لغم يبتر كفه قبل 3 عقود.. “التحالف الدولي” أمام محكمة سفوان بسبب الألغام

بعد مرور 28 عاماً على فقدانه جزءا من جسده بسبب انفجار لغم في محافظة البصرة،…

بعد 28 عاماً على فقدانه جزءا من جسده بسبب انفجار لغم في محافظة البصرة، أقدم محمد العبودي (40 عاما)، على مقاضاة “التحالف الدولي” بقيادة الولايات المتحدة، في محكمة استئناف سفوان (نحو 50 كلم جنوب غربي البصرة)، لتأخذ الدعوى مجراها القانوني الطبيعي.

ويروي العبودي الذي يسكن حاليا في محافظة ذي قار، لـ”العالم الجديد”، ما تعرض له في العام 1995، حيث كان يبلغ من العمر 12 عاما في حينها: “كنت أعمل مع والدي في إحدى مزارع قضاء سفوان، وفي تشرين الأول (أكتوبر) من ذلك العام، وجدت جسما غريبا صغيرا لا يتجاوز حجمه سنتيمترات، وما إن أمسكته بيدي حتى انفجر مباشرة”. 

وتعود هذه المخلفات الحربية والألغام إلى فترة حرب الخليج الثانية التي قادها التحالف الدولي ضد العراق في العام 1991، عقب اجتياح النظام السابق للكويت.

وخاض العراق خلال فترة حكم صدام حسين، حروباً عدة أولها مع ايران، إذ امتدت لثماني سنوات وهي أطول حرب شهدها القرن العشرين، وعرفت بـ”حرب الخليج الأولى”، ثم في العام 1991 حين تدخل تحالف دولي مكون من 32 دولة بقيادة الولايات المتحدة، لتحرير الكويت، وتعرّض العراق خلالها إلى قصف مكثف لإجباره على الانسحاب من الدولة الجارة، ومن ثم في العام 2003، عادت الولايات المتحدة وقادت تحالفا دوليا جديدا لإسقاط نظام صدام حسين، وكل هذه الحروب تركت كما هائلا من القنابل والصواريخ والألغام على الأرض، وما تزال غير منفلقة، وأدت طيلة هذه السنوات لمقتل وإصابة آلاف المواطنين.

ويكمل، حكايته بالقول “نقلت في وقتها للمستشفى وقرر الأطباء بتر كف يدي اليمنى، وإخراج الشظايا من جسمي، إذ تعرضت لـ15 إصابة أخرى، الأمر الذي أثر على حياتي بشكل كامل”، لافتا “بعد كل هذه السنوات، قررت رفع دعوى قضائية ضد قوات التحالف الدولي، في محكمة سفوان بالبصرة، بهدف تعويضي واسترجاع حقي المهدور”.

لم يكن محمد العبودي، الوحيد في عائلته، ففي ذات العام الذي أصيب به قبل 28 عاما، فقد اثنان من أقاربه حياتيهما جراء انفجار قنبلة عنقودية بمنطقة الجبيلة جنوبي الناصرية، عندما كانوا يرعون مواشيهم، حيث تفحمت أجسادهم في حينها بالكامل. 

يشار إلى أن المساحة الملوثة بالألغام في العراق، كانت تبلغ 6 آلاف كيلومتر مربع، وانخفضت بفعل المسح والإزالة إلى 2700 كيلومتر مربع، فيما تتركز الألغام في محافظتي البصرة والمثنى.

يذكر أن المدير الأقدم لبرنامج العراق في دائرة الأمم المتحدة للإجراءات المتعلقة بالألغام يونيماس UNMASS بيير لودهامر، أعلن العام الماضي، أن المساحة الملوثة بألغام داعش تمتد عبر أكثر من 1500 منطقة في مدن العراق المحررة من سيطرة التنظيم، فيما أشار إلى أن التمويل الذي يعتمد على المانحين بدأ يتناقص شيئا فشيئا، لوجود أولويات وحروب في أماكن أخرى من العالم، فضلا عن أن الممولين ينظرون للعراق كبلد غني يمكنه تمويل مشاريعه بنفسه.

ذي قار واحدة من المحافظات الجنوبية وهي البصرة وميسان والمثنى، التي كانت مسرحا لتلك الحروب وبادية الناصرية الجنوبية أصبحت مكانا للمخلفات الحربية غير المنفلقة، وهنا يقول رئيس المركز الإقليمي لشؤون مكافحة الألغام في جنوبي العراق نبراس فاخر في حديث لـ”العالم الجديد”، إن “المساحة الملوثة في ذي قار تجاوزت الـ98 مليون متر مربع، أي بواقع 110 مناطق خطرة تشمل القنابل العنقودية ومخلفات الجيش السابق وصواريخ الطائرات”.

