رحلة في عالم الـ”تك تك” المتناقض.. قتل واغتصاب ومصدر رزق

الاغتصاب والخطف والقتل، أمورٌ وجدت لها منفذاً جديداً عبر عجلة الـ “تك تك” التي دخلت…

الاغتصاب والخطف والقتل، أمورٌ وجدت لها منفذاً جديداً عبر دراجة الـ”تك تك” التي اجتاحت مناطق العراق، وزادت من فوضى شوارعها، في ظل انعدام تفعيل القوانين والقواعد التي تحد من انتشار ظاهرة قيادتها من قبل الأطفال، ومتعاطي المخدرات والمجرمين.

دراجات التك تك، ملأت شوارع بغداد، وخاصة مناطقها الشعبية، التي تعاني الفقر والكثافة السكانية، بسبب رخص أجورها وضآلة حجمها الذي مكنها من سهولة التنقل بين العجلات، حتى وجدها الكثير من العاطلين، باب رزق لهم ولأُسرهم، يطوّرون عبرها واقعهم المعيشي، الذي يزداد سوءاً يوماً بعد آخر، لكن آخرين استغلوها لجرائمهم، فأصابت سمعتها في خطر، وبدأت هواجس الناس تتزايد من استخدامها.

مخاطر كثيرة تركتها هذه الدراجات النارية الصغيرة على الأهالي، فأصبحت مصدرا لبث الرعب داخل بعض المناطق، بسبب القصص “المؤلمة” التي أدت إلى حالات قتل واغتصاب وخطف، كان ضحاياها فتيات وأطفال، ومرتكبوها سائقين بعضهم يتعاطى المخدرات.

“خطف ودكات عشائرية”

“العجلة (الدراجة) لا تشوَّه منظر العاصمة، فحالها حال البقية، لكن مساوئها تشوَّه المجتمع”، بهذا القول، يفتتح حيدر كريم، وهو مواطن يستأجر التك تك غالباً، حديثه لمراسل “العالم الجديد”.

ويقول حيدر (25 عاما)، إن “العجلة وفّرت علي الكثير من الوقت والمال، فأجرتها أقل من التكسي، لكن ما حصل فيها من مشكلات، تجعلها منبوذة من قبل الأهالي، فأصبحت وسيلة سهلة للخطف، وتجارة المخدرات، وتنفيذ الدكات العشائرية”.

وعادةً، ما تحصل في المناطق الشعبية شجارات مسلحة بين عوائل، يطلق عليها “دكات عشائرية” وتُنفذ الكثير منها عبر “التك تك” بسبب عدم تسجيلها لدى مديرية المرور العامة، وسهولة تنقلها بين الأزقة.

وكان مجلس الوزراء، قرر في 23 أيار مايو الماضي، منع استيراد الدراجات النارية ومنع انشاء خط لإنتاجها، إضافة إلى تحديد مدة 3 أشهر لتسجيل الدراجات النارية كافة.

“اغتصاب فتاة وقتلها بالتك تك”

إضافةً إلى حيدر، يقول منتظر أسعد (صاحب عجلة تك تك سابقاً)، إن “مشاكل التك تك كثيرة جداً، والشارع الذي يغص بهذه الدراجة، بات حلبة صراع بين السائقين، يتطور خلاله لتصل العداوة بينهم إلى التهديد بالقتل أحيانا”.

ويروي منتظر (17 عاما) خلال حديث لـ”العالم الجديد”، ما يحصل في عالم التك تك، قائلاً: “جرائم الاغتصاب تكثر في هذه الدراجة، أكثر من أي مكان آخر، فبعض سائقيها يتعاطون المخدرات، وعندما تركب معهم فتاة، قد يقودون مركبتهم إلى مكان يخلو من المارّة، وحينها، يجرَّد سكينه مهدداً الفتاة بالقتل، ما لم ترضخ له، ويقوم باغتصابها”.

