اغتيال هاوكار الجاف يشطر أربيل والسليمانية مجددا

أمست قضية العقيد هاوكار الجاف، الذي اغتيل قبل 8 أشهر، أبرز مواضع الجدل بين الحزب…

قضية اغتيال العقيد هاوكار الجاف، قبل 8 أشهر، أصبحت أبرز مواضع الجدل بين الحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني الكردستانيين، حيث شكل الحكم بإعدام رئيس جهاز مكافحة الإرهاب في السليمانية بعملية الاغتيال وحكمه بالإعدام غيابيا من قبل محكمة في أربيل، بداية لصفحة جديدة من الخلافات والتوتر بين الحزبين. 

قوبل صدور الحكم بإعدام رئيس جهاز مكافحة الإرهاب في السليمانية وهاب حلبجي، باللا مبالاة من قبل الاتحاد الوطني، حيث رد عضو مكتبه السياسي سعدي بيرة، بشكل ساخر على سؤال لأحد الصحفيين، بشأن إمكانية تسليم المتهم إلى المحكمة في أربيل بـ”هل أنت بصحة جيدة؟”، مستدركا “هذه الأحكام والمحاكمات مسيسة ووصمة عار في المسيرة القضائية، وسبق أن صدرت أحكام مماثلة على قادة في الاتحاد، ومن بعدها تسنموا مناصب رفيعة في الإقليم”.

وكان العقيد الجاف، وهو ضابط في مكافحة إرهاب السليمانية، قد اغتيل في تشرين الأول أكتوبر 2022، خلال توجهه إلى أربيل الخاضعة لسيطرة الحزب الديمقراطي الكردستاني، بعبوتين لاصقتين وضعتا أسفل عجلته في أربيل، ما أدى إلى مقتله على الفور وجرح 4 ركاب كانوا في عجلته، وهم نساء وأطفال.

وفي خطوة فُسّرت بأنها نوع من اللامبالاة، واجه حلبجي قرار حكم الإعدام، باستقباله رئيس الاتحاد الوطني بافل طالباني، الذي قام بتكريم الأول بدرع عن جهوده في محاربة التنظيمات الإرهابية.

احتكاك محدود

وتعليقا على الأحداث الأخيرة، يقول رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “هذا الاستقبال والتكريم بين رئيس الاتحاد الوطني ورئيس جهاز مكافحة الإرهاب في السليمانية، والذي يتزامن مع قرار قضائي من إحدى محاكم أربيل بحق رئيس الجهاز، يبين بما لا يقبل الشك حجم التحديات المتبادلة ما بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، ويبين مستوى التنافس ما بين القيادات الشابة أو قيادة الأبناء داخل إقليم كردستان، كما أنه اعتراف رسمي من طالباني بعدم قبوله بقرار أربيل القضائي”.

ويضيف الشمري، أن “ما يجري في إقليم كردستان هو محاولة لفرض الإرادات بين الحزبين، وهذا الحدث الأخير يؤشر أن الخلافات ما بين الطرفين لم تنتهي بعد، وحتى أجواء التهدئة التي ظهرت مؤخرا من خلال عودة وزراء الاتحاد الوطني الكردستاني لحكومة الإقليم، تتلاشى”.

ويبين أنه “بسبب الأحداث الأخيرة، ربما يشهد إقليم كردستان تداعيات كبيرة جداً، خصوصاً في ظل عدم وجود إتفاق حول انتخابات الإقليم، فهذا سيكون لها تأثير كبير جداً على الأوضاع داخل الإقليم”، مستبعدا “أي خيار مسلح بين الطرفين، لكن ربما نشهد احتكاكا محدودا، فما يحدث هو صراع سياسي ومحاولة فرض القوة، كما أن التأثيرات الخارجية ستكون فاعلة خصوصاً من قبل الولايات المتحدة وإيران، فالدولتان لن تسمحا بانزلاق الأمور في الإقليم نحو الصدام المسلح”. 

