“العنبر” يودّع موائد العراقيين.. المياه لا تكفي  

“لن تحفل المائدة هذا العام بالعنبر العراقي”، يقول هشام حامد الذي يسكن المشخاب إحدى ضواحي…

“لن تحفل المائدة هذا العام بالعنبر العراقي”، يقول هشام حامد الذي يسكن المشخاب إحدى ضواحي محافظة النجف، ويحصد فيها سنويا عشرات الأطنان من محصول الشلب.

ولا يعرف حامد (54 عاما) حتى الآن ماذا يفعل بعشرات الدونمات للأرض التي يعمل فلاحا فيها، إذ يقول لـ”العالم الجديد”، إن “الأرض ليست ملكا لي، وأنا أشبه بالمستأجر، ربما ستبقى الأرض بورا هذا العام، ففي المواسم الماضية التي كنت أزرع فيها الشلب، كان هامش الربح يقسم بيني وبين مالك الأرض، وكان بالكاد يكفي، والآن لا أعرف ما العمل بسبب عدم وجود الماء”.

ويتابع أن “محصول الشلب لم نكن نعاني من تسويقه، فالتجار يشترونه بأسعار أكبر مرتين مما تشتريه الدولة منا، فالنوعية التي نزرعها تلقى رواجا في الخارج لاسيما في دول الخليج، بسبب نكهتها المحببة”.

ورزّ العنبر أو (تمن العنبر)، هو أحد أجود أنواع الرز، ويُعد الأفضل والأكثر إنتاجاً في العراق ويمتاز ببياضه ورائحته المميزة ونسبة البروتين العالية وكبر حجم البذرة، ويزرع في النجف والديوانية وبابل والناصرية والمشخاب في تربة طينية تغمر بالمياه، ويبدأ موسم زراعته في شهر أيار مايو ويستمر بالنمو لمدة ستة أشهر، حيث يكون موسم الحصاد في منتصف شهر تشرين الأول أكتوبر من كل عام. 

عنبر الشاميّة 

وليس بعيداً عن المشخاب، يتميز قضاء الشامية التابع لمحافظة الديوانية، بزراعته للعنبر أيضاً، حيث يؤشر محمد الشبلاوي (38 عاما) أحد الفلاحين الذين يزرعون الشلب هناك، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، “عدم اهتمام الدولة بالفلاحين في حال خسارتهم، فالبديل غير موجود، وليس هناك أي تعويض مقابل منعنا من زراعة الشلب”.

ويضيف الشبلاوي، أن “الموسم الحالي نسبة زراعة الشلب صفر بالمئة، والموسم الماضي كانت أقل من 50 بالمئة، لقد سمحوا بها ذلك العام من أجل أن نحصل على بذور المحصول، حتى أن كميات الأسمدة كانت لـ20 بالمئة من الأرض فقط”.

ويتابع أن “الحكومة لا تسمح لك بالزراعة ولا توفر البديل، ولا تمنح تعويضاً، إذ كان ردها لشيوخ العشائر أنها إذا عوّضت أصحاب المساحات الشلبية فعليها أن تعوض جميع الفلاحين في العراق”.

ويبدي الشبلاوي، قلقا من أن “تتلف البذور التي يحتفظ بها للتمن العنبر ذي المواصفات المعروفة التي اشتهر بها العراق”، مناشدا الحكومة بالسماح لهم بالزراعة: “مازلنا في الشهر السادس، الأمر ممكن ونهر الفرات فيه ماء حتى الآن”.

وعن طرق الري التقليدية التي تسبب إسرافا في المياه، يجيب أن “الري الفيضي هو الطريقة الوحيدة لنجاح زراعة محصول الشلب، فالمرشات والتنقيط وغيرها من الطرق لا تنجح مع هذا المحصول”.

وخلال الأسابيع الماضية، تم تسجيل تراجع غير مسبوق في منسوب نهري دجلة والفرات، وخاصة في المناطق الجنوبية، وقد أظهرت مشاهد صادمة تعرض نهر دجلة لحالة جفاف لم يشهدها سابقاً، إلى حد قيام مواطنين بعبوره سيراً على الأقدام، لاسيما في محافظات ذي قار وميسان.

وكانت وزارة الموارد المائية، أعلنت أن العراق فقد 70 بالمئة من حصصه المائية بسبب سياسة دول الجوار، وأن الانخفاض الحاصل بالحصص المائية في بعض المحافظات الجنوبية عائد إلى قلة الإيرادات المائية الواردة إلى سد الموصل على دجلة وسد حديثة على الفرات من تركيا.

لا للشلب

وعلى الرغم من أن الخطة الزراعية الصيفية لم تعلن حتى الآن، إلا أن وزارة الموارد المائية أغلقت الباب أمام الشلب، بسبب طريقة إروائه، إذ يفيد المتحدث باسم الوزارة خالد شمال، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، بأن “الخطة الزراعية للموسم الصيفي ستجري مناقشتها مع الكادر المتقدم لوزارة الزراعة، وسيتم إعلانها قريباً، لكنها لا تحتوي على توسع على كل حال”.

ويتابع، أن “الخطة ستشمل العناية بالبساتين المثمرة والفواكه الصيفية بهدف الحفاظ عليها، من دون أن تحتوي على زيادة أخرى”، مؤكدا أن “الخطة الزراعية لن تشمل زراعة محصول الشلب الذي يستهلك المياه”.

