النظام الصحي العراقي.. انهيار وتراجع بالتصنيف العالمي والجهات المختصة ترفض التعليق

سلّط عاملون بالمجال الصحي الضوء على المشاكل التي تعانيها المستشفيات، مشددين على سوء الإدارة والتنظيم،…

مع حلول العراق بالمرتبة الثالثة في قائمة أسوأ البلدان من ناحية النظام الصحي بعد بنغلاديش، رفض مسؤولون في القطاع الصحي ومتحدثون إعلاميون بوزارة الصحة وشخصيات معنية أخرى التعليق، رغم محاولات متكررة لـ”العالم الجديد” بالحصول على تصريح، فيما صب ناشطون ومدونون جام غضبهم على الإجراءات الحكومية بهذا الصدد، وذكروا بافتقار البلاد لأي مشروع من شأنه النهوض بواقع النظام الصحي، في حين، سلّط عاملون في هذا الحقل، الضوء على المشاكل التي تعانيها المستشفيات، وعزوا الأمر إلى سوء الإدارة والتنظيم،

وأعلن موقع “نومبيو” الذي يعنى بالمستوى المعيشي لدول العالم، يوم أمس الأحد، تصنيفه الخاص بالرعاية الصحية في العالم للعام الحالي، وفي قائمته التي ضمت أسوأ البلدان بالرعاية الصحية، جاءت فنزويلا بالمرتبة الأولى بحصولها على 39.35 نقطة، ومن ثم تلتها بنغلاديش بـ42.3 نقطة، والعراق ثالثا بـ43.46 نقطة.

وبحسب التصنيف فقد حلت تايوان كأفضل نظام رعاية صحية بمؤشر 85.9 نقطة، تليها كوريا الجنوبية بمؤشر 83 نقطة، ومن ثم جاءت اليابان ثالثاً بـ80.4 نقطة، وتليها فرنسا رابعاً بـ79.4 نقطة، تليها الدنمارك خامساً بـ79.2 نقطة.

وقد توجهت “العالم الجديد” إلى الجهات المختصة للحصول على تعليق حول هذا التصنيف، لكن لم يتمكن المراسل من الحصول على رد لسببين، الأول امتناع المتحدثين عن الإجابة بعد سماع السؤال والآخر عدم رد بعضهم على الاتصالات المتكررة.

وتورد هنا الصحيفة أسماء من امتنعوا عن التصريح بعد توجيه السؤال لهم حول واقع النظام الصحي، وأولهم المتحدث باسم وزارة الصحة سيف البدر، وربى فلاح من إعلام الوزارة أيضا، ونقيب الأطباء جاسم العزاوي وعضو لجنة الصحة النيابية ماجد شنكالي، وعضو لجنة الصحة أيضا وفاء الشمري، وأمين سر نقابة الأطباء شامل أمين، وأخيرا مدير مستشفى الشيخ زايد، الذي امتنع عن التصريح وأبلغ المراسل بأنه يجب استحصال موافقة من الوزارة حتى يتمكن من التصريح لوسائل الإعلام.

كما حاول مراسل الصحيفة التواصل مع: أعضاء لجنة الصحة النيابية سهام الموسوي وخديجة وادي ومدير مستشفى الكندي سالم مزهر، لكنهم لم يردوا على الاتصالات.

يشار إلى أن الواقع الصحي في العراق يعاني من مشاكل عدة، بداية من تقادم المستشفيات وعدم تأهيلها، إضافة إلى الإهمال في الجوانب الخدمية والسلامة وعدم توفر الأدوية، وكانت آخر فاجعة صحية في العراق، هي الحريق الذي اندلع في مستشفى الحسين بالناصرية مركز محافظة ذي قار، بسبب انفجار قنينة أوكسجين، ما أدى إلى مقتل نحو 100 مريض بفيروس كورونا، وذلك عقب حريق آخر اندلع في مستشفى ابن الخطيب الخاص بمرضى كورونا في العاصمة بغداد، وأودى أيضا بحياة قرابة 100 شخص، وذلك في العام 2021.

وبين أحد الأطباء الأخصائيين في العاصمة بغداد، في حديث سابق لـ”العالم الجديد”، أن المؤسسة الصحية في العراق لم تتم متابعتها منذ العام 1962 في حين أن المنظومة الصحية في بريطانيا تقوم بعمل متابعة لنظامها كل عامين، وعلى سبيل المثال أن مستشفى القادسية في مدينة الصدر الذي يغطي حوالي أكثر من مليوني نسمة يضم خمسة أطباء اختصاص باطنية فقط، في حين كان لدينا سنة 1989، نحو 13 طبيبا أخصائيا.

