السوق العراقية.. “الجشع” يحكمها والدولة غائبة

رغم استقرار سعر صرف الدولار بشكل نسبي، بعد انخفاضه وعودة مبيعات البنك المركزي لطبيعتها، ما…

رغم استقرار سعر صرف الدولار بشكل نسبي ما تزال السوق العراقية تعاني من ارتفاع الأسعار الذي بدأ قبل أشهر، ووفقا لتجار وأصحاب محال، فإن الأمر مرتبط بـ”الجشع” وقضية الاستيراد بالأسعار المرتفعة، وهو ما دفع خبيرا اقتصاديا إلى المطالبة بتشديد رقابة الدولة على السوق ووضع الضوابط للأسعار.

ويقول محمد عدنان صاحب أحد محال الجملة في العاصمة، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “أحد أسباب بقاء الأسعار مرتفعة بعد انخفاض سعر صرف الدولار هو أن البائعين غالبيتهم اشتروا بأسعار مرتفعة ولهذا السبب ما يزالون متمسكين بهذه الأسعار لغاية تصريف بضاعتهم”.

ويضيف عدنان، أن “السبب الآخر يرجع إلى جشع التجار والمستوردين الذين يقودون السوق ويضعون الأسعار وفق ما يريدون وكأن شيئاً لم يحصل من أجل زيادة مكاسبهم وأرباحهم”، لافتا إلى أن “من السلع الغذائية الأساسية التي ارتفعت ولم تنخفض أسعارها السكر والزيت، حيث كانت قيمتها السعرية تتراوح بين الـ26 أو 25 ألفا أما الآن فسعرها يصل إلى أكثر من 30 ألفاً”.

وتعرضت السوق العراقية، إلى شلل تام بسبب ارتفاع سعر الدولار، وبكافة المجالات الغذائية والإنشائية بسبب الارتفاع الذي طرأ على الأسعار بشكل كبير ووصل إلى 25 بالمئة.

وكانت السوق العراقية قد شهدت ارتفاعا كبيرا خلال العامين الماضيين، المرة الأولى بعد تغيير سعر صرف الدينار أمام الدولار مطلع العام 2021، وهو ما تسبب برفع الأسعار نظرا لأنها جميعها مستوردة، وحتى المحلية منها فإن موادها الأولية مستوردة، والموجة الثانية للارتفاع جرت بعد الحرب الروسية- الأوكرانية، التي تسببت برفع الأسعار بشكل عالمي، خاصة بعد توجه العديد من الدول لمنع تصدير المواد الغذائية.

 وخلال الأيام الماضية، عاد سعر الدولار في السوق المحلية إلى الارتفاع لنحو 148 ألف دينار لكل مائة دولار، بعد أن استقر في الأسابيع الماضية عند 144 ألف دينار لكل مائة دولار.

من جانبه، يرى حسن الساعدي وهو أحد بائعي المفرد، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “استمرار ارتفاع بعض الأسعار بالنسبة للمواد الغذائية حتى بعد استقرار الدولار يعود إلى أن التجار استمروا على رفع أسعار البضائع، حيث أن أسعار بعض الحلويات كانت تباع بـ250 دينارا، أما الآن فنحن نشتريها من الجملة بهذا المبلغ بالتالي نضطر إلى بيعها بسعر أعلى”.

ويضيف الساعدي، أن “أسواق الجملة تفتقر إلى الرقابة الحقيقية وهو ما يتيح للتجار التلاعب بالأسعار وفق ما يحقق لهم أرباحا أكثر، كما أن الارتفاع لم يكن من نصيب الحلويات فقط، بل أيضا شمل البقوليات والشاي، وبالنسبة للدجاج فقد كان بسعر 5 آلاف أو أكثر بقليل أما الآن فسعر الدجاجة يتجاوز الـ7 آلاف دينار”.