ويشير متحدث الموارد المائية إلى أن “رئيس الوزراء وفي أكثر من محفل ومؤتمر، أكد على توجه الحكومة لدعم الفلاحين وتسويق منتجاتهم لا سيما ممن يعتمدون طرق الري الحديثة، وذلك لأنها لا تستهلك المياه خصوصا أن العراق يعاني من شحة مائية كبيرة مع قلة الإطلاقات من دول المنبع”.

وفي ظل أزمة الجفاف التي تهدد البلاد، بدأ الحديث عن مشروع استراتيجي يمثل حلا للتغلب على الأزمة، وهو الري المغلق، إذ أكد متخصصون بالمياه، في تقرير أعدته “العالم الجديد”، أن هذه الطريقة من أهم الحلول لوقف هدر المياه ووصول النسبة المحددة لموقع الري دون ضياع أي جزء منها، لكنهم أشاروا إلى أنه ينطوي على تكلفة مالية عالية ووقت طويل لتنفيذه، نظرا لأنه يتكون من شبكة أنابيب تغطي المساحات الزراعية، وهو ما أيدته وزارة الموارد المائية، وبينت أنه موجود ضمن خططها، إلا أنها رهنت الأمر بتأمين تلك الكلفة المالية.

وكان وزير الموارد المائية السابق مهدي رشيد الحمداني، أعلن مطلع العام الماضي، عن قرب المباشرة بمشروع التحول من الري المفتوح إلى الري المغلق وستكون البداية في محافظة ذي قار، ثم عاد منتصف العام نفسه ليؤكد أن طريقة الري المغلق تؤدي إلى زيادة كفاءة الإرواء إلى أكثر من 80 بالمئة ما يعني زيادة المساحات المزروعة وزيادة الغلة الزراعية، ورهن تطبيقه في حينها بإقرار الموازنة العامة للبلد، التي لم تقر.

هدية ثمينة

من جانبه، يوضح عباس خلف (42 عاما)، صاحب متجر لبيع الرز في البصرة، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “رز العنبر، يعد من أكثر أنواع الرز طلبا، نظرا لجودته ورائحته المميزة، وغالبا ما يتم شراؤه من قبل الأشخاص الذين يذهبون في زيارات إلى دول الخليج، حيث يأخذونه كهدية معهم”.

ويلفت إلى أن “سعر الكيلوغرام من الرز، بلغ 5 آلاف دينار (3.5 دولار) بعد أن كان سعره 2000 دينار (1.5 دولار) فقط، بسبب شحته في الأسواق، وندرة زراعته”، مبينا أنه “بالإضافة إلى شرائه من قبل العراقيين المسافرين لدول الخليج، فإن المواطنين من هذه الدول، وبعد الانفتاح الاخير وقدومهم كسائحين للعراق، باتوا يشترون هذا النوع من الرز”.

ويؤكد أن “مواطنا من الكويت، أكد لي أن عائلته تنتظر رز العنبر بفارغ الصبر، وعندما يأتيني كهدية او أشتريه من البصرة، يكون ذلك اليوم أشبه بالاحتفال في المنزل”.

يذكر أن الفترة الأخيرة، شهدت توافد العديد من مواطني دول الخليج للعراق، بعد التسهلات التي منحت لهم، وهذا يضاف إلى تعدد رحلات العراقيين إلى دول الخليج، خاصة بعد تبسيط إجراءات منح سمة الدخول للمواطن العراقي، لاسيما وأن الغالبية لديهم علاقات خاصة مع مواطنين من دول الخليج، وكانوا سابقا يأخذون معهم التمر، كأحد أفضل أنواع الهدايا، لكن بعد ذلك، تصدر رز العنبر، هدايا العراقيين لمواطني دول الخليج.

لا توسعة

بدوره، يؤكد المتحدث باسم وزارة الزراعة محمد الخزاعي، إن “الوزارة حتى الآن لم تعلن عن الخطة الزراعية للموسم الصيفي، وسيتم خلال الفترة المقبلة الإعلان عنها بعد التباحث والتشاور مع وزارة الموارد المائية وحسب الإطلاقات الموجودة”.

ويضيف الخزاعي، أن “الأرقام التي ستعلن لن يكون فيها توسع في الأراضي الزراعية، وأن الموسم الصيفي الحالي سيكون أقل مقارنة بموسم العام الماضي، فالخزين المائي كان أفضل قبل عام”، لافتا إلى أنه “من الصعب التفكير في الزيادة في ظل وضع نهر دجلة الحالي وقلة الإطلاقات المائية”.

ويتابع، أن “ما يصعب التوسّع في الزراعة أيضاً هي السياسات التقليدية المتبعة في الري والطريقة الإغراقية والفيضية المتبعة في العراق لاسيما المستخدمة لري محصول الشلب”، لافتا إلى أن “هناك توجهاً باستخدام التقانات الحديثة في الريّ وخطة معدّة بهذا الشأن”.

ومنذ العام الماضي، برزت أزمة الجفاف بشكل جلي في العراق، فبعد أن تم تقليص المساحات الزراعية إلى 50 بالمئة في العام الماضي، تفاقمت الأزمة مؤخرا عبر فقدان أغلب المحافظات مساحاتها الزراعية، وأبرزها ديالى وبابل، حيث أعلن مسؤولون فيها عن انعدام الأراضي الزراعية بشكل شبه كامل، بسبب شح المياه.

إقرأ أيضا