“إدارة الدولة” يحتضر.. تعديلات الموازنة تراجع عن اتفاق أربيل أم “تحجيم” للسوداني؟

كشف الجدل حول الموازنة، عن خلافات عميقة داخل الإطار التنسيقي، كانت السبب بإثارة حفيظة الحزب…

كشف الجدل الدائر حول الموازنة، عن خلافات عميقة تنذر بتفتت ائتلاف إدارة الدولة، الذي شكل الحكومة الحالية، ما جعل مراقبين، يشبهونه بلحظة “احتضار سياسي”، في ظل إصرار أطراف داخل الإطار التنسيقي على تمرير الموازنة العامة بتعديلاتها الأخيرة التي أثارت حفيظة الحزب الديمقراطي الكردستاني، وتلويح الأخير بالانسحاب من الائتلاف، الأمر الذي فسره المراقبون بأنه محاولة من قبل أطراف بـ”الإطار” لإفشال التفاهمات السياسية لرئيس الحكومة محمد شياع السوداني، بهدف الحد من طموحاته السياسية، وهو ما نفاه المتهمون داخل الإطار أنفسهم.

ويقول القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني وفاء محمد كريم، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “قانون الموازنة لا يمكن أن يُمرر دون وجود اتفاق سياسي مسبق على التمرير، وبعد تعديل الفقرات الخاصة بإقليم كردستان، بل ستكون هناك مقاطعة لأي جلسة للتصويت على الموازنة من قبل حزبنا وحلفائه من القوى السياسية السنية وحتى الشيعية ضمن الإطار التنسيقي”.

ويتهم كريم، أطرافاً سياسية داخل الإطار التنسيقي، بـ”عدم رغبتها في رؤية أي حلول حقيقية بين بغداد وأربيل، ولذا فهي تعمل على عرقلة أي اتفاق، خصوصاً بعد الحوارات والمفاوضات الناجحة، التي جرت خلال الفترات الماضية ما بين حكومتي الإقليم والمركز، فعدم احترام الاتفاقات الموقعة بين الزعماء والقيادات السياسية التي تم تشكيل الحكومة على أساسها قد يدفعنا إلى اتخاذ مواقف سياسية في المرحلة المقبلة”.

وكانت اللجنة المالية النيابية، قد صوتت في 25 أيار مايو الحالي، على تعديل المواد 13 و14 من قانون الموازنة، الخاصة بإقليم كردستان، ونص التعديل على: تسوية المستحقات المالية بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم للسنوات من 2004- 2022، والتزام الأخير بتصدير النفط الخام المصدر من حقولها بمعدل 400 ألف برميل يومياً على الأقل، وذلك عن طريق شركة تسويق النفط التابعة لوزارة النفط الاتحادية، فضلا عن إلزام وزارة المالية الاتحادية بتسديد مستحقات الإقليم بموجب أحكام هذا القانون شهرياً حسب الجداول المرفقة به بعد قيام الإقليم بتنفيذ الفقرات السابقة.

وتضمنت التعديلات، قيام وزارة المالية الاتحادية بإيداع إيرادات النفط المنتج من حقول الإقليم في حساب مصرفي يفتح لدى البنك المركزي العراقي على أن تودع فيه جميع الإيرادات المتأتية من تصدير وبيع النفط الخام أو مشتقاته من دون أي استقطاعات لأي غرض، فضلا عن إلزام حكومة الإقليم بإضافة 10 بالمئة شهرياً من المبالغ المدخرة لموظفي الإقليم للسنوات السابقة على الرواتب المصروفة ولحين تسديد كامل الاستقطاعات المطلوبة.

وكان رئيس إقليم كردستان نجيرفان بارزاني، قد عبر يوم أمس، عن رفضه وقلقه العميق من التغييرات التي مست فقرات مشروع قانون الموازنة العامة، مشددا على ضرورة “الالتزام بالاتفاقية السياسية لائتلاف إدارة الدولة، كونه الخطوة الصحيحة باتجاه التفاهم والحفاظ على مصلحة العراق.

وجاء بيان بارزاني، بعد أن انتقد رئيس حكومة الإقليم مسرور بارزاني، عبر تغريدة بموقع تويتر، التعديلات قائلا “أدخلت مجموعة في اللجنة المالية بمجلس النواب العراقي تغييرات على مشروع الموازنة الاتحادية، منتهكة بذلك اتفاقية مسبقة أبرمناها مع دولة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني وحكومته.. الاتفاقية هي حجر الأساس للتعاون بين أربيل وبغداد وعلى جميع الأطراف احترام بنودها”.