يذكر أن رئيس حكومة إقليم كردستان مسرور بارزاني، ونائب رئيس الحكومة قوباد طالباني، اجتمعا مطلع أيار مايو الماضي، في حدث لأول مرة منذ تفجر الأزمة بين الطرفين منذ قرابة العام، وتم خلاله الاتفاق على حل جميع المشاكل من خلال الحوار والتعاون بين جميع الكتل الوزارية ضمن التشكيلة الحكومية، وشهد مناقشة المشاكل المالية والإدارية التي تواجه حكومة الإقليم، كما تقرر من الحزبين، إيقاف حملاتهما الإعلامية ضد بعضهما البعض.

وعلى خلفية اجتماع الطرفين، تقررت عودة وزراء الاتحاد الوطني للمشاركة بحكومة الإقليم، بعد أن انسحبوا منها، إثر بيان رئيس الحكومة الحاد ضد الاتحاد الوطني في العام الماضي.

حيث كان رئيس حكومة إقليم كردستان مسرور بارزاني، استعرض في البيان الذي أدى لانسحاب الاتحاد الوطني في حينها، المشاكل مع الاتحاد الوطني ومناطق نفوذه وهي السليمانية وكرميان وحلبجة وإدارة رابرين من قبل بارزاني، كما تطرق إلى قضية اغتيال العقيد هاوكار الجاف، حيث قال في حينها: إن هناك قرارا من مجلس وزراء الإقليم يقضي بإرسال قوات مشتركة إلى المنافذ الحدودية، ولكن الاتحاد الوطني هدد بأنه في حال تنفيذ هذا القرار سيتم افتعال الحرب الداخلية، وهذا الأمر تم إبرازه لعدم تسليط الضوء على اغتيال العقيد هاوكار الجاف في قلب عاصمة إقليم كردستان.

يشار إلى أن رئيس الاتحاد الوطني الكردستاني بافل طالباني، ظهر بلقاء متلفز في تشرين الثاني نوفمبر 2022، وفيه أكد أن أربيل ستخسر أكثر من السليمانية في حال حدث الانشطار، فالغاز الطبيعي في السليمانية، وعليه فانسحابنا فيه ضرر للديمقراطي الكردستاني وليس لنا، مؤكدا أنه التقى رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني أكثر من 16 مرة “لكن هناك عدم تفاهم بيننا، بل هناك من يسعى لكي لا نتوصل لاتفاق، وبعض المشاكل بيننا تعود إلى أمور داخلية”، بحسب قوله.

يذكر أن عضو قيادة الاتحاد الوطني الكردستاني الحاج مصيفي، أدلى بتصريح صحفي يوم أمس، أكد فيه أن الحكم الذي صدر من محكمة في أربيل، تسبب مرة أخرى بالقلق، ومن المرجح أن يصبح الوضع أكثر تعقيدًا.. نحن مع القانون لكن لا نعرف من الذي حقق في قضية مقتل هاوكار الجاف الذي كان ضابطا في الاتحاد الوطني الكردستاني، التحقيق أجري من جانب واحد وصدر القرار بناءً عليه ولا يمكن حل المشكلة بهذه الطريقة.

تراجع الاتحاد

إلى ذلك، يرى المحلل السياسي غالب الدعمي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “قرار الإعدام الذي صدر من قبل محكمة أربيل، لن ينفذ، وهذا القرار هو جزء من أوراق الضغط من أجل الحوار السياسي، ونوع من الاستثمار السياسي للقضاء”.

ويبين الدعمي، أن “هناك عدم استقرار في أوضاع إقليم كردستان، وهناك عدم تفاهم ما بين الأحزاب السياسية هناك”، لافتا إلى أن “السليمانية، تشهد ولادات دائمة لأحزاب وحركات سياسية، لذا قد يتراجع حزب الاتحاد الوطني الكردستاني فيها، لصالح أحزاب أخرى”.

ويؤكد أن “بقاء الأمور في إقليم كردستان على حالها، والتصعيد المتبادل ما بين الحزبين، سيكون له تداعيات كبيرة على مستوى الاستقرار الأمني وحتى الاقتصادي داخل الإقليم، كما أن هذا ممكن أن تستفاد منه بعض الأطراف الخارجية”. 

