تسببوا بتسريب الكتب الرسمية الصادرة عن مكتب رئيس الوزراء إلى وسائل الإعلام.

وحول هذا الأمر يوضح رئيس جمعية الدفاع عن حرية الصحافة مصطفى ناصر، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “الصحفي يدعم ويدافع في جميع الأوقات عن مبدأ حرية وسائل الإعلام، والحق في حرية التعبير وحق الجمهور في الحصول على المعلومات، والجمعية تسعى جاهدة لضمان نقل المعلومات المنشورة بأمانة ودقة وعادلة، ويبذل قصارى جهده لتصحيح الأخطاء الضارة، ويفرق بين الحقيقة والرأي”.

ويبين ناصر، أن “الصحفي يحصل على المواد بوسائل صادقة ومباشرة ومفتوحة، باستثناء التحقيقات التي تصب في الغالب على المصلحة العامة والتي تنطوي على أدلة لا يمكن الحصول عليها بوسائل مباشرة”.

ويضيف رئيس جمعية الدفاع عن حرية الصحافة، أن “الصحفي يحمي هوية المصادر التي تقدم المعلومات في سرية والمواد التي تم جمعها في سياق عمله، ومن يقاوم التهديدات أو أي محفزات أخرى للتأثير على المعلومات أو تشويهها أو قمعها ولا يأخذ أي ميزة شخصية غير عادلة من المعلومات المكتسبة في سياق واجباته قبل أن تصبح المعلومات معرفة عامة، ولا ينتج أي مواد من المحتمل أن تؤدي إلى الكراهية أو التمييز على أساس العمر أو الجنس أو العرق أو اللون أو العقيدة أو الوضع القانوني أو الإعاقة أو الحالة الاجتماعية أو التوجه الجنسي”.

وتضمن خبر الوكالة الرسمية أيضا: أن ظاهرة تسريب الكتب الرسمية خصوصا تلك التي لم تستكمل إجراءاتها القانونية والإدارية تسببت بانعكاسات سلبية كثيرة على أداء المؤسسات الحكومية فضلا عن الإضرار بالصورة العامة للدولة، كما أنها أصبحت أداة للصراع بين جهات مختلفة بحيث يتم تسريب الكتب بهدف التسقيط وهو أمر فسح المجال أيضا أمام تداول الكثير من الكتب المزورة والمفبركة لغرض التسقيط ذاته.

وكشف الخبر عن إحالة بعض هذه القضايا إلى هيئة النزاهة، حيث بلغ عدد الموظفين الذين اتخذت بحقهم الإجراءات القانونية 61 موظفاً، بينهم 10 من أصحاب الدرجات الخاصة.

ومنذ فترة حاول البرلمان تمرير قانون حرية التعبير عن الرأي والتظاهر السلمي، حيث أدرجه على جدول أعماله قبل أن يرفع منها بضغط من بعض الكتل السياسية، ويأتي ذلك بعد طرح قانون جرائم المعلوماتية، الذي رفع من جدول الأعمال بضغط أيضا.

إقرأ أيضا