الدرس التركي من الصفعة المصرية

الانتصارات المتتالية لمختلف اطياف الاخوان المسلمين، على مستويات مختلفة، وفي مناطق متعددة من المغرب العربي الى شمال افريقيا الى ماليزيا واندونيسيا في شرق آسيا، اصابت الاخوان بغرور قل نظيره. ففي كل هذه البلدان إما تربع الاخوان على عرش السلطة واما اصبحوا مشاركين مؤثرين.

من بين هذه الاطياف، اولها وصولا للسلطة، هو حزب العدالة والتنمية التركي الذي يشترك في الخلفية والجذور معهم، فهو ما زال يعيد قراءة سيد قطب. لكن صعود هذا الحزب للسلطة لم يثر حفيظة الكثيرين، لأنه قدم افضل نموذج للعالم من الديمقراطية الاسلامية. وسياسته القريبة من امريكا واوربا جعلت الدول العظمى تتمنى ان يتولى هو تقديم النموذج السياسي للعالم الاسلامي ولسائر الدول المسلمة والعربية، ويكون المصدر الفكري والسياسي لسائر الاسلاميين والاخوانيين في العالم. فهو افضل واجهة للاسلاميين في العالم. كما انه قام بدور الوسيط بين الاخوان والغرب بشكل عام وامريكا خاصة، كي يسهل امر صعودهم للسلطة.  

كان حزب العدالة والتنمية التركي يتمنى ان تتوج نجاحاته بالقضاء على حزب البعث السوري، كي يضع الإخوان يدا بيد، من مدينة السلاطين اسطنبول الى قلب افريقيا.

بعد انطلاقة ثورة الشعب السوري ضد حزب البعث، حضر ممثلو اخوان مصر وليبيا وتونس الى انقرة، واتفقوا ان يعقدوا مؤتمر الاخوان العام في سوريا بعد سقوط حزب البعث.

بصعود الاخوان في سوريا يتحقق حلم العثمانية الحديثة، وسوف يصبح رئيس الوزراء التركي الاسلامي، المرشد العام لهذه الامبراطورية الحديثة. لهذا على الرغم من التقارب الذي حصل بين تركيا والنظام السوري في السنوات الاخيرة، وضعت تركيا تلك التوافقات جانبا وتصدرت جبهة المعارضين لسوريا، حتى كانت سابقة على الغرب بدعوتها للتدخل في سوريا. نتيجة هذا الموقف توترت علاقاتها بالنظام السوري، وروسيا وايران.

لكن الحلم في سوريا لم يتحقق بعد، حتى افسدت مصر احلامهم.

كان رجب طيب اردوغان اول رئيس دولة يزور مصر بعد انتخاب محمد مرسي للرئاسة، كما حضر مرسي مؤتمر حزب العدالة والتنمية التركي، واشاد بأردوغان ودوره في العالم الاسلامي، وهذا يكشف مدى التقارب بينهما. ولهذا نرى تركيا اعلنت رسميا بأن ما حدث في مصر كان انقلابا عسكريا.

لم يكن الموقف الرسمي التركي فقط سلبيا من التغيير في مصر، بل حتى رجل الدين التركي المعروف الشيخ \”محمد فتح الله كولن\” ذكر في بيان نشره على موقعه بأن مرسي أصبح رئيساً لمصر عقب عملية انتخابية جرت ضمن المعايير الديمقراطية التي يدافع عنها العالم، مؤكّداً أن الانقلاب العسكري في مصر سوف يذكره التاريخ باعتباره جريمة نكراء، تماماً مثل الانقلابات العسكرية التي شهدتها تركيا في 27 مايو / من عام 1960، و12 مارس / آذار من عام 1971، و12 أيلول / سبتمبر من عام 1980، وغيرها.

هذا الحادث قد يؤثر على علاقات تركيا مع المملكة السعودية وقطر ايضا باعتبارهما رعتا التغيير الجديد في مصر.

طبعا لا ننسى ان السياسة التركية لا تذهب بعيدا عن امريكا واوربا.

وقد جعل التغيير في مصر تركيا وايران تقتربان من بعضهما ثانية للتشاور في هذا الخصوص. لأن كلاهما يريان فيه تهديدا لمشاريعهما.

لكن حزب العدالة والتنمية ان خسر العثمانية الحديثة، لا يريد ان يخسر تركيا. لهذا سارع الى برلمانه واستخدم نفوذه، وأقرت الجمعية العمومية للبرلمان التركي، يوم السبت الماضی 13/7/2013، تغيير المادة رقم 35 المتعلقة بالقوات المسلحة، والتي کانت تعطي الحق للجيش بالتدخل لحماية البلاد من المخاطر الداخلية.

فبحجة هذه المادة قام الجيش التركي بأربع انقلابات عسكرية خلال اقل من اربعة عقود، في اعوام 1960 و1971 و1980 و1997.

بهذا تحاول الحكومة التركية منع السناريو المصري من التكرار على اراضيها.

فيبدو انها بذكائها حولت الصفعة الى درس.

* كاتب عراقي

إقرأ أيضا