التدويل أو الوساطة.. خياران أمام العراق لحسم ملف المياه مع دول المنبع

مع بدء مؤتمر بغداد الثالث للمياه، بحضور متفاوت لدول المنبع، تبرز قضية تدويل هذا الملف…

مع انعقاد مؤتمر بغداد الثالث للمياه، بحضور متفاوت لدول المنبع، تبرز قضية تدويل الملف والتوجه إلى التحكيم الدولي فيه، بدلا من مؤتمرات وصفت بأنها لن تثمر أي نتائج تذكر، وهنا دعا متخصصون إلى ضرورة التوجه لمحكمة العدل الدولية ورفع ملف متكامل، لاسيما وأن المحكمة حلت نزاعات مائية سابقة، مقترحين حلا أقل وطأة يتمثل بإشراك وسيط دولي بدلا عن المفاوض العراقي الذي فشل طيلة السنوات الماضية بإيجاد حل للأزمة.

ويقول السياسي البارز والناشط الحقوقي بختيار أمين، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “الدول المتشاطئة توجد لديها هيئات للتعاون حول المياه، وهذا معمول به في كل دول العالم، لكن المكان الوحيد في المنطقة ومن بين الأماكن النادرة في العالم، الذي يفتقر لوجود هذه الهيئات هو حوض نهري دجلة والفرات، فلا توجد هيئات بين دول المنبع والمنصب“.

ويضيف أمين، وهو وزير أسبق، أن “العراق بإمكانه تدويل ملف المياه، لكنه لغاية الآن يستخدم الطرق الحوارية مع الدول المجاورة، وهذا يتمثل بمساعي رئيس الحكومة محمد شياع السوداني مؤخرا، إضافة إلى رئيس الجمهورية، ومن المفترض أن تثمر نتائج إيجابية“.

ويبين أن “دول الجوار باتت تستعمل المياه كسلاح، فهي أخذت تزرع وتصدر المحاصيل الزراعية للعراق، بدلا من تزويده بحصته من المياه“.

ويلفت أمين، بالقول إن “دول الجوار اتجهت لبناء السدود وتحويل مجرى المياه عن العراق، وبالإضافة إلى تركيا وإيران، فإن سوريا اتجهت أيضا لهذا الأمر قبل الحرب فيها، ولو جرى المخطط السوري كما مخطط له لأفقد العراق مليارا و200 مليون متر مكعب، وكاد ذلك أن يؤثر بشكل مباشر على سد حديثة“.

ويدعو إلى إعمال الضغط الدولي على دول المنبع، قائلا “تطرقت في وقت سابق لملف المياه مع محكمة العدل الدولية في لاهاي، خاصة وأن العراق أحد مؤسسي المحكمة، حيث كانت آنذاك هناك قضية مشابهة مفتوحة أمامها وهي الملف المائي بين هنغاريا وسلوفاكيا، حيث تم التحكيم من قبل المحكمة لصالح الدولة المتضررة، وقد قمت باستثمار الفرصة حينها وطرحت قضية العراق فأبدت المحكمة استعدادها بعد أن شرحت الوضع بالتفصيل، كما تلمست الاستعداد الكامل من قبل رئيس المحكمة لحلها وإنصاف العراق، لكن عندما خاطبت المسؤولين في بغداد لم أر أي تفاعل أو تعامل جدي مع قضية التدويل“.

ويشدد على “ضرورة أن يحرك الجانب العراقي دبلوماسية المياه، خاصة وأن هناك كفاءات عالية في وزارة الموارد المائية وغيرها، وعليه طرح الأمر على المؤسسات الدولية، فقد سبق وطرحت الأمر على الاتحاد الأوروبي، وطالبت بوضع ملف المياه مع العراق كشرط لقبول تركيا في الاتحاد الأوروبي، لكن مع الأسف فإن البلد مقصر بتحريك هذه المسألة دوليا“.

ويكمل أمين حديثه: “على الحكومة أن تهيئ ملفا قانونيا عبر وزارة الخارجية وخبراء بالقانون وتدرسه من كافة جوانبه، وتقدمه لمحكمة العدل الدولية”، مضيفا “تطرقت سابقا لهذه القضية مع حلف الناتو، وشرحت له القضية، وأبلغت الحلف أنه في حال نشوب حرب بين العراق وتركيا، وهي الدول العضو في الناتو، كيف سيكون الوضع، ألا تتدخلون للدفاع عن عضو في الحلف، فما يجري هو ظلم تمارسه تركيا ضد العراق“.