وكانت حكومة إقليم كردستان، اتهمت الأربعاء الماضي، في بيان رسمي، عددا من أعضاء اللجنة المالية في مجلس النواب، بالسعي لتعديل المادتين 13 و14 الخاصتين بحصة الإقليم من الموازنة، مشددة على ضرورة الالتزام ببنود الاتفاق الموقع مع الحكومة الاتحادية في الرابع من نيسان أبريل الماضي، في ظل تأكيد حكومة الإقليم على تنفيذ جميع التزاماتها.

جدير بالذكر أن رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، أعلن منتصف آذار مارس الماضي، عن التوصل لاتفاق شامل للقضايا العالقة بين بغداد وأربيل، ولأول مرة يتم إيداع الإيرادات الكلية للنفط المنتج في الإقليم بحساب مصرفي موحد يخضع للإدارة الاتحادية، كما أشار إلى أن التفاهمات بين بغداد وأربيل كانت بنقاط واضحة، وفي حال وجود أي خلافات بين بغداد وأربيل هناك لجنة ترفع توصياتها إلى رئيس الوزراء الاتحادي، وأن هذه التفاهمات بين بغداد وأربيل تؤكد مضي الطرفين نحو إقرار قانون النفط والغاز.

يذكر أن النائب الثاني لرئيس مجلس النواب شاخوان عبدالله، طالب يوم أمس، بتعليق عمل اللجنة المالية وإيقاف عضو فيها، عده زائدا عن العدد المقرر وهو 23 عضوا، وهذا العضو هو الرقم 24، في إشارة إلى النائب يوسف الكلابي.

فيما رد الكلابي، عبر مقطع فيديو على طلب عبدالله، وأكد فيه أن قرار بقائه في اللجنة من عدمه، مرهون بقرار رئيسها عطوان العطواني.

الكلابي وفي تصريح لـ”العالم الجديد”، يقول إن “جميع الأحزاب في إقليم كردستان ساندت التعديلات التي أجرتها اللجنة المالية، على البنود الخاصة بالإقليم، باستثناء الحزب الديمقراطي الكردستاني، هو الوحيد الذي كان ضد تلك التعديلات”.

وينسجم القيادي في تيار الحكمة المنضوي بالإطار التنسيقي، حسن فدعم، مع رأي زميله الكلابي، بشأن “تفرد ممثلي الحزب الديمقراطي الكردستاني بالاعتراض دون غيرهم من النواب الكرد”، مؤكدا أن “ممثلي الاتحاد الوطني الكردستاني، والجيل الجديد، والكتل الكردية الأخرى، شاركوا بالتصويت على فقرات الموازنة وتعديلها، بما في ذلك الخاصة بإقليم كردستان”.

ويتابع فدعم، “لا يمكن اختزال رأي المكون الكردي بالحزب الديمقراطي الكردستاني فقط، ومقاطعته لاجتماعات اللجنة المالية البرلمانية لن يؤثر على قضية تماسك ائتلاف إدارة الدولة أو تمرير الموازنة خلال الأسبوع الحالي، إذ لا يمكن القبول بأي اتفاق سياسي يخرق الدستور والقانون والعدالة في توزيع الثروات وإلا سيكون باطلا”.

وبشأن وجود اتفاق سياسي ملزم لجميع الأطراف، يؤكد الكلابي، أن “ما جرى بين رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني ورئيس الحكومة محمد شياع السوداني هو ليس اتفاقية، إذ لم تعرض على النواب لغرض التصويت عليها، بل إن ما جرى هو مباحثات بينهما، وهذه غير ملزمة لنا”.

ويوضح، أن “الاتفاق بين السوداني وبارزاني كان غير واضح، وفيه مشاكل، لذا عمدت اللجنة إلى إجراء التعديلات التي تراها مناسبة، وهذا من واجبنا كنواب، وإلا ما الداعي لإرسالها إلى البرلمان”، متسائلا “إذا كانت اللجنة قد أجرت العديد من التعديلات، منذ شهر ونصف، فلماذا عندما تطرقنا لمواد الإقليم حدثت هذه الضجة”.

جدير بالذكر، أن ائتلاف إدارة الدولة، وعند تشكيله في أيلول سبتمبر من العام الماضي، شهد توقيع وثيقة بين الإطار التنسيقي والاتحاد الوطني الكردستاني من جهة، ومع الحزب الديمقراطي الكردستاني وتحالف السيادة من جهة أخرى، وتضمنت مطالب الطرفين الأخيرين، لغرض تنفيذها من قبل الحكومة التي يشكلها الإطار، بغرض تمريرها في تشرين الأول أكتوبر الماضي، برئاسة محمد شياع السوداني.

