كيف أظهرت القمة العربية تجاذب المحورين الأمريكي والروسي؟

في ظل التنافس الروسي – الأمريكي، تقف المنطقة العربية على خط الحياد، دون أن ترجح…

في ظل التنافس الأمريكي الروسي، تقف المنطقة العربية على خط الحياد، دون أن ترجح كفة محور على آخر، وهو ما شهدته القمة العربية الـ32 في السعودية، ووفقا لمحللين سياسيين عرب وعراقيين، فإن الدول العربية أصبحت محطّ أنظار القوى الكبرى، وسط توقعات بأن يزداد التدافع الدولي نحو المنطقة لأسباب عدة أبرزها الطاقة، لكن الإجماع العربي قائم هو على إبقاء العلاقات متوازنة مع كل الدول. 

ويقول المحلل السياسي الأردني حازم عياد، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “زيارة الرئيس الأوكراني مع عقد القمة العربية، هي محاولة منه للتأثير على مواقف بعض الدول العربية للحفاظ على الحياد والوقوف بمسافة متساوية في الصراع الروسي الأوكراني، وهي من أجل محاولة الرئيس الأوكراني وقوف بعض الدول العربية مع أوكرانيا، وهذا الأمر بكل تأكيد بضغط أمريكي، ولذا جاءت رسالة الرئيس الروسي من أجل الحفاظ على مناطق نفوذه”.

ويبين عياد، أن “هناك تدافعا روسيا أوكرانيا في المنطقة العربية، والدول العربية تحاول الحفاظ على الحياد من خلال مواجهة الضغوطات التي تمارسها الولايات المتحدة الأمريكية وتمارسها روسيا، لدفع بعض الدول العربية لاتخاذ مواقف غير حيادية للوقوف مع جهة ضد جهة أخرى، والموقف العربي حتى الساعة لم يتغير ومازال على الحياد رغم الضغوطات”.

ويضيف، أن “زيارة الرئيس الأوكراني مع عقد القمة العربية، تمثل مجاملة للولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوربي قبلت بها الدول العربية، خصوصاً أن الدول العربية حتى اللحظة لم تشارك في العقوبات ضد روسيا، وهي تعمل على احتواء الموقف الأمريكي والأوروبي الضاغط، في المقابل سمح للرئيس الروسي أن يوجه رسالة خلال القمة العربية، للإعلان عن حياد الدول العربية”.

ويختم المحلل السياسي الأردني قوله، إن “موقف الدول العربية أصبح مؤثرا في الساحة الدولية، بسبب الموقع الجغرافي والموارد النفطية التي تمتلكها، ولذا فإننا نلمس تدافعا على المنطقة العربية من قبل المحاور الدولية”.

يذكر أن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، شارك في القمة العربية الـ32 بمدينة جدة في السعودية، التي انطلقت أعمالها أمس الأول الجمعة، وطالب في كلمته الدول العربية إلى دعم السلام في بلاده، وفيما أعرب عن ترحيبه بالاستثمارات العربية، وأمله في أن يعود السياح العرب لرؤية بلاده قريبا “خالية من الاحتلال الروسي”، أشار إلى أن بلاده “لن تستسلم ولن تخضع لأي محتل أجنبي”، مناشدا قادة العرب بـ”حماية شعبنا والجالية الأوكرانية المسلمة”.

ومن جانب آخر، وجه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، رسالة إلى القمة العربية، وتم عرضها، حيث أشار فيها إلى تطوير التعاون بين روسيا والدول العربية على مستويات مختلفة يتوافق والمصالح المشتركة.

وأضاف بوتين، أن روسيا ستواصل دعمها لجهود التسوية السلمية للأزمات في السودان وليبيا وسوريا واليمن على أسس السيادة والقانون الدولي، مؤكدا أن روسيا تولي اهتماما كبيرا لتطوير علاقات الصداقة والشراكة البنّاءة مع دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

يشار إلى الحرب الروسية الأوكرانية، عززت من سياسة المحاور، حيث بات المحور الأوروبي الأمريكي الداعم لأوكرانيا، بمواجهة المحور الصيني الروسي، والذي يضم إيران أيضاً.

من جهته، يؤكد المحلل السياسي السعودي عبد الله العريفج، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “العالم يشهد اليوم تحولات استراتيجية على المستوى الاقتصادي والسياسي، تقودها القيادة السعودية ولهذا فإن تنويع التحالفات ما بين الدول العربية ودول العالم الكبرى مهم جداً”.