ويستطرد أن “الوضع المائي اليوم خطر جدا، وربما في عام 2030، يكون وجود الأنهر مهددا بشكل كبير، وليس مجرد انخفاض مستوى”، مؤكدا أن “العراق عليه واجب داخلي، هو مسألة التقشف والترشيد باستهلاك المياه، وهذا أمر مهم، لكنه لا ينفي المسؤولية الكبرى على دول المنبع، فلو افترضنا أن العراق يهدر 20 بالمئة من المياه، فان 80 بالمئة هي من مسؤولية هذه الدول“.

ويوضح أن “دول المنبع تستخدم قضية هدر العراق للمياه، كعذر للهروب من مسؤوليتها، وهذا أمر مرفوض، فالهدر موجود بكافة البلدان، ورغم إقرارنا أن العراق فيه هدر أكبر وإسراف باستخدام المياه، لكنه لا يتيح لهذه الدول استخدام هذا الأمر ضد البلد“.

وعقد في بغداد يوم أمس السبت، مؤتمر بغداد الثالث للمياه، ومن المفترض أن تنتهي أعماله اليوم الأحد ويصدر البيان الختامي عنه، وخلال جلسة الافتتاح أكد رئيس الحكومة محمد شياع السوداني: اتخذنا الكثير من المعالجات لتقليل آثار ومخاطر شحِّ المياه، وشخّصنا المشكلة المائية مع دول المنبع وأسبابها.. ولقاءاتنا مع المسؤولين بالدول التي نتشارك معها في المياه، تركزت في ضرورة حصولنا على حصتنا الكاملة من المياه، وتكثيف الجهود الفنية لحل الإشكالات دبلوماسيا بعيداً عن لغة التصعيد.

وبين السوداني أيضا: هذا الحضور النوعي والمتميز في المؤتمر من دول الجوار، والمنظمات الدولية والخبراء والفنيين خير دليل على انتهاجنا سياسة الحوار، والاعتماد على الحلول العلمية والعملية.. وأن التوجيهات والقرارات ركزت على ضرورة تغيير طريقة الإدارة المائية، والاستخدام الأمثل للمياه، وعدم هدرها.. واتجهت الحكومة إلى الإفادة من خبرات بعض الدول المتقدمة؛ للوصول إلى إدارة رشيدة للمياه، من خلال خطط وبرامج التدريب أو التعاقدات المباشرة أو نقل التجارب الناجحة في هذا الاتجاه.

وتابع: واجبنا الحفاظ على مناخنا وثرواتنا وبيئتنا، والحكومة شرعت بمشروع تحلية مياه البحر.. وأن إنقاذ دجلة والفرات، يستدعي تدخلاً دولياً عاجلاً.

يشار إلى أن وكيل وزارة الموارد المائية رائد الجشعمي، قال في تصريح صحفي يوم أمس، أن مستوى الحضور على مستوى البلدان المشاركة (إيران وتركيا وسوريا)، كان التمثيل الأكبر برئاسة وزير الطاقة الإيراني ووفد فني رفيع المستوى، ووزير الري السوري وكادر متقدم بالوزارة، أما تركيا فقد اختصر حضورها على كادر متقدم بوزارة الزراعة بعد اعتذار الوزير التركي بسبب الانشغال بالانتخابات التركية.

كما التقى السوداني، يوم أمس، وزير الطاقة الإيراني وبحثا إمدادات الطاقة الكهربائية إلى الشبكة الوطنية العراقية من إيران، وموضوع الشح في موارد المياه وتأثيرات مواسم الجفاف والحصص المائية على مسارات الأنهار المشتركة، وأكد السوداني خلال اللقاء على أهمية استمرار الحوار والتنسيق واستثمار أجواء التهدئة السياسية في المنطقة.

وليلة أمس، أعلن وزير الطاقة الإيراني استئناف عمل اللجنة المشتركة للمياه بين العراق وإيران، وأكد أن المؤتمر الدولي في العراق فرصة للحوار وتقارب وجهات النظر بين المسؤولين والمفكرين والمنظمات الدولية، وأن التغيرات المناخية والتراجع في كميات الأمطار يحتم علينا زيادة التعاون، كما أن استخدام الأساليب الحديثة في استهلاك المياه والري والإدارة السليمة للموارد المائي يساعدنا على زيادة الكفاءة.

