حذفها مكتب السوداني.. “النفقات السرية” لـ”الحشد” ضرورية أم باب للفساد؟

أدى قرار مجلس الوزراء، القاضي بشمول هيئة الحشد الشعبي بـ”النفقات السرية” وقيمتها مليار دينار، إلى…

قرار مجلس الوزراء، القاضي بشمول هيئة الحشد الشعبي بـ”النفقات السرية” والبالغة مليار دينار، لاقى تفسيرات متعددة، فهناك من وجدها بابا جديدا للفساد والسرقة، نظرا لأن هذه المبالغ تصرف للاستخبارات والأمن الوطني حصرا، كونها تتعلق بالمصادر والمخبرين السريين، فيما رآها آخر طبيعية، لأن هيئة الحشد جزء من المؤسسة الأمنية، وأن المعركة الحالية مع الإرهاب هي معركة معلومات واستخبارات. 

ويقول الخبير الأمني العميد المتقاعد عدنان الكناني، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “هناك نفقات معلنة وأخرى غير معلنة، وهذه الأخيرة تذهب للاستخبارات وتديرها دائرة تسمى المراقبة والواجهات، إذ أن هذه الأموال تمنح للمصادر الأمنية، على شكل منح ودعم، ودائرة الواجهات يجب أن تبوبها لكن ليس بمسمياتها الحقيقية، حتى لا تكشف عن المصادر الأمنية والاستخبارية، فعند الكشف تفقد المصادر قيمتها”.

يذكر أن مجلس الوزراء قرر في جلسته أمس الثلاثاء، وحسب المقررات التي نشرها المكتب الإعلامي لمجلس الوزراء، وأعادت نشرها وكالة الأنباء الرسمية “واع”: الموافقة على شمول هيأة الحشد الشعبي بقرار مجلس الوزراء (142 لسنة 2009) المعدّل بشأن النفقات السرّية، وإضافة مليار وخمسمئة ألف دينار إلى هيأة الحشد الشعبي للغرض المذكور آنفاً.

لكن اللافت هو قيام المكتب الإعلامي لمجلس الوزراء، بحذف تلك الفقرة من المقررات التي نشرها، فيما بقيت هذه الفقرة دون تعديل في القناة الرسمية لوكالة الأنباء العراقية (واع) على التليغرام.

ويؤكد الكناني، أن “هذه الأموال دائما ما تشهد تلاعبا وتكون بابا للفساد، لان نفقاتها سرية، ولغاية عام 2009 كانت المصادر الأمنية أو الاستخبارية لا تحصل على دعم كبير، وبعد 2011 تطور الأمر وزادت المبالغ، وهذه الأموال تذهب للاستخبارات والأمن الوطني”.

ويكشف أن “بعض المصادر الأمنية التي استفادت من الأمر أصبحوا موظفين في هذه الأجهزة، بعد تقييمهم من الضابط المسؤولين عنهم، وهذه النفقات تصرف لهذه الجهات وليس للشرطة الاتحادية مثلا وهي قوة قتالية على الأرض”.

ويجد الكناني، أن “التخصيص الجديد من مجلس الوزراء، وبدون تغطية يعني تشجيعا على السرقة، والمفروض أن يحاسب من اعد القرار، فهذا هدر للمال العام، رغم ان هيئة الحشد فيها استخبارات وامن وهو ذات الحال لمكافحة الإرهاب ففيه استخبارات خاصة، لكن هذه التخصيصات تعد تشريعا للسرقة، فيجب على الأقل أن تكون محصورة بيد جهة استخبارية واحدة”.

ويواصل، أن “تعدد الجهات الاستخبارية سبب مشاكل كثيرة، ففي التسعينات شكلت الاستخبارات في وزارة الداخلية وكانت مهمتها مراقبة عناصر الداخلية، وهناك كانت دائرة الأمن العامة ومهمتها الأمن الداخلي وجهاز المخابرات، ومهمته الأمن الخارجي والتجسس ولديه محطات في كل السفارات، لكن تشتت هذه الأجهزة اليوم سبب مشاكل خاصة وان مناصب الاستخبارات خضعت للمحاصصة وليس السياسية فقط بل حتى على مستوى العشائر”.

يشار إلى أن تقرير اللجنة المالية الخاص بالموازنة، كشف عن ارتفاع عدد منتسبي هيئة الحشد الشعبي في موازنة العام الحالي المزمع إقرارها، إلى 95 بالمئة مقارنة بموازنة 2021، حيث قفز عدد المنتسبين من 122 ألفا إلى 238 ألف منتسب.

وتأسست هيئة الحشد الشعبي في تشرين الثاني نوفمبر عام 2016، بعد تصويت مجلس النواب على قانونا رقم 40، وبموجب القانون، تعتبر “فصائل وتشكيلات الحشد الشعبي كيانات قانونية تتمتع بالحقوق وتلتزم بالواجبات باعتبارها قوة رديفة وساندة للقوات الأمنية العراقية ولها الحق في الحفاظ على هويتها وخصوصيتها ما دام لا يشكل ذلك تهديدا للأمن الوطني العراقي”. كما نص القانون على تمتع تشكيلات هيئة الحشد بالشخصية المعنوية، وترتبط بالقائد العام للقوات المسلحة، ويطبق عليها ما يطبق على العسكريين.

