الأثاث التركي “يخنق” العراقي.. والمستهلكون ينقسمون بين الجمال والمتانة؟

واضعاً يده على خده، منتظراً مَن يأتي إلى محله ليسأله عن بضاعته التي صُنِعَت بأيادٍ…

واضعاً يده على خده، منتظراً مَن يأتي إلى محله ليسأله عن بضاعته التي صُنِعَت بأيادٍ عراقية، كان هذا حال أحد بائعي الأثاث العراقي، في سوق الحي بمدينة الصدر شرقي العاصمة بغداد، فهناك يكثر بيع وصناعة الأثاث العراقي، وإلى جانبه، ينافسه المعروض من الأثاث التركي.

في مختلف الأماكن المخصصة لبيع الأثاث، يتواجد المحلي والتركي، لكن المواطنين ينقسمون بأذواقهم، فمنهم من يفضّل التركي، لحداثته وأناقته، والبعض الآخر يفضّل العراقي، لمتانته وجودته.

التركي والعراقي.. أذواق مختلفة

يقول حيدر محسن (32 عاما) وهو مواطن في جانب الرصافة: “بالعادة، نلجأ كعائلة إلى الأثاث العراقي، لما يتميَّز به من قوة وقدرة على التحمّل، كما هو حال الكثير من الأسر في مناطقنا الشعبية، التي تستفيد من أسطح بعض القطع في وضع الأغطية والأفرشة مثل الكنتور (الدولاب) أو البوفية (المعرض)”.

ويضيف محسن، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “سعر الأثاث العراقي يكون بالعادة أغلى من التركي، وعلى الرغم من هذا الأمر، نقوم بشرائه، لأنه يبقى مدّة طويلة، من دون أن يتعرض للتلف”.

يشار الى ان مهنة النجارة في العراق، مرت بمراحل سيئة عديدة، بداية من تأثرها بفترة العقوبات الاقتصادية التي فرضت على العراق في تسعينيات القرن الماضي، حيث شحت الأخشاب وفقدت من السوق المواد الأولية وخصوصا ما كان يعرف بـ”المعاكس”، وبعد عام 2003 غزا الأثاث المستورد السوق العراقية وتوجه المواطن الى اقتنائه بدلا من المحلي لرخص ثمنه وحداثة تصميمه.

بينما يفضّل مجد سالم (27 عاماً)، الذي يسكن في جانب الكرخ من بغداد، “الأثاث التركي”، مؤكداً، أنه “أجمل بكثير من العراقي، وسعره أنسب، كما أن بعض الشركات تمنح ضماناً يصل إلى 3 سنوات”.

ويقول سالم، في حديث لـ”العالم الجديد”، إن “سعر الأثاث التركي، أقل من العراقي، وهذا الفرق يتيح لي استبدال الأثاث بعد سبع سنوات من شرائه إذا ما تعرَّض للتلف أو التخريب”.

ويحتَّل العراق المرتبة الأولى من بين البلدان المستوردة لقطاع الأثاث المنزلي والورق ومنتجات الغابات، وفقا لما أعلنته وكالة الأناضول التركية في نيسان أبريل الماضي، حيث أشارت إلى أن قيمة الصادرات من هذا القطاع، بلغت في الربع الأول من العام الحالي 216.6 مليون دولار.

هذا الأمر، أصاب صانعي الأثاث العراقي، بالتذمر والشكوى من تزايد استيراد الأثاث، وإهمال الصناعة الوطنية، التي تحتضن الكثير من الأيادي العاملة.

معامل تتوقف وعمّال يُسرّحون

أحمد علي (40 عاما)، وهو أحد صانعي الأثاث العراقي وغرف النوم، يقول: “أنا صاحب معمل، والأثاث التركي دمَّر السوق، وتسبب بتسريح العمّال، وترك بعض الصانعين لهذه المهنة، بسبب الخسائر التي يتكبدونها”، مؤكداً: “لا نعلم كيفية دخول الأثاث التركي، وسيطرته على الأسواق العراقية، فهناك معلومات تقول إنه يدخل من دون رقابة، ليُباع بسعر زهيد”.

يكمل علي لـ”العالم الجديد”، أن “تواجد البضاعة التركية في الأسواق، سيفشل إنجاح الصناعة العراقية، وتشغيل الأيدي العاملة”، مطالباً بـ”تحجيم استيراد الأثاث التركي، ورفع قيمة الضرائب المفروضة عليه، ليرتفع سعره، ويُجبر المواطن على اللجوء إلى الصناعة المحلية”.