يكمل منتظر: “قبل مدة ليست طويلة، أقدم شاب مع 3 من أصدقائه على اغتصاب فتاة، وقتلها”، وعن تفاصيل الجريمة، التي تناقلها أصحاب التك تك، يقول، إن “أحد المتهمين بالقضية، أقنع الفتاة باللجوء إلى مكانٍ قريب من السدَّة في بغداد، وهناك، جاء إليه ثلاثة من أصدقائه المراهقين، ليغتصبوا الفتاة، ثم يقتلونها ليدفنوا القضية، وعدم إيصالها إلى أهلهم، لكن الجريمة اكتشفت، وزُجَّ بالمتهمين في السجن”.

يذكر أن “التك تك” عاشت عصرها الذهبي في بغداد خلال تشرين الأول أكتوبر 2019، فهذه الدراجة النارية ثلاثية العجلات، سمح لها حجمها الضئيل بالتنقل بين آلاف المتظاهرين في ساحة التحرير وسط العاصمة، إبان فترة حكومة عادل عبد المهدي، لأداء دور الإسعاف الفوري لمئات من المصابين على جسري الجمهورية والسنك، والشوارع المحاذية أثناء التراشق مع قوات مكافحة الشغب.

دورها بانتهاك حقوق الإنسان

رئيس المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان، فاضل الغراوي، يقول خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “انتشار ظاهرة قيادة التك تك من قبل الأطفال، دون جوانب الحماية الخاصة وعدم الدراية بمتطلبات السلامة والجوانب المرورية، يمثل انتهاكات لمنظومة الحماية”.

ويؤكد الغراوي، أن “السماح للأطفال بقيادة هذه العجلات يمثل تجاوزاً على حقوق الانسان، لأنه فيه مشاكل كثيرة، وتحدث بسبب سرعة الاطفال في القيادة، وعدم قدرتهم على تعزيز واقع الحماية، ما اثر كثيراً على الواقع، وتسبب بمأساة كبيرة”.

ويطالب “المرور والمؤسسات المعنية، بعدم السماح للأطفال في قيادة العجلات، وحصر قيادتها عند الذين بلغوا الـ18 من العمر”، مشدداً على ضرورة “ترقيم العجلات، وأن تكون قيادتها ضمن السن القانوني وفيها متطلبات السلامة والأمان”.

يذكر أن وسائل التواصل الإجتماعي، تعج بفيديوات كثيرة، لأصحاب عجلات التك تك، وهي يتحرشون بفتيات، أو يحاولون التقرب منها، فضلا عن اتخاذها مكانا للمغازلة، وهو ما ترصده كاميرات الهواتف من مسافات ليست بعيدة، نظرا لأن العجلة مكشوفة وليست فيها خصوصية.

رزقٌ بدأ يتلاشى

أمّا مجيد أحمد (33 عاما) وهو صاحب دراجة تك تك، فيقول إن “العمل بالتك تك لم يعد باب رزق مناسباً، لذا سألجأ إلى بيعها بعد أن باتت مصدر قلق وشبهات جرائم، بسبب بعض سائقيها، الذين يستغلون عدم تسجيلها بالمرور، لتنفيذ جرائم قتل وخطف وتنفيذ كل ما تسول به أنفسهم”.

يضيف أحمد، خلال حديث لـ”العالم الجديد” إن “الحال عند بعض أصحاب التك تك، وصل إلى بيع الكحول من خلالها، فهناك بعض الدراجات، تقف في أحد شوارع منطقة الشعب، التي تبيع الكحول، وحين يُشتكى عليهم، يدفعون الرشى لإبعاد المحاسبة عنهم”.

ويكمل: “حصلت أمامي العديد من الجرائم، أبرزها، أن صاحب تك تك، صدم سيارةً في إحدى المناطق التي لا تشهد حركة بالشارع، وعند نزول سائق السيارة لمعاينة الأضرار، يأتي اثنان على دراجة تك تك أخرى، ويشهرون السلاح مخيَّرين صاحب السيارة، بين القتل، أو سرقة مركبته”.

