لجذب السُيّاح.. “العالم الجديد” تدخل أول فندق بجهود ذاتية في أهوار الناصرية (صور)

على طريقة سكان الأهوار، شيد الناشط البيئي رعد حبيب الأسدي منزلا من القصب والبردي، ليكون…

على طريقة سكان الأهوار، شيد الناشط البيئي رعد حبيب الأسدي منزلا من القصب والبردي، ليكون مأوى للسواح وتجربة حيّة للعيش في الأهوار.

خطوة أقدم عليها الأسدي، وهو في الثلاثين من عمره لأجل إحياء فكرة البيوت الصديقة للبيئة والجاذبة للسُيّاح، فقد شيّد “البيت الأهواري” في أهوار الجبايش أقصى شرق مدينة الناصرية وهو مشروع الأول من نوعه في العراق في مثل هكذا بيئة مائية.

الأسدي باشر بتطبيق فكرة إنشاء بيت من القصب والبردي والطين مع بعض الحداثة من قبيل المصابيح الكهربائية وأجهزة التبريد، إذ يهدف من خلال هذا البيت إلى إمكانية إنشاء مشاريع سياحية صديقة للبيئة مماثلة تتكفلها الحكومة أو تطرحها للاستثمار لتمكن السُيّاح من التعرف على البيئة التي يعيشها السكان المحليون.

ويقول الأسدي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “المشروع استخدم جميع المواد الطبيعية ويستوعب لعشرين فردا للمبيت والاستراحة مع قاعة تسع لثلاثين شخصا مجهزة بمعدات لتقديم عرض عن الحياة في بيئة الأهوار”.

المشروع كان يجول في خاطر الأسدي الذي يعمل مدافعا عن بيئة الأهوار العراقية في جميع المحافل المحلية والعربية، إذ تمكن من جذب بعض المنظمات الدولية للاطلاع على واقع الأهوار وسكانه المحليين والضغط على الحكومة العراقية لأجل إقامة بنى تحتية لديمومة الطبيعة الأهوارية التي تتعرض في كل عام للجفاف بفعل المناخ وقلة الحصص المائية حتى دفع ببعض المختصين أن يصفوها بالبيئة الطاردة لسكانها.

ويكمل الناشط، أن “كلفة المشروع 58 ألف دولار حيث ساهمت منظمة الهجرة الدولية بـ15 الف دولار منها، وأكملت أنا بقية المبلغ”، لافتا إلى أن “وجبات الطعام التي تقدم للسائح هي ما يتغذى عليها سكان الأهوار، وفي مقابل ذلك الأجور التي يتم تقاضيها رمزية تغطي نفقات الخدمة المقدمة”.

أهوار الجبايش التي تتجاوز المساحة المغمورة حتى عام 2019 أكثر من 5500 كيلومتر مربع قلص الجفاف نسب الإغمار لأكثر من 90 بالمئة من هذه المساحة.

وهذا المسطح المائي الطبيعي ما أن تم وضعه على لائحة التراث العالمي عام 2016 حتى أصبح احد المواقع الرئيسية للسياحة الأجنبية والمحلية في العراق يقصده المئات في كل عام، إلا انه يفتقر إلى البنى التحتية والأمكنة الخاصة بالسُيّاح إذ يضطرون للبقاء عدة ساعات في بيت قصبي يعود للأهالي أو تحت مظلات كبيرة موجودة هي من صنع الأهالي أيضا ومن ثم يعودون إلى محل إقامتهم بفنادق وسط مركز مدينة الناصرية.

وبالتزامن مع هذا المشروع، سجلت المحافظة ارتفاعا غير مسبوق بأعداد السُيّاح الأجانب للموسم السياحي 2022-2023 يصل إلى خمسة أضعاف على ما كانت عليه في المواسم السياحية التي سبقت وباء كورونا وتظاهرات تشرين.

من جانبه، يؤكد مدير قسم سياحة ذي قار أسعد حسين لـ”العالم الجديد”، أن “أعداد السُيّاح الأجانب بلغ 1500 سائح تقريبا، أي بمعدل اكثر من 200 سائح في الشهر أثناء الموسم الذي يمتد من منتصف أيلول حتى نهاية نيسان من العام الذي يليه فيما بلغ أعداد السُيّاح الأجانب للمواسم 2015-2016 و2017-2018 ما بين 200 إلى 300 سائح، أما لسُيّاح المحليون من المحافظات العراقية تراوحت أعدادهم على مدار جميع السنوات ما بين 20 إلى 30 ألفاً.

