اتفاقات العراق والسعودية.. فشل سابق ونجاح لاحق

حملت الدورة الخامسة لمجلس التنسيق العراقي – السعودي، آمالاً بتطبيق مخرجاتها، ففيما أكد مراقبون أن…

حملت الدورة الخامسة لمجلس التنسيق العراقي السعودي، آمالاً في تطبيق مخرجاتها، بفعل الانعكاس الإيجابي للتقارب الأخير بين الرياض وطهران، والذي سيمنع تكرار الاعتراضات السابقة من قبل جهات سياسية، في ظل ارتهان تلك المخرجات بتطوير المنظومة التشريعية التي تساعد بجذب المستثمرين.

ويقول الخبير الاقتصادي عبدالرحمن المشهداني، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “كل الاتفاقيات ومذكرات التفاهم التي تبرم عبر المجلس التنسيقي العراقي السعودي، لم ينفذ منها أي شيء على أرض الواقع، رغم أن هذا المجلس يعقد الجلسات منذ سنوات طويلة، والمشكلة ليست بالجانب السعودي، بل لدى العراق”.

وانطلقت، يوم أمس الخميس، أعمال المجلس التنسيقي العراقي السعودي، بدورته الخامسة في مدينة جدة السعودية، برئاسة وزير التخطيط محمد تميم عن الجانب العراقي، حيث أكد وزير النقل السعودي صالح الجاسر، وجود رغبة جادة وقوية من قبل بلده بتوسيع الشراكات الاستثمارية والاقتصادية في جميع المجالات والدخول إلى العراق بقوة، فضلا عن كشفه مناقشة تعزيز التعاون الدولي في مجال أمن الطيران ومشاركة الجانب العراقي في برنامج أمن الطيران بالشرق الأوسط الذي احتضنته المملكة العربية السعودية.

ويضيف المشهداني، أن “أطرافا سياسية عراقية كانت ترفض الاستثمارات السعودية، بناءً على رؤية سياسية وليست اقتصادية، كما أن الوضع السياسي والأمني كان غير مستقر في العراق، ما عطل تنفيذ الكثير من المشاريع الاقتصادية والاستثمارية خلال السنوات الماضية”.

ويتابع، أن “هناك أملا بتنفيذ جزء من الاتفاقات ومذكرات التفاهم بين الجانبين العراقي والسعودي خلال الفترة المقبلة، لوجود استقرار سياسي وأمني في العراق، وكذلك تراجع بعض الأطراف السياسية العراقية عن مواقفها السابقة، نتيجة للتقارب ما بين الرياض وطهران، ولهذا المرحلة المقبلة سوف تشهد ترجمة ما تم الاتفاق عليه مؤخراً عبر المجلس التنسيقي العراقي – السعودي، على عكس السنوات الماضية”.

وبشأن مشاركة أرامكو السعودية بتطوير حقل عكاز النفطي، يوضح المشهداني، أن “مشاركة أرامكو، أمر مهم جداً من الناحية الاقتصادية، وهو ممكن أن يوفر الغاز للمحطات الكهربائية العراقية التي تعمل على الغاز المستورد، خصوصاً أن الشركة السعودية تعتبر من أكبر الشركات في العالم وعملها في العراق سيسهم بتطور قطاع النفط والغاز”.

وشهدت أعمال الدورة، توقيع 3 مذكرات، الأولى مذكرة تفاهم تخص المجال السياحي، والثانية في مجال الأرشفة والتوثيق بين دائرة الكتب والوثائق الوطنية العراقية ودائرة الملك عبد العزيز، والثالثة في المجال الإخباري بين وكالتي الأنباء العراقية (واع) والسعودية (واس).

كما أعلن وزير النفط حيان عبد الغني، خلال أعمال الدورة، أنه تم الاتفاق مع الجانب السعودي على قيام شركة أرامكو بالاستثمار وتطوير حقل عكاز الغازي بمحافظة الأنبار، والهدف هو الوصول إلى طاقة إنتاجية 400 مقمق (مليون قدم مكعب قياسي باليوم.