من جانبه، يؤكد الخبير المائي تحسين الموسوي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “مؤتمر المياه الثالث الذي عقد في بغداد، لا نتوقع أن يكون مغايرا للمؤتمرين السابقين، فالمؤتمر الثاني كان مكملا للأول، لكن دون أي نتائج فنسبة الجفاف ارتفعت ولم يتم التوصل لأي حل مع دول المنبع“.

ويضيف الموسوي، أن “ندرة المياه أصبحت عالمية، والعراق هو الأكثر تضررا، وأصبح تقاسم الضرر مع دول المنبع من الأمنيات، فما تعرض له العراق هو الإجحاف من هذه الدول ولم يتم تقاسم الضرر معه، وهذا الأمر كان لا بد من وجود لجان تحقيقية تؤشر النقاط السلبية للدول الأخرى، لكن هذا لم يحدث لأن البلد يفتقد للتخطيط“.

ويؤكد أن “العراق لغاية الآن لم يحدد موقفه، هل سيحتج لدى المحاكم الدولية المختصة أو يستخدم أوراق الضغط على هذه الدول، فهو ما زال يتعامل بحسن النية مع دول الجوار، في حين هو يتعرض لأكبر ضرر مائي أدى لنفوق الحيوانات وهجرة الفلاحين وتهديد الأمن الغذائي“.

ويدعو الحكومة لـ”الاستعانة بوسيط دولي مؤثر، كالاتحاد الأوروبي أو أي جهة دولية أخرى، بدلا من الاعتماد على المفاوض العراقي، الذي يقتصر على الوزير أو وكيله، والذي لن يحل هذه الأزمة”، موضحا أن “قضية التوصل لاتفاق، فهي لم تحدث منذ 50 عاما، لكن بعد 2003، فقد العراق حقه بالمطالبة بالمياه نظرا لتعدد مصدر القرار في البلد“.

ويختم الموسوي، حديثه قائلا “لغاية الآن نشخص الخلل ونحدده بكل تفاصيله، لكن لا توجد حلول، وهذا الأمر بات يتكرر بشكل مستمر، فتشخيص الخلل فقط لن يجدي نفعا“.

يشار إلى أن رئيس الجمهورية عبداللطيف رشيد، زار إيران مطلع الشهر الحالي، ومن هناك دعا إيران إلى مراعاة حصة العراق من المياه.

ومنذ أكثر من عام، برزت أزمة الجفاف بشكل جلي في العراق، فبعد أن تم تقليص المساحات الزراعية إلى 50 بالمئة في العام الماضي، تفاقمت الأزمة مؤخرا عبر فقدان أغلب المحافظات مساحاتها الزراعية، وأبرزها ديالى وبابل، حيث أعلن مسؤولون فيها عن انعدام الأراضي الزراعية بشكل شبه كامل، بسبب شح المياه.

جدير بالذكر، أن تركيا تحاول منذ سنوات، استخدام مياه نهري دجلة والفرات، لتوليد الطاقة الكهربائية، فأعلنت عن تشييد عدد من السدود، بدءا من العام 2006، منها سد إليسو الذي دخل حيز التشغيل عام 2018، ما حد من تدفق المياه إلى العراق، وأدى ذلك إلى تفاقم الخوف من النقص الحاد وعدم القدرة على تلبية الاحتياجات اليومية للزراعة والسكان.

كما غيرت إيران مجرى نهر الكارون في العام 2018، حين أعلن معاون وزير الزراعة الإيراني آنذاك، علي مراد أكبري، عن قطع حوالي 7 مليارات متر مكعب صوب الحدود العراقية، وتخصيص مبلغ 8 مليارات دولار لوزارات الطاقة والزراعة للتحكم بحركة المياه، وأن هذه الكميات من المياه ستستخدم في 3 مشاريع رئيسية في البلاد، منها مشروع على مساحة 550 ألف هكتار في خوزستان، و220 ألف هكتار في خوزستان أيضا وإيلام، في غرب إيران، الأمر الذي أثر على مياه شط العرب وزاد من ملوحتها، وأضر بالأراضي الزراعية في محافظة البصرة، كما قطعت إيران كافة الأنهر الواصلة لمحافظة ديالى، ما ادى إلى فقدانها الزراعة بشكل شبه تام.

إقرأ أيضا