إلى ذلك، يعتقد رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “التصادم الذي جرى بين أطراف داخل الإطار التنسيقي مع الحزب الديمقراطي الكردستاني، يؤشر إلى انهيار الاتفاقات السياسية ويدفع باتجاه وجود اصطفافات سياسية جديدة، كما أن تقاسم السلطة لم يكن كافيا لهذه الأطراف لتمضي بتشريع قانون الموازنة”.

ويشير الشمري، إلى أن “الخلاف الجديد حول الموازنة، وعدم تنفيذ الاتفاقات السياسية يؤشر وجود تمرد على اتفاقات رئيس الوزراء محمد شياع السوداني من داخل منظومته السياسية (الإطار التنسيقي)، وهذا الأمر يهدف إلى تحجيم السوداني بشكل كبير جداً واتفاقاته السياسية”.

وينوه إلى أن “الموازنة ستمرّ في النهاية، حتى لو لم تكن هناك تسوية سياسية مع الحزب الديمقراطي الكردستاني، على أن هناك حاجة فعلية لهذا القانون”.

ويستدرك رئيس مركز التفكير السياسي، “لكن ستكون هناك تداعيات كبيرة إذا ما تم تمرير الموازنة دون موافقة الديمقراطي الكردستاني، حيث سيكون له تأثير على ائتلاف إدارة الدولة، الذي يعاني من خلافات داخلية كبيرة”، لافتا “نشهد حاليا لحظة الاحتضار السياسي لائتلاف إدارة الدولة ونهاية لمرحلة الاتفاقات السياسية”.

عضو اللجنة المالية يوسف الكلابي، يؤكد في حديثه لـ”العالم الجديد”، قرب تمرير الموازنة كما يشير الشمري، مؤكدا أن “النسخة التي صوتت عليها اللجنة المالية، ستقدم لرئاسة المجلس، ويتم التصويت عليها”.

لكن الكلابي في الوقت ذاته، يرد على الحديث حول توجّه الإطار لإحراج السوداني وإفشال اتفاقياته للحد من دوره المتعاظم، قائلا “نحن داعمون للسوداني، وما جرى لا علاقة له بالشأن السياسي أو سحب الدعم عنه، بل هو أمر من واجبنا ودورنا التشريعي ولا يتعارض هذا مع دعمنا لرئيس الحكومة”.

ويبرر القيادي بالإطار التنسيقي حسن فدعم، ما قامت به اللجنة المالية النيابية، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، بأن “اللجنة عملت على تعديل فقرات قانون الموازنة بعد أن وردتها من الحكومة، عملا بوظيفتها لأها بخلاف ذلك لن تكون هناك فائدة من إرسال قانون الموازنة إلى البرلمان من الأصل”.

ويؤكد فدعم، أن “اللجنة أدت دورها القانوني والدستوري والرقابي في تعديل فقرات قانون الموازنة، بعد اجتماعات لأيام طويلة تم خلالها استضافة الوزراء والمحافظين ومسؤولين كثيرين وهذا كله من أجل تحقيق العدالة داخل الموازنة”.

وعقب تصويت اللجنة المالية، على تعديلات هذه البنود، نشر عضو اللجنة النائب مصطفى سند، تغريدة أكد فيها: اللجنة المالية تصوت على تعديل الفقرات المتعلقة بالإقليم وتلزمه بتسليم النفط إلى سومو لتصديره أو تسليمه محلياً في حال عدم القدرة على تصديره، كذلك فتح الحساب يكون حصرياً من قبل وزير المالية، كما تم تضمين شروط صرف المستحقات مرهونا بالالتزام، وهذا جرى بانسحاب ممثلي البارتي من الاجتماع.

ثم شرح في تغريدة لاحقة: كنائب عن الجنوب، أتمنى عدم تنفيذ اتفاق بغداد- أربيل، فما تجنيه خزينة الدولة (نفط +المنافذ) من الاتفاق حوالي 15 ترليون دينار، في حال افترضنا أن الإقليم يصدر بدون توقف (التصدير متوقف منذ شهرين)، أما ما تنفقه الخزينة للإقليم 24 ترليون دينار، وتعني 9 ترليونات دينار فارق على الخزينة.

إقرأ أيضا