ونص البيان الختامي للدورة الخامسة، على: التأكيد على أهمية توسيع آفاق التعاون الثنائي وتعزيزها بما يخدم مصالح البلدين والشعبين الشقيقين في المجالات المختلفة ولاسيما السياسية والأمنية والتجارية والاستثمارية والثقافية والتعليمية والسياحية والطاقة، كما أشار إلى التقدم في عمل الفريق المشترك لتنفيذ مشروع الربط الكهربائي السعودي العراقي بقدرة 1000 ميغاوات وفق مبادئ الاتفاق الموقعة بين الجانبين، فضلا عن التأكيد على أهمية توفير المتطلبات اللازمة لتنفيذ مشاريع الطاقة المتجددة بقدرة 1000ميغاوات.

كما تضمن البيان الختامي: مناقشة تأسيس الشركة السعودية العراقية للاستثمار المملوكة بالكامل لصندوق الاستثمارات العامة، وفرص بناء شراكات استثمارية في العراق، واستعراض مختلف الفرص الاستثمارية في عدد من القطاعات، فضلا عن الإشادة بنمو حجم التجارة البينية بين البلدين الشقيقين حيث بلغ حجم التبادل التجاري 1.5 مليار دولار للعام الماضي، بنسبة ارتفاع 50 بالمئة مقارنة بالعام 2021.

كما تطرق البيان إلى: الإشادة بالتعاون المشترك في مواجهة خطر التطرف والإرهاب بوصفهما تهديداً وجودياً لدول المنطقة والعالم، واتفقا على استمرار دعم جهود العراق بالتعاون مع التحالف الدولي للتصدي للإرهاب والتطرف، كما أكد الجانبان على أهمية التعاون في تأمين الحدود بين البلدين الشقيقين.

يشار إلى أنه في العام 2017، تم تأسيس مجلس التنسيق العراقي السعودي في القمة التي جمعت رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي بالعاهل السعودي، سلمان بن عبد العزيز في الرياض، لوضع خطط تعاون اقتصادية وتجارية وثقافية وتعاون أمني واستخباري بين البلدين، لكن لغاية الآن لم تنجح أغلب المشاريع الاستثمارية السعودية في الداخل العراقي بسبب معارضة علنية من قبل الفصائل المسلحة.

ويرتبط العراق والسعودية بمعبرين بريين، هما معبر عرعر، الذي افتُتِح في العام 2020، بعد إغلاق دام لنحو 29 عاما، مع اندلاع حرب الخليج عام 1991، ويقع هذا المعبر ضمن حدود محافظة الأنبار (غرباً) الحدودية، وهو تجاري وفيه ممرات لعبور المسافرين، أما المعبر الثاني فهو معبر الجميمة من جهة الجنوب، ويقع ضمن امتداد بادية محافظة المثنى، وتاريخيا يعتبر طريق حج رئيسيا كانت دول عدة تستخدمه لعبور قوافل الحجاج إلى السعودية عبر العراق، أبرزها تركيا وإيران.

إلى ذلك، يوضح رئيس المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية غازي فيصل، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “المجلس التنسيقي العراقي – السعودي، يشكل محطة مهمة في تطوير العلاقات الاقتصادية ما بين بغداد والرياض، لرفع معدلات التبادل التجاري وتطوير العلاقات الصناعية والاستثمار بمجال الصناعة ومجال الزراعة والبنى التحتية”.

ويبين فصيل، أنه “منذ البداية، كانت هناك معارضة من قبل الأطراف السياسية العراقية الحليفة لإيران لأي تطور بالعلاقات الاقتصادية والتجارية العراقية – السعودية، وكانت هناك هجمة شديدة لمنع هذا التطور بالعلاقات، واليوم أصبحت البيئة جيدة خصوصاً بعد العلاقات الدبلوماسية بين طهران والرياض، وهذا الأمر قد يسمح لتطور العلاقات الاقتصادية والتجارية العراقية – السعودية خلال المرحلة المقبلة”.