ويبين العريفج، أن “المملكة العربية السعودية لم تعد تركن إلى الولايات المتحدة الأمريكية كما السابق، رغم أن واشنطن حليف استراتيجي للرياض، لكن تحالف السعودية والدول العربية لا يجب أن يختصر على أمريكا فقط، بل شمول هذا التحالف مع روسيا والصين وغيرها من الدول”.

ويضيف، أن “مشاركة الرئيس الأوكراني في القمة العربية والسماح للرئيس الروسي بإلغاء رسالة في القمة ذاتها، الهدف منه رسم خارطة جديدة للشرط الأوسط الجديد ودول الإقليم”، لافتا إلى أن “قوة السعودية الاقتصادية، تمكنها من طرح وتنفيذ رؤيتها الجديدة، ولهذا الدول العربية أصبحت مؤثرة وكل المحاور الدولية تريد كسب الدول العربية لجانبها، كونها أصبحت مؤثرة في العالم ككل وليس منطقة الشرق الأوسط فقط”.

يذكر أن السعودية استضافت في كانون الأول ديسمبر 2022، القمة العربية- الصينية، بحضور الرئيس الصيني شي جين بينغ، وشدد البيان الختامي للقمة على المضي بالتعاون بين الدول العربية وبكين، وتعزيز الشراكة الاستراتيجية بين الطرفين القائمة على التعاون الشامل والتنمية، والتأكيد على احترام سيادة الدول والامتناع عن استخدام القوة أو التهديد باستخدامها واحترام مبدأ حسن الجوار.

وكان الرئيس الصيني، أكد خلال كلمته في القمة، على أن الجانب الصيني يحرص على العمل مع الجانب العربي على تنفيذ مبادرة التنمية العالمية وتدعيم تعاون الجنوب- الجنوب لتحقيق التنمية المستدامة، وأشار أيضا في كلمته، إلى دعم الصين لإيجاد حلول سياسية للقضايا الساخنة والشائكة في البلدان العربية، وبناء منظومة أمنية مشتركة ومستدامة في الشرق الأوسط.

وكانت الصين، قد رعت في آذار مارس الماضي، اتفاق الصلح بين السعودية وإيران وعودة العلاقات بين البلدين، بعد أن تضمن بيان إعلان الاتفاق توجيه الشكر للعراق وعمان، على استضافتهما جولات الحوار بين السعودية وإيران.

من جانبه، يفيد المحلل السياسي أحمد الشريفي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، بأن “هناك صراعا دوليا في منطقة الشرق الأوسط، وكل طرف دولي يريد تحقيق نفوذه في هذه المنطقة، لقوتها الاقتصادية ولمكانها الجغرافي، ومشاركة الرئيس الأوكراني في القمة، كان يهدف لكسب تعاطف وتأييد الدول العربية لدولته ضد روسيا، لكن في الوقت نفسه فإن الدول العربية عرضت رسالة الرئيس الروسي، كإعلان منها بانها ليست مع طرف ضد آخر”.

ويبين الشريفي، أن “الدول العربية أصبحت مؤثرة في القضايا الدولية، خصوصاً وأنها تقود وساطات معلنة وغير معلنة من أجل إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية، والعراق بكل تأكيد جزء مهم من تلك الدول، التي أصبح لها تأثير في المنطقة والعالم، خصوصاً بعد قيادته لوساطة ناجحة ما بين طهران والرياض”.

ويعتقد المحلل السياسي، أن “المرحلة المقبلة، سوف تشهد تصاعد التدافع ما بين نفوذ الدول الكبرى في منطقة الشرق الأوسط، والعراق سيكون ضمن الدول العربية، التي ترغب بعض الدول بزيادة نفوذها، لكن حتى الساعة هناك إجماع عربي وبغداد جزء من هذا الإجماع بأن تبقى العلاقات متوازنة مع كافة الأطراف الدولية، والعمل على إنهاء أي خلافات عبر الحوار من خلال وساطات معلنة وغير معلنة”.

وتعاني الدول الغربية من أزمة بإمدادات الطاقة، بعد الحرب الروسية الأوكرانية، حيث قلّلت روسيا إمدادات الغاز الواصلة لأوروبا، لاسيما وأن الأخيرة تعتمد بشكل أساسي على الغاز الروسي.

يذكر أن السعودية استضافت في تموز يوليو 2022، قمة عربية أمريكية، بحضور الرئيس الأمريكي جو بايدن وبمشاركة رئيس الحكومة السابق مصطفى الكاظمي، إلى جانب مصر والأردن بالإضافة إلى الدول الخليجية، لكنها لم تخرج بنتائج مرضية للجانب الأمريكي.

إقرأ أيضا