إلى ذلك، يرى الخبير الأمني أحمد الشريفي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “الحشد الشعبي، كباقي الأجهزة الأمنية والعسكرية، لديه أجهزة أمنية واستخباراتية متنوعة، ولهذا هو يحتاج إلى دعم مالي من أجل تطوير قدرات تلك الأجهزة من خلال زيادة مصادره وتنويعها”.

ويضيف الشريفي، أن “تخصيص مليار دينار لهيئة الحشد الشعبي كنفقات سرية، أمر طبيعي، وهذه النفقات هي سرية وستبقى سرية ولا تكشف إلا للجهات الرقابية المختصة، ولا يمكن كشفها للرأي العام والإعلام، فهي تتعلق بقضايا وعمل أمني واستخباراتي”.

ويتابع الخبير الأمني أن “المعركة مع تنظيم داعش الإرهابي أصبحت معركة معلومات واستخبارات أكثر مما هي معركة عسكرية، ولهذا فإن تطوير الجهد الاستخباراتي لهيئة الحشد الشعبي وكافة الأجهزة الأمنية أمر مهم في مواجهة ما تبقى من خلايا تنظيم داعش الإرهابي”.

وتملك هيئة الحشد، أجهزة استخبارية وأمنية خاصة بها، إلى جانب قضاة أيضا، ونفذت عمليات اعتقالات طالت شخصيات أدعت انتمائها للحشد الشعبي، وهو ما أثار في حينها لغطا، نظرا لوجود أجهزة أمنية مختصة، تعتقل منتحلي الصفة وغيرها.

وما تزال قوات الحشد الشعبي، تمارسها مهامها القتالية وتنفذ عمليات ضد خلايا تنظيم داعش في العديد من المدن، وذلك إلى جانب القوات الأخرى، مثل الشرطة الاتحادية أو الجيش او غيرها من التشكيلات، حيث دائما ما تنطلق العمليات الأمنية بمشاركة جميع هذه الأجهزة.

من جانبه، يتساءل الخبير الأمني علاء النشوع، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، عن “مدى شرعية وقانونية وجود مخصصات في كل المؤسسات تحت باب النفقات السرية، فالقضية تجترح تساؤلات عديدة، أو هي قد تكون مناورة جديدة من السرقات”.

ويضيف النشوع أن “الحشد مؤسسة عسكرية تابعة إلى إمرة القائد العام حسب القرارات النافذة وهي لا تخضع إلى مديرية التعبئة والإحصاء التابعة لوزارة الدفاع فأعداد منتسبي الحشد غير معروفة ولم تدخل أسماؤهم بقوائم (بودرة) كما هو الحال في كل مؤسسة ودائرة”، مشيرا إلى أن “هناك أدلة وملومات تتحدث عن وجود أكثر من ١٣٠ الف فضائي بالحشد تتقاضى هيئة الحشد رواتبهم”.

ويتابع أن “الحقيقة التي لابد أن نعترف بها هي أن مفهوم مقومات الدولة قد انتهى فعلا فلا وجود لدولة تحفظ أموال ومقدرات البلد من السرقة والتجاوز على المال العام، وأصبح كل شيء مباحا بفعل سياسات عبثية أوصلت العراق ليكون فيه الفساد علنا تشرعنه قوى السلطة التي جاءت لتسرق وتنهب وتعبث وتدمر وتخرب كل ما هو قانوني ودستوري”.

وكان رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض، أكد السبت الماضي، من محافظة نينوى، أنه: ماضون في تكريس الفصل بين هيئة الحشد والكيانات الأخرى، ونحن بصدد تثبيت الهيكلة النهائية لهيئة الحشد الشعبي.

وقد عد تصريح الفياض، من قبل مراقبين للشأن السياسي والأمني صرحوا لـ”العالم الجديد”، بانه لحسم ملف الفصائل المسلحة، عبر الفصل بينها وبين القوى المنضوية في هيئة الحشد الشعبي، فضلا عن السيطرة على سلاح تلك الفصائل، في خطوات دافعها الأول هو طمأنة واشنطن والمجتمع الدولي، وتقوية الاستثمارات الأجنبية.

ومؤخرا، أثارت تحركات السفيرة الأمريكية في بغداد ألينا رومانسيكي، واجتماعاتها مع رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، والوزراء وزعماء الكتل السياسية، وخاصة قادة كتل الإطار التنسيقي، التساؤلات، ووفقا لتقرير “العالم الجديد” حول هذه التحركات، فقد كشف المتحدثون أن الإدارة الأمريكية سلمت ملف العراق للسفيرة دون تدخل وزارة الخارجية أو الرئيس الأمريكي بشكل مباشر، وذلك ما يضمن لها حرية التحرك ومرونة بإيصال الرسائل، فيما بينوا أن سبب هذه الخطوة هو وضع اشتراطات على السوداني تخص الفصائل المسلحة وكيفية الحد من نفوذها ودورها وسحبها من مناطق سهل نينوى، وبعد أن يتم تنفيذها تعود العلاقة بشكل مباشر مع واشنطن ويتقنن دور السفيرة الحالي.

إقرأ أيضا