ويؤكد “نحتاج إلى حل يدعم صناعة الأثاث العراقي، فنحن نعمل أسبوعاً، ونتوقف شهراً كاملاً، بسبب الأثاث التركي الذي يطغى على العراقي”، مضيفاً: “دعم الأثاث العراقي، سيسهم بالحد من البطالة، ونجاح المعامل العراقية، سيدفعها إلى زيادة الأيدي العاملة، والرغبة في التطور، لكن الغرفة التركية هي التي دمّرت السوق، وتسببت بتسريح مئات العمال من المعامل، ويجب إيجاد حلول تنقذنا مع عوائلنا”.

وكانت مهنة النجارة، قد بلغت ذروتها في سبعينيات القرن الماضي، حيث اعتاد العراقيون على شراء الأثاث وغرف النوم والاستقبال، من محال النجارة المحلية، فيما شكلت منطقة الصالحية وسط العاصمة، مركزا لمعارض الأثاث، التي لا تزال بعض قطعها تتوسط صالات منازل البغداديين، وتوارثتها الأجيال.

العراقي بجودته والتركي بجماليته

أمّا رضا حسين (55 عاما) فيقول: “كنت أعمل بصناعة الغرف العراقية قبل دخول المستورد من تركيا إلى الأسواق، وكان معي حوالي 30 عاملاً، لكن فجأة، دخل الأثاث التركي وغزا الأسواق، وأثر على الصناعة الوطنية بنسبة 90 في المئة”.

ويردف حسين خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أنه “بسبب توقف بيع الغرف العراقية، اضطررنا لتسريح العمّال، واتجهنا إلى العمل ببيع الأثاث التركي، على الرغم من درايتنا، بأنه أقل جودة بكثير من الأثاث العراقي، لكن شكله يبقى أجمل”.

ويرى، أن “أسعار الغرف التركية تتفاوت بين واحدة وأخرى، وجودة الخشب هي نفسها، التي لا تتحمل أي قوة، لكن ما يميَّز سعر بعضها عن الآخر، هو شكلها وجماليتها، التي تجذب بعض الأذواق إليها”، مضيفاً: “العمل بالغرف التركية، حقق فائدة ربحية لمن يعمل بها، لكن إهمال الصناعة العراقية يزيد بطالة الشباب”.

ويبين: “عندما تأتي بعض النساء إلى المعرض، وتنظر شكل الغرفة التركية، فإنها تنجذب إليها، ولا تتحمل فكرة أن العراقي أقوى من التركي، بسبب حداثة وجمال الأخير”، وهذا الكلام”. 

وهذا ما يطابق رؤية سارة الأوسي حين تقول: “الغرف العراقية تفتقد إلى الجمال، فنحن نفضّل المستورد (وغالبه من تركيا) لما يحويه من تقنيات حديثة، وجمالية تواكب تطور العصر”.

تكمل الأوسي حديثها لـ”العالم الجديد”، وهي تتفقد إحدى الغرف التركية، قائلةً: “أنظر إلى الجمال الذي صُممت به الغرف التركية، فهي تمتاز أيضا بالقوة والتحمل، وهناك نوعيات، تجعلها تنافس الغرفة العراقية من حيث الجودة”.

لكن حسين كريم، (39 عاما)، يخالف رأي الأوسي، حيث يبين “حين تشتري غرفة نوم تركية، لا تستطيع أن تنقلها من مكان إلى آخر، لأنها تتفكك، ولا تعود إلى ما كانت عليه في بداية نصبها، على عكس العراقية التي لا تتأثر بكل ذلك بسبب جودة الصناعة”.

ويضيف كريم لـ”العالم الجديد”، “أفضَّل الغرفة العراقية، دعماً لصناعة المنتج الوطني، ولأنها قوية يمكن نقلها مرارا من مكان إلى آخر دون أن تتفكك”.

دعما للصناعة.. قانون جديد على الأبواب

عضو لجنة الاقتصاد والصناعة والتجارة، النائب ياسر الحسيني، كشف عن وضع اللمسات الأخيرة، لقانون الاستثمار الصناعي، للقطاع الخاص والمختلط، ملمّحاً إلى إمكانية فرض ضرائب على الأثاث التركي، في حال تحقق أمر واحد.

الحسيني، يبين خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “القطاع الخاص فيه إعفاءات كمركية تمكّنه من التفوق على الآخرين، ولكن هناك عوائق تمنعه، متمثلة بتخفيض سعر المواد الصناعية، مثل غلاء الأيدي العاملة، وغياب الكهرباء، وأجور نقل المواد الأولية من دولة إلى أخرى”.

ويكمل: “في الخارج، هناك دعم للقطاع الخاص، يتمثل بمنح عائدات مالية لأصحاب المعامل إذا تمكنوا من تصدير بضائعهم إلى الخارج”، مشيراً إلى “حدوث جرائم غسل للأموال حين يذهب من يرغب بذلك إلى شراء بضائع بسعرٍ غالٍ ويبيعها بسعر أقل”.