وفي ظل هذا التزايد بأعداد السُيّاح تفتقر المحافظة للخدمات المطلوبة التي يمكن أن تكون عاملا للجذب من قبيل الفنادق أو أماكن الترفيه أو السياحة الأخرى والناصرية لا تضم سوى ثلاثة فنادق يمكن وصفها بالسياحية وذات درجات متفاوتة بحسب التصنيف ما بين ثلاث إلى أربع نجوم التي تبتعد مسافتها عن الأهوار بما لا يقل عن 100 كيلومتر شرق المحافظة فلا فندق سياحي أو مكان ملائم للاستراحة في الأهوار يستوعب هذه الأعداد الكبيرة التي تشهدها خلال فترات العطل الأسبوعية أو المناسبات من قبيل الأعياد.

وخلال العامين الماضيين، تحولت أهوار العراق إلى وجهة سياحية دولية، وقصدها العديد من مشاهير وسائل التواصل الإجتماعي، وسُيّاح من مختلف البلدان، وانتشرت هذه الرحلات بمقاطع مصورة على مختلف مواقع التواصل، وخاصة الصفحات ذات عدد المشتركين الملويني.

لكن بالمقابل، فإن أهوار العراق، وخاصة في ذي قار، التي تضم أكبر الأهوار العراقية، فهي مهددة بالجفاف، حيث انخفضت مناسيب مياهها لمستوى خطير، بسبب شح المياه وأزمة الجفاف عموما في البلد.

إلى ذلك، يوضح عماد طارش، صاحب فندق الزيتون، في مدينة الناصرية، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “دعم الحركة السياحية وتشجيعها يبدأ من الحكومة عبر تعزيز القطاعات الخاصة التي تشكل الركيزة الأساسية في هذا الجانب فتقديم القروض المالية لإنشاء الفنادق شيء مهم فضلا السلف الأخرى لاستبدال الأثاث أو أعمال الترميم”.

ويتابع أن “هذا الأمر لا نجده في المصارف بالإضافة إلى عدم تخفيض أسعار وقود الكاز المستخدم للمولدات عند انطفاء التيار الكهرباء وصعوبة الحصول على عمالة أجنبية لغرض العمل في هذه المباني”.

يذكر أن المياه عادت إلى الأهوار بعد عام 2003، بعد إزالة السدود الترابية التي بنيت في فترة رئيس النظام السابق صدام حسين، وعاد إلى المنطقة أكثر من 200 نوع من الطيور وعشرات الأنواع من الحيوانات البرية، فيما كانت الأمم المتحدة اعتبرت عمليات تجفيف الأهوار العراقية في تسعينيات القرن الماضي، من أكبر الكوارث البيئية التي حدثت في القرن العشرين، وتقارنها بما جرى في البرازيل من قطع الأشجار بحوض الأمازون.

بدوره، يعود مدير قسم السياحة أسعد حسين، ليؤكد أن “هناك مشاريع سياحية ضخمة تنتظر الموافقات في الأمانة العامة لمجلس الوزراء منذ عدة سنوات، أحدها مدينة سياحية تقع على ضفاف الفرات جنوب شرق الناصرية وبمساحة تصل إلى 289 دونم وبحسب المخطط تتضمن 400 شاليه وفندقا من الدرجة الأولى وبرجا سياحيا بارتفاع 60 مترا ومسبحا مغلقا ومركزا تجاريا وآخر ثقافيا ومدينة ألعاب ومرسى للزوارق”.

ويخلص إلى أن “هناك أيضا مشروع القرية السياحية ضمن خطة وزارة السياحة والثقافة والآثار تم وضع حجر الأساس لها في نهاية 2019 وبانتظار اكتمال الموافقات البيئية والموارد المائية ليتم بعد ذلك الشروع بها.

وكانت وكالة الأنباء الفرنسية وثقت العام الماضي “جريمة بيئية” في أهوار العراق، بسبب مياه المجاري الثقيلة التي تتدفق لها من أنابيب الصرف الصحي مباشرة، ما أدى إلى نفوق كميات كبيرة من الأسماك.

 وسلطت “العالم الجديد” في حزيران يونيو الماضي، الضوء على تناقص أعداد الجاموس في البلد، وخاصة وأن موطنها هي الأهوار، من ملايين إلى آلاف فقط، بسبب الجفاف وأرتفاع أسعار الأعلاف، حيث كان سابقا في العراق 12 مليون رأس جاموس والآن 30 ألفا فقط.

إقرأ أيضا