“طريق التنمية الدولي”.. حقائق “صادمة” تهدده في مهده

طريق التنمية مجددا، وبالتزامن مع مؤتمره الذي ترعاه بغداد غدا السبت، تكشف “العالم الجديد”، عن…

تستضيف بغداد غدا السبت، مؤتمر طريق التنمية الدولي، الذي بشرت به الحكومة، لتغيير منظومة النقل العالمي، دون التطرق للعقبات الحقيقية التي تواجهه، وإذ كشفت “العالم الجديد” عبر تقرير سابق لها عن التحديات الجسيمة التي تعترضه، فإنها تعرض لمعلومات “صادمة” يكشفها مصدر مسؤول ومختصون بالنقل الدولي، قد تجهض المشروع “الاستراتيجي” في مهده، أبرزها اصطدامه بشروط إقليم كردستان، وارتفاع مطالب سوريا كخط بديل، فضلا عن حقيقة الشركة الإيطالية المنفذة، في ظل عدم إشراك شركات التصدير الكبرى التي تسيطر على خريطة التجارة العالمية بعيدا عن الحكومات.

ويقول مصدر مسؤول في وزارة النقل، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “طريق التنمية، الذي يسعى العراق لتنفيذه ودعا وزراء نقل دول عدة لمؤتمر خاص سيعقد يوم غد، ينطوي على إشكالات كبيرة تعيق البدء به من الأساس”.

ويضيف المصدر، الذي رفض الكشف عن اسمه، أن “هناك أسبابا محددة تعيق المشروع، منها عدم وجود خطة سكك لتركيا مع الحدود العراقية، وهذا الأمر مرتبط بمخاوف تركيا الأمنية من هذه المنطقة”، مبينا أنه “حتى لو وافقت تركيا وأوصلت شبكة سكك للحدود العراقية، فإن إقليم كردستان رفض مد شبكة سكك عبر دهوك، وصولا للحدود التركية”.

ويوضح، أن “شبكة السكك يجب أن تمر بمسافة 4 كيلومترات، عبر دهوك قادمة من الموصل، وهذا ما رفضه الإقليم، لأنه يؤثر على معبر إبراهيم الخليل، ويقضي على فائدته الاقتصادية التي تعود للإقليم”.

ويتابع، أن “المسار الثاني للخط، سيكون عبر الموصل ثم ربيعة ومنها لسوريا، ومنها لتركيا، لكن العائق الكبير أمام هذا المسار البديل، هو شروط دمشق التي طالبت مؤخرا بأجور ترانزيت عالية جدا عن مرور القطارات في أراضيها، وحددتها بـ7 يورو لكل طن من البضائع أي ما يعادل نحو 8 دولارات، مع أن سعر النقل السككي العالمي لا يتجاوز 3 دولارات، وفي حال استحصلت سوريا هذا المبلغ، سيكون المشروع خاسرا للعراق بالكامل”.

ومن المفترض، أن يعقد في بغداد، يوم غد السبت مؤتمر طريق التنمية، بمشاركة وزراء نقل 10 دول، وهي: السعودية، تركيا، سوريا، الأردن، الكويت، قطر، الإمارات، عمان، قطر، إيران والبحرين.

ومنذ فترة يجري الترويج لطريق التنمية، المكون من شبكة سكك حديد، تربط البصرة بتركيا، خاصة لنقل البضائع.

وكان المدير العام للشركة العامة لسكك الحديد يونس خالد، أكد في 15 أيار مايو الحالي، أن مشروع طريق التنمية يمثل حلم العراق، وهو مكمل لمشروع ميناء الفاو الكبير، وسيكون المشروع الأكبر على مستوى العراق، وسيمر الخط السككي بـ10 محافظات عراقية، كما أنه سيتحول إلى ممر من العراق إلى الأسواق الأوروبية، وأن حجم الإيرادات من طريق التنمية ستلامس الـ 5 مليارات دولار سنوياً.

كما أكد رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، الأسبوع الماضي، خلال مقال له: بدأنا العمل على مشروع طريق التنمية الاستراتيجي لربط ميناء الفاو مع الحدود التركية ومنها إلى أوروبا.

وكانت “العالم الحديد”، كشفت في تقرير سابق، عن وجود أخطاء استراتيجية بهذا المشروع، بحسب متخصصين في مجال النقل والاقتصاد الدوليين، أبرزها وجود خط سكك حديد يربط الموصل بالبصرة تمت المباشرة به منذ العام 2007، ولا يختلف مساره أو طاقته الاستيعابية عن الخط المزمع إنشاؤه، إلى جانب إشكالية فقدان البلاد لتقديم الضمان للشركات والدول التي ستستخدم الطريق الجديد.

خفايا وأخطاء استراتيجية.. هل يهدر “طريق التنمية” المال العام؟

وفي تموز يوليو 2019، أعلن وزير النقل السابق، عبد الله لعيبي، عزم بغداد ربط البلاد بسكك حديد مع تركيا، مبيناً أن “كل عملية ربط بين دول تخضع لمعيارين، الأول هو الجدوى الاقتصادية، والثاني الاعتبارات السياسية”.

إلى ذلك، يؤكد الباحث المتخصص بالنقل والاقتصاد الدولي زياد الهاشمي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “هذا المشروع ينطوي على خطأ استراتيجي منذ البداية، فالشركة الإيطالية التي تم الاتفاق معها، هي مختصة بالمصافي، وليس النقل، ومنحت الإحالة بشكل مباشر دون عطاءات، وقدمت دراستها بناءً على ما أرادت الحكومة أن تسمعه، وهو أن الطريق إيجابي”.