إلى ذلك، يبين الناشط محمد الموسوي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “الواقع الصحي في العراق متدن، فالمستشفيات في الغالب قديمة وبائسة وتعاني من تردي حالة النظافة، ولا توجد أي إدارة صحيحة للمراكز الصحية، وهو ما جعل الواقع الصحي في العراق عموما بائس”.

ويضيف أن “هناك جانبا مهما مغيّبا في النظام الصحي وهم الأخصائيون والكفاءات الذين دائما ما يتعرضون لتهديدات، ولهذا نلاحظ أن العراق بدأ يخلو من هؤلاء وما تبقى درجات وسطى من الأطباء”، مشيرا إلى أن “حديث الحكومة حول تطوير النظام الصحي هو نفسه الخطاب الإعلامي الذي يتكرر ويطرح في كل زمان، ولكن يمكن قياس جدية الحكومة إذا رأينا مؤتمرا مثلا يطرح سياسة عامة أو ورقة لإدارة الملف الصحي، وهذا غير موجود وبالنتيجة يبقى حبرا على ورق وخطابا إعلاميا لا أكثر”.

ومؤخرا، أعلنت الحكومة عن توجهها إلى تطوير النظام الصحي في البلد، وقد زار رئيس الحكومة محمد شياع السوداني مستشفى الكاظمية في بغداد، ووبخ الأطباء والإداريين فيه، كما افتتح المستشفى التركي في البصرة بشكل جزئي، دون توفير حلول حقيقية لمشاكل كثيرة، أبرزها غياب أجهزة الفحص المهمة وانعدام العلاج وشرائه من قبل المريض من الصيدليات القريبة من المستشفى.

من جهته، يقول سجاد الخفاجي (38 عاما)، وهو أحد العاملين في القطاع الصحي بصفة ممرض، لـ”العالم الجديد”، إنه “على الرغم من كفاية أعداد الأطباء لكن حجم المستشفيات في الحقيقة لم يعد يستوعب هذا العدد، فالاستشارية على سبيل المثال في المستشفى يوجد فيها طبيب واحد، وباقي الأطباء يبقون بالانتظار في البهو، وأغلبهم يخرجون بعد ساعات من الانتظار دون عمل”.

ويرى الخفاجي، أن “غالبية المستشفيات تنقصها الإدارة الصحيحة، فلا فائدة من الأطباء دون وجود مستشفيات، كما أن الكادر التمريضي قليل ولا توجد سوى أعداد محدودة في المستشفيات”، لافتا إلى أن “هناك نقصا واضحا في بعض المستلزمات الطبية، بل إن غالبيتها يتم شراؤها من الخارج خاصة في صالات العمليات، إضافة إلى المعقمات الأخرى والمنظفات التي يتم شراؤها أيضا من قبل المراجعين”.

ويلفت أيضا إلى “قلة أعداد عمّال الخدمة، فتلاحظ أن المتعيّنين والأجراء اليوميين والمتعاقدين بحوالي ١٢٠ عامل في المستشفى، في حين أن الموجودين في العمل لا يتجاوز عددهم خمسة عمال، وهذا يعود إلى سيطرة الأحزاب والمتنفذين على القطاع الصحي”.

يذكر أن العراق فقد مئات الأطباء، بسبب الظروف الأمنية أو تفشي ظاهرة الاعتداء عليهم من قبل ذوي المرضى، وخاصة الذين يتوفون نتيجة لأسباب طبيعية، ويتم تحميل الطبيب المسؤولية، وهو أمر تمنعه السلطات بشدة وتوجه القوات الأمنية باعتقال المعتدين، إلا أن الأمر لم يتوقف.

يشار إلى أن أغلب العراقيين باتوا يتجهون إلى خارج العراق لغرض تلقي العلاج، وخاصة إجراء العمليات الصعبة، ومن بين الدول إيران وتركيا والهند، وغالبا ما تأتي نصيحة السفر من قبل الأطباء أنفسهم، في حال وجدوا الحالة المرضية صعبة وتحتاج إلى أجهزة وعلاجات وإمكانيات كبيرة.

إقرأ أيضا