ويوضح فاخر، أن “الكوادر البيئية وبالتنسيق مع فرق الدفاع المدني تعمل بين فترة وأخرى على تطهير مجموعة من هذه المساحات بدعم ذاتي”، كاشفا أن “محافظة البصرة هي الأكثر تلوثا بتلك المخلفات إذ بلغت المساحة الملوثة مليارا و238 مليون متر مربع، وتليها المثنى 131 مليونا و647 ألف مربع، ومن بعدها ذي قار 98 مليون متر مربع، وثم ميسان 80 مليون متر مربع، وهذه الأرقام وفقا لأحدث إحصائية أعدت نهاية 2022”.

ويكمل رئيس المركز، أن “هذه المخلفات تسببت منذ عام 2003 وحتى نهاية 2022 بمقتل وإصابة 19 ألف شخص، وأغلبهم من سكان البادية أو ممن يذهبون للتنزه وجني الثمار البرية، مثل الكمأ”.

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسف”، أفادت بأن مخلفات الحروب تسببت بمقتل وإصابة 16 طفلا في العراق خلال شهر شباط فبراير 2022.

يشار إلى أن المساحة الملوثة في ذي قار، تفوق مساحة مركز المحافظة البالغة 82 مليون متر مربع بنسبة 16 بالمئة.

من جانبه، يقول مدير الدفاع المدني في ذي قار العميد صلاح جبار، خلال حديث مقتضب لـ”العالم الجديد”، إن “عمليات مكافحة الألغام والمخلفات الحربية والمقذوفات غير المنفلقة يتم بجهد ذاتي للدائرة، وبلغت الكميات التي تمت إزالتها منذ عام 2003 وحتى بداية نيسان 2023، أكثر من 278 ألف مقذوف حربي وجميعها تتمركز في بادية جنوب المحافظة، وشملت هذه المخلفات صواريخ وألغاما وقنابل عنقودية”.

يذكر أن مسؤولا حكوميا كشف سابقا لـ”العالم الجديد” عن توجه دولي لإزالة الألغام من قضاء شط العرب في محافظة البصرة، بالتعاون مع بعثة أوروبية لاستهداف نحو 12.5 كيلومترا، بضمنها مساكن ومزارع، وهذا إلى جانب تأكيده على أن المساحة الملوثة بالألغام في بادية المثنى تبلغ 117 كيلومترا مربعا فقط.

جدير بالذكر، أن بادية المثنى، التي تعد من أكثر المناطق تلوثا بالألغام، والتي هي عبارة عن قنابل عنقودية غير منفلقة، تسببت بقتل 1600 شخص وإصابة الآلاف خلال الـ31 عاما الماضية، وفقا لمسؤول في المحافظة.

إلى ذلك، يؤكد مسؤول منظمة البصرة لمكافحة الألغام زاهر عبد الحسين، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “الحكومة الاتحادية تنتظر دور الدول المانحة في رصد المبالغ المالية لإزالة هذه المخلفات، في وقت تعادل موازنات العراق موازنات دول أخرى، فمن غير المعقول أن تقوم الدول المانحة بإعطاء مبالغ لدولة ميزانيتها السنوية بهذا الحجم، بالإضافة إلى ذلك، فإن ملف المخلفات الحربية يتطلب جهدا خاصا ويكون عبر تشكيل هيئة مستقلة تمتلك صلاحيات واسعة وتمنح موازنة مالية تضاهي المؤسسات الكبيرة لغرض التخلص من الموت الذي يهدد حياة آلاف المواطنين”.

ويضع مسؤول المنظمة مقارنة بين دور الحكومة العراقية في مناطق الوسط والجنوب في هذا الجانب وبين إقليم كردستان، حيث يوضح أن “الإقليم تمكن من تطهير 98 بالمئة من أراضيه الملوثة، لكن في المحافظات الأخرى لا توجد سوى أربع منظمات تعمل بهذا المجال، والسبب هو الروتين المعقد في منح التراخيص، فيما يبلغ عدد المنظمات الدولية والمحلية في كردستان 28 منظمة”.

جدير بالذكر، أن المسؤول في قوات البيشمركة وعضو المكتب السياسي في الاتحاد الوطني الكردستاني، محمود سنكاوي، أعلن أواخر العام الماضي، أن تنظيم داعش زرع قنابل في العراق ستبقى تنفجر لغاية نصف قرن آخر، وذلك تعليقا على حادثة انفجار عبوات ناسفة على قوات تابعة للبيشمركة آنذاك.

إقرأ أيضا