يذكر أن الحزبين، وفي ذروة الأزمة السياسية قبل أشهر قليلة، أكدا لـ”العالم الجديد”، على تأثر المواطنين في الإقليم بالصراع السياسي، الذي أثر سلبا على حركة السوق في الإقليم والوضع العام فيه، نظرا للتخوف من حدوث صدام بين الحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني، لاسيما وأن الحزبين أشارا إلى التخوف من هذا الأمر، نظرا للتاريخ الزاخر بالصدامات المسلحة بينهما، كما ورد في التقرير.

وشهدت الأزمة بين الحزبين، دخول وساطات داخلية وخارجية، وتمثلت الأولى بوساطة قادها رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، فضلا عن دخول واشنطن على خط الأزمة، ومحاولتها إعادة العلاقة بين الطرفين بغية إجراء انتخابات برلمان الإقليم، وهو ما جرى وعقد الاجتماع بين قادة الحزبين.

لكن في 30 آيار مايو الماضي، أصدرت المحكمة الاتحادية، قرارها بعدم دستورية تمديد عمر برلمان الإقليم، بناء على الدعوى المقامة أمامها بهذا الشأن، ونص القرار: الدستور نص على أن يكون عمر البرلمان أربع سنوات ويعد باطلاً أي نص قانوني آخر يتعارض مع الدستور.. استمرار الدورة الخامسة لبرلمان كردستان يتعارض مع أحكام الدستور، لافتا إلى اعتبار الدورة الخامسة لبرلمان كردستان منتهية وما صدر بعد التمديد باطل دستورياً.

قرار المحكمة، أعاد الجدل والخلاف للواجهة، نظرا لتعطل عمل البرلمان وعدم قدرته على تمرير قانون الانتخابات الجديد، بعد اتفاق الحزبين على تعديل بنوده، وهذا الأمر سيدفع الإقليم إلى الاعتماد على قانون الانتخابات السابق، وهو ما يرفضه الاتحاد الوطني.

تسييس القضاء

بالمقابل، يتوقع الناشط السياسي الكردي محمود ياسين، “وقوع الإقليم في كارثة كبيرة من خلال تسيس القضاء، فالقرار الأخير يدل على أن القضاء في الإقليم سواء في أربيل أو السليمانية واقع تحت سيطرة الحزبين، إذ أن هناك الكثير من القرارات القضائية صدرت في أربيل أو السليمانية هي قرارات سياسية بحتة”.

ويرى ياسين، خلال حديثه لـ”العالم الجديد”، أن “صدور هذا الحكم جاء من أجل تعطيل انتخابات برلمان إقليم كردستان، فاستمرار الخلاف والصراع ما بين الحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني، لن يترك فرصة لإجراء هذه الانتخابات، خصوصاً بعد قرار المحكمة الاتحادية العليا في بغداد”، مستبعدا “تحول الصراع السياسي بين الحزبين إلى صدامات مسلحة، فمصلحتهما تقتضي استمرار التعاون فيما بينهما، وخاصة بالمجال العسكري، فهناك دعم كبير من قبل التحالف الدولي، ويصل بشكل شهري إلى أكثر من 20 مليون دولار”.

ويستطرد، أن “قرار محكمة أربيل الأخير، أيضا جاء كرد فعل على ما يقوم به حزب الاتحاد الوطني الكردستاني داخل اللجنة المالية في البرلمان العراقي، ودعمه لتعديلات قانون الموازنة”.

وفجرت تعديلات اللجنة المالية، على البنود الخاصة بالإقليم في الموازنة، أزمة بين الحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني، حيث كان الأخير مؤيدا لهذه التعيدلات، وخاصة قضية إطلاق الرواتب المدخرة، وهو ما رفضه الحزب الديمقراطي، ووصف دور الاتحاد الوطني بـ”المؤامرة والخيانة”.

أقرأ أيضا