ويضيف الهاشمي، أن “الدراسة تفتقر لتوضيح حاجة سوق النقل، أو مفاتحة الدول والشركات التي ستستخدم الطريق، وهذه كارثة”، مضيفا أن “الحكومة لم تطرح الأمر على إقليم كردستان مثلا أو سوريا، فما جرى هو الإعلان عنه والترويج له بشكل كبير، دون أن تتم معرفة كيف سيستخدم ومن سيستخدمه، وهذا يعد هدرا للمال العام، فكيف تتم المجازفة بـ18 مليار دولار بهذا الشكل”.

ويبين، أن “مستشاري رئيس الحكومة، يجب أن يدرسوا المعوقات والسلبيات قبل الإيجابيات، فهذا عملهم الأول، لكن ما جرى هو ترويج للإيجابيات فقط، والحديث بالمشروع من قبل أشخاص غير متخصصين أساسا”، لافتا إلى أن “المشروع ينطوي على صعوبات كبيرة”.

ويوضح الهاشمي الصعوبات بالقول، إن “منطقة الإقليم الحدودية، وعرة وجبلية، وشبكة السكك بحاحة لأرض مستوية قدر الإمكان، وإذا وافق الإقليم وتم حسم الموضوع معه لمد الشبكة، فهناك احتمال بأن يتغير المسار عبر أنفاق أو غيرها، وهذه ستزيد من التكلفة، كما ستزيد من كلفة التأمين لأن المنطقة خطرة على البضائع، وهذه جميعها كان يجب أن تأخذ بالحسبان، لكنها لم تدرس ولم يصل أي وفد لهذه المنطقة الحدودية”.

ويشير إلى أن “سوق النقل العالمية تشهد تنافسا حادا، فإنشاء شبكة سكك لوحده غير كاف، بل يجب أن يدرس تسويق البضائع وكيف يتم التخاطب مع تجار وموردين، وهؤلاء من تتنافس عليهم الدول وشركات النقل الكبرى”.

ويلفت إلى أن “العراق منعزل عن النقل الدولي، منذ 90 عاما، وهو الآن يريد لعب دور مهم عبر ميناء الفاو والقناة الجافة، لكن منظومة النقل الدولي تصنف موانئ العراق على أنها فرعية وداخلية وليست محورية، وهذه أزمة، ولا يمكن أن يتغير هذا التصنيف بسهولة ولمجرد خطاب لرئيس الحكومة”.

وحول المؤتمر الذي سيعقد غدا في بغداد، يشير إلى أن “وزراء النقل في كل الدول حاليا لا يملكون سلطة على التجار، فالأمر بات مرهونا بالقطاع الخاص وليس كما كان في ثمانينيات القرن الماضي، وبالتالي فإن المؤتمر لن يؤثر ولن يساهم بدعم الطريق، وستكون الخسارة كبيرة على العراق، إذا لم يستخدم الطريق المزعوم من قبل الشركات الكبرى”.

يذكر أنه بحسب تقرير مفصل نشرته “العالم الجديد” في 25 تموز يوليو 2020، فإن ميناء الفاو سيكون نقطة الربط بين شرق آسيا وبين أوروبا، وسيحول العراق إلى ممر للبضائع، تبدأ من ميناء الفاو وتمر بريا عبر خطوط حديثة إلى تركيا ومنها إلى أوروبا، ما يختصر الفترة الزمنية لنقل البضائع إلى ساعات، بدلا من 20 يوما تقريبا عبر قناة السويس، وهي الممر الحالي الرابط بين شرق آسيا وأوروبا.

وما يزال العمل جاريا في “ميناء الفاو الكبير”، من قبل الشركة الكورية “دايو”، بعد أن حصلت على العقد، عقب لغط كبير بسبب منافستها من قبل شركة أخرى صينية بين منحها العقد أو للشركة الصينية المنافسة في العام 2020.

من جانبه، يؤكد عضو الحزب الديمقراطي الكردستاني، وفاء محمد كريم، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أنه “لا يمكن القبول بسحب سلطة الإقليم من المنطقة الحدودية مع تركيا، فهذه المنطقة خاضعة للإقليم، لذا يجب أن يكون هذا الممر السككي خاضعا للإقليم، وبخلاف ذلك لا يمكن القبول به”.

ويتابع كريم، أن “المنافذ الحدودية مع تركيا خاضعة للإقليم، لذا أي ممر يجب أن يكون تحت إشراف الإقليم ويتحصل منه واردات مالية”، كاشفا أن “مفاوضات جديدة سوف تنطلق خلال الفترة المقبلة ما بين بغداد وأربيل، من أجل حسم مصير الطريق السككي التجاري الذي يعبر لتركيا عبر مناطق نفوذ إقليم كردستان”.

ويتابع أن “المفاوضات تهدف لضمان إشراف الإقليم على هذا الممر، وكذلك تكون هناك إيرادات مالية له، لأنه يمر بأراضي الإقليم، وهذا الأمر دستوري وقانوني”.

وكانت إدارة الشركة العامة لسكك حديد العراق، أعلنت في العام 2021، عن إجرائها لقاء مع وفد شركة (يابي مركزي) التركية لمناقشة الربط إلى تركيا عبر القناة الجافة إضافة الى إمكانياتها برفع كفاءة الخطوط الفرعية والرئيسية بتأهيلها ضمن المواصفات العالمية لزيادة وتأمين انسيابية سير قطارات المسافرين والبضائع.

إقرأ أيضا