ويلفت إلى أنه “نحتاج وقت طويل من أجل تطوير العلاقات الدبلوماسية الاقتصادية ما بين بغداد والرياض، وهناك زيارات كثيرة للمستثمرين السعوديين والتجار والمسؤولين بالمجالات المختلفة إلى العراق، وهذا تحول مهم لبناء القاعدة الصناعية والزراعية في العراق، وهذا يشكل تحول مهم بنظرة السعودية للعراق، لكن في المقابل نحتاج إلى تطوير القوانين العراقية للانفتاح الاقتصادي والقدرة على استيعاب هذه الاستمارات ومواجهة الفساد المالي والسلاح المنفلت والجماعات المسلحة التي تهدد الاستثمار الأجنبي في العراق”.

يذكر أن وزارة الداخلية، وقعت في شباط فبراير الماضي، مذكرة تفاهم مع وزارة الداخلية السعودية، ووفقا للبيان فهي الأولى من نوعها منذ العام 1983، وقد شملت المذكرة جميع أشكال التعاون الأمني وتبادل الرؤى وتفعيل العمل الأمني المشترك لما يضمن المزيد من الأمن للجانبين العراقي والسعودي.

وكان رئيس أركان الجيش الفريق أول قوات خاصة الركن عبدالأمير الشمري، استقبل أواخر الشهر الماضي، رئيس هيئة الاستخبارات في القوات المسلحة السعودية، اللواء الطيار الركن حسام بن عبدالله بن فهد الدامر، وبحثا أوجه التعاون المشترك بين الجيشين العراقي والسعودي، لاسيما في ما يتعلق بمجال تبادل المعلومات الاستخباراتية التي تسهم في القضاء على الخلايا الإرهابية في العراق والسعودية، فضلاً عن جانب التدريب، بحسب البيان الرسمي، الذي أشار إلى أن اللقاء حضره من الجانب العراقي مدير عام الاستخبارات والأمن ومدير الاستخبارات العسكرية وأمين سر الاستخبارات في رئاسة أركان الجيش.

يذكر أن السعودية، سبق وأن طرحت مشروع استثمار الصحراء الغربية في العراق، الممتدة من الأنبار إلى المثنى، وقد برز للواجهة عام 2020، بعد إصدار الأمانة العامة لمجلس الوزراء قرارا بمنحها 150 ألف دونم من صحراء المثنى من أجل استثمارها كخطوة أولى، ضمن مشروع يمتد لمدة 50 عاما، وهو ما أثار في ذلك الحين ردود أفعال رافضة، أخذت طابعا سياسيا واقتصاديا، وانطوى على تهديد فصائل مسلحة دخلت على الخط، وهددت بإشهار السلاح في حال بدأت السعودية الاستثمار في صحراء العراق.

وقد أثير في حينها موضوع المياه الجوفية، وما قد تتركه زراعة “البرسيم” من آثار سلبية عليها، حيث أشار حينها المدير العام لزراعة المثنى عامر جبار، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، وفي العام 2020 تحديدا، أن هناك عملا متكاملا لهذا الموضوع وهو الاعتماد على السقي بأحدث التقنيات.

يذكر أن سفارة السعودية في بغداد، أعلنت في 1 شباط فبراير 2022، أن اللجنة الزراعية في مجلس التنسيق السعودي العراقي وقعت خلال اجتماعات دورتها الثالثة، مذكرة تفاهم في المجالات الزراعية بين البلدين، وجاء الإعلان عقب زيارة أجراها الأمين العام لمجلس الوزراء حميد الغزي، إلى الرياض في كانون الثاني يناير الماضي، لإبرام اتفاقات وتفاهمات بشأن الطاقة والزراعة.

إقرأ أيضا