ويبين: “أنا مكلف شخصياً، بإعداد مسودة نهائية لقانون الاستثمار الصناعي للقطاع الخاص والمختلط، ستمنح دعماً كبيراً للصناعات، ولكن إقرارها يحتاج إلى وقت”.

ويؤكد الحسيني: “من الممكن جداً أن نرفع قيمة الضرائب على الأثاث المستورد، استناداً لقانون حماية المنتج العراقي الذي يحتاج إلى تفعيل، وفي حال وجود اكتفاء ذاتي بمادة ما، فنخاطب وزارة التخطيط، لمعرفة إمكانية تحقيق اكتفاء ذاتي، يمكّن من رفع قيمة الضرائب على الأثاث المستورد”.

ويواجه قطاع الصناعة في العراق بشكل عام، تدهورا كبيرا منذ العام 2003 ولغاية الآن، في ظل توقف أغلب المعامل والتوجه للاستيراد، وقد قدر اتحاد الصناعات العراقية قبل سنوات، نسبة المشاريع المتوقفة بـ40 ألف مشروع، ودائما ما تتضمن البرامج الحكومية المتعاقبة موضوعة تنشيط الاقتصاد والصناعة المحلية، لكن دون تحقيق أي وعد، بل تستمر عجلة التبادل التجاري مع دول المنطقة مع إهمال الصناعة المحلية.

من جانبه، يشرح أبو عسل (52 عاما)، وهو بائع ومصنّع لأطقم الجلوس، الفرق بين النوعين قائلا: “يتميز الأثاث التركي بالأناقة والحداثة والدقة في الشكل، بخلاف العراقي الذي يفتقر لضبط بعض التفاصيل الدقيقة المتعلقة بالشكل”.

ويوضح، لـ”العالم الجديد”، “أمتلك معملا في تركيا، وأقوم ببيع وتوزيع الأثاث داخل تركيا، بالإضافة إلى تصديره داخل العراق”.

وحول إمكانية تطوير الصناعة المحلية لمنافسة نظيرتها المستوردة، يلفت إلى أن “البيئة الصناعية داخل العراق مفقودة للأسف، فلا توجد المواد الأولية اللازمة بشكل كامل، ولا وجود لأيدٍ صناعية تتمكن من تحديث أدواتها، ولا وجود لدعم حكومي ولا كهرباء حكومية، لأن المولدات تتطلب كلفة باهظة تنعكس سلبا على السعر”.

لكن وجهة النظر هذه لا تحظى بتأييد فاضل عباس (44 عاما)، والذي يملك معمل نجارة في حي المنصور الراقي وسط العاصمة، قائلا “نحن نتمكن من صناعة جميع الموديلات وبمتانة وجودة أفضل من المستورد، ولا صحة للقول بأن المصنّع العراقي بفتقر للمهارة والقدرة”.

إلا أنه يعترف بـ”السعر الباهظ لمنتجاته مقارنة بالمستورد”، داعيا الحكومة إلى “دعم الصناعة المحلية لتقليل هذه الفوارق، وتقليل الكلف، بما ينعكس على الأسعار للمستهلكين”.

خسائر بسبب الأثاث المستورد

الخبير الاقتصادي، عبدالرحمن المشهداني، يرى من جانبه، أن “صناعة الأثاث العراقي معروفة بمتانتها، ومطابقتها للموديلات الحديثة، ولكنها بعد العام 2003، عانت بسبب تدفق الأثاث التركي والصيني، اللذين دمرا صناعة الأثاث العراقي، بسبب رخص أسعارهما”.

ويؤكد خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “صناعة الأثاث العراقي، كانت تشغّل عشرات الآلاف من العمال العراقيين وكان لها أثر بخلق إيجابيات للاقتصاد العراقي”، مشيراً إلى أن “إعادة تنشيط صناعة الأثاث العراقي، يتحقق عبر فرض رسوم كمركية مرتفعة، على الأثاث التركي والصيني المستورد”.

ويتابع، أن “صناعة الأثاث العراقي تحتضر في الوقت الحالي، بسبب تحول الكثير من المحال إلى بيع الأثاث التركي بدلاً من صناعة العراقي”، مشيراً إلى أن رخص الأثاث التركي والصيني، يجعله منافساً للعراقي”، مطالباً الحكومة بدعم “صناعة الأثاث العراقي، عبر خطط واضحة”.

وفضلا عن القطاع الحكومي، فإن مشاريع القطاع الخاص، شهدت توقفا، بل وانهيارا كبيرا نتيجة لعدم توفر البنى التحتية للانتاج، من استمرار التيار الكهربائي او الحماية اللازمة، خاصة في ظل الأحداث الأمنية التي يعيشها البلد بصورة مستمرة، ما انعكس سلبا على الشارع العراقي الذي تحول الى مستهلك للبضائع المستوردة.

إقرأ أيضا