جدير بالذكر، أن متخصصين بالاقتصاد، طالبوا في تقارير سابقة لـ”العالم الجديد”، بتفعيل “الأمن الاقتصادي”، واصفين توجه الحكومة بإيكال مهمة مراقبة الأسعار إلى الأجهزة الاستخبارية بـ”التخبط”، وسط إشارة إلى صعوبة الأمر بسبب العلاقات التي تربط بعض التجار بكتل سياسية.

وكان رئيس مجموعة البنك الدولي ديفيد مالباس حذر في تشرين الأول أكتوبر الماضي، من أخطار التضخم وتباطؤ النمو الاقتصادي وانخفاض الإنتاجية واستنزاف إمدادات الطاقة العالمية وارتفاع أسعار الفائدة على البلدان النامية، متوقعا أن تستمر تلك الأخطار إلى ما بعد عام 2023. ورجح أن تسير الأمور في البلدان النامية من سيئ إلى أسوأ حتى لو استقرت أوضاع الاقتصادات المتقدمة، وشبه أخطار العالم النامي بـ”الانتكاسة”.

ومنذ أشهر، تدخلت واشنطن للحد من تهريب الدولار من العراق، ما أدى إلى ارتفاع سعر الدولار في السوق المحلية لمستوى قياسي بلغ 170 ألف دينار لكل مائة دولار، بسبب تراجع مبيعات البنك المركزي من الدولار، نظرا لخضوعه لنظام “سويفت” المالي الدولي.

إلى ذلك، يوضح الباحث في الشـأن الاقتصادي، جليل اللامي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “تذبذب سعر صرف الدولار الأمريكي إزاء الدينار العراقي سبب اضطرابا في الحركة التجارية بالأسواق المحلية، مما تسبب في ارتفاع أسعار المواد الغذائية والاستهلاكية”.

ويضيف اللامي أن “تجار الجملة والسوق السوداء يتحينون الفرص في ظل عدم وجود رقابة حكومية على الأسواق لرفع الأسعار، وهذا الارتفاع سيؤثر على المواطنين وخاصة الطبقات ذات الدخل المحدود والفقيرة، وعلى الرغم من أن سعر صرف الدولار يشهد انخفاضا ملحوظا منذ أكثر من شهر، إلا أن ارتفاع أسعار السلع والمواد والخدمات على اختلافها لا يزال ينهك جيوب العراقيين، لأن أغلب التجار لا يزال يبيع بسعر مرتفع كي لا يتعرض للخسارة”.

ويتابع أنه “بسبب رغبات التجار ومماطلاتهم وسعيهم للإبقاء على السعر المرتفع قدر المستطاع، ومن أجل حماية المستهلك، يجب وضع الضوابط التي تحفظ للجميع حقوقهم سواء المنتج أو المستهلك”.

ويتابع : “بما أن الأسواق التجارية شكلت عاملا مهما في خدمة المجال الاقتصادي،  وعليها تدور عجلة الأنشطة الحياتية في المجتمع، لذا كان لزاما على الدولة تشديد الرقابة على الأسواق ووضعها في اهتمام وأولويات الحكومة من خلال تسيير فرق جوالة من الوزارات المعنية كوزارة التجارة والداخلية وكذلك الأمن الوطني من أجل مراقبة الأسواق ومحاسبة المتلاعبين”.

وقد أصدر البنك المركزي 3 حزم إجراءات للسيطرة على بيع الدولار وضمان عدم تهريبه إلى الخارج، وقلل في بداية الأزمة من مبيعات مزاد العملة، ومن ثم عاود مؤخرا الارتفاع لمستواه السابق والبالغ نحو 300 مليون دولار يوميا.

جدير بالذكر، أن البنك المركزي سبق وأن اتفق مع المصرف الأمريكي الشهير، جي بي مورغان، على أن يكون وسيطا، لإيصال مبالغ التجار العراقيين إلى الصين وتغطية استيراداتهم، بعد أن كان البنك يتعامل مع مصارف في الإمارات والأردن، وبحسب تقرير “العالم الجديد” فأن الاتفاق الجديد سيحدّ من الفواتير المزورة التي كانت منفذا لتهريب العملة لخارج البلد.

إقرأ أيضا