وغالبا ما يكون ثمن تلك الدراجات معقولا لأي شاب يود البدء بمشروع صغير، ويبلغ نحو 2500 دولار كمعدل لسعرها، ما يدفع العديد ممن لا يملكون فرص عمل أو أدنى مؤهلات إلى العمل فيها، فتجد هناك تهافتا واضحا نحوها، على الرغم من افتقار تلك الدراجات إلى شروط السلامة، ودائما ما تؤدي حوادثها الى إصابات بليغة لصاحبها.

ودائما ما تنشر صور في وسائل التواصل الاجتماعي، بشأن العدد الكبير للتك تك في شوارع بغداد، وترفق بسؤال “هل نحن في العراق أم الهند”، وذلك نظرا لانتشار التك تك في الهند منذ سنوات طويلة، حيث أصبح وسيلة النقل الأساسية فيها.

مدير شعبة الشكاوى في مديرية المرور العامة، المقدم الحقوقي حيدر شاكر، يؤكد خلال حديثه لـ”العالم الجديد”، أن “آخر موعد لتسجيل الدراجات بكافة أنواعها، في الأول من تموز (يوليو) المقبل”.

ويتابع، أن “الدراجة غير المسجلة لدى مديرية المرور العامة، ستتم مصادرتها، وإحالتها إلى هيئة الكمارك، بدعوى كمركية، أو تعيدها بأوراق لغرض تسجيلها، وستُمنع إعادتها إلى صاحبها”، مؤكداً، أن “أغلب الحوادث المرورية التي تحصل في الشوارع، هي بسبب الدراجات النارية، كون سائقيها صغارا في السن ولا يحترمون قوانين المرور”.

ويوضح: “مَن أكمل السادسة عشرة من عمره، يستحق منح إجازة قيادة الدراجة، وتسجيل الدراجة الأصولية يمنح للأشخاص البالغين فقط”.

أما الخبير الاقتصادي، منار العبيدي، فيكشف خلال حديث لـ”العالم الجديد”، وبالأرقام قائلًا إن “عدد دراجات التك تك في العراق، يتراوح بين 750 الفا الى مليون، وتمّثل 10 إلى 12 في المئة من مجمل السيارات بشكل عام”.

ويضيف العبيدي، أن “كلف شرائها تبلغ نحو 600 مليون دولار، ولها كلف وقود عالية، وعلى الرغم من أنها أسهمت بحلول لمشاكل النقل في بعض المناطق المزدحمة، إلا أنها أثرت على انسيابية السير في الشوارع”، مشيرا إلى أن “التك تك أوجدت فرص عمل للكثير من العاطلين عن العمل، لكن بطريقة مضادة وبشكل عشوائي”.

يذكر أن مديرية المرور العامة، أصدرت قرارا في 10 آب أغسطس 2021، يقضي بمنع قيادة الدراجات ذات العجلتين والثلاث عجلات “التك تك” و”الستوتة” بأنواعها المسجلة وغير المسجلة في دوائر المرور على الطرقات السريعة والرئيسية في بغداد والمحافظات لمخاطرها واستغلالها في العمليات الإرهابية والجنائية، وأن يكون تجوالها داخل حدود المناطق السكنية فقط.

لكنَّ رسول راضي (27 عاما)، وهو سائق تك تك، يقول لـ”العالم الجديد”: “لم يكن لي عمل سابقاً، ولم أجد لي رزقاً أحصل من خلاله على ما أريد، والآن فتحت لي هذه الدراجة باب الرزق، فأحصل منها يومياً، على دخل يتراوح بين 10 إلى 20 ألف دينار (11- 14 دولارا)”.

ويرى راضي، أن “عدم تسجيل التك تك في المرور، يزيد من الجرائم ويشوه سمعتها التي لا ذنب لها، لأن بعض المستهترين يشترونها ويتنقلون بها بين متعاطي المخدرات، حتى شوَّهوا سمعة مَن يخرج باحثاً عن الرزق”.

إقرأ أيضا