
عطش وحرائق ديالى.. هل يودّع البرتقال مدينته؟
ديالى - العالم الجديد
يعاين أبو همام (56 عاما) بضع شجيرات للبرتقال وفسائل من النخيل غرسها للتو في مزرعته، وهو يفكر في عدد السنوات التي تستغرقها في النمو قبل أن يحصد ثمارها.
خسر أبو همام أغلب مساحة بستانه البالغة 16 دونماً والواقع في المقدادية ثاني أكبر أقضية ديالى بعد بعقوبة، بعد أنّ طاله الحريق ثلاث مرات "بفعل فاعل" كما يقول خلال حديث لـ"العالم الجديد".
ويضيف: "بعد عودتي من النزوح واستتباب الوضع الأمني نسبياً، غرست عدداً من الأشجار بدلاً من تلك التي التهمها الحريق، إلا أنّ الحرائق قد تستعر من جديد، لقد انتقيت أفضل الأشجار، حتى أن سعر فسيلة النخل التي اشتريتها بلغت نحو 200 ألف دينار".
ويرجع أبو همام أسباب الحرائق إلى "غياب القانون وضعف الرقابة الحكومية على المتنفذين في المنطقة، وهذا ما ساعد على اتساع رقعة التجاوز على البساتين وأدى أيضا إلى تجريفها لاستخدامات سكنية، وذلك بسبب فرق الأسعار بين الأراضي السكنية ونظيرتها الزراعية".
ولم يفت أبو همام "ما للحرب التي خاضتها القوات الأمنية ضد الإرهاب في بساتين المدينة من تأثير سلبي أدى إلى هلاك النخيل وباقي الأشجار".
فقدت مدينة البرتقال ما كانت تتميز به، واستبدلت رائحة القداح برائحة الرماد الذي خلفته حرائق البساتين المتكررة، وبحسب الإحصاءات المتوفرة فإن 250 ألف دونم فقط هي ما تبقى من الأراضي الزراعية والبساتين من مجمل 500 ألف دونم، خلال العام الماضي فقط.
ناحية بهرز شرق قضاء بعقوبة (مركز محافظة ديالى) هي الأخرى لم تكن مستثناة من ظاهرة الحرائق، حيث يقول سلمان نمر (60 عاماً) وهو مزارع من المنطقة، خلال حديث لـ"العالم الجديد"، إن "الحرائق المتعمدة وغير المتعمدة فاقمت من تجريف البساتين هنا، وبالرغم من توجه عدد غير قليل من اللجان التحقيقية إلى هذه المناطق، لكن لم يتم التوصل إلى نتائج وحلول حقيقية".
ويضيف نمر أن "الآفات الزراعية فتكت ببعض البساتين أيضاً، ونشاط المكافحة الحكومية لهذه الآفات قليل جدا إن لم نقل إنه منعدم"، مطالباً بـ"إعادة الاهتمام بهذه البساتين التي كانت تغطي معظم الأسواق العراقية بالتمور وفواكه الحمضيات".
ويطلق على محافظة ديالى التي تقع شمال شرق العاصمة بغداد، لقب "مدينة البرتقال"، غير أن اللقب بدأ يتلاشى تدريجيا مع استمرار ظاهرة تجريف بساتينها التي تتجاوز مساحاتها أكثر من 132 ألف دونماً.
ويلقي مزارعون في مناطق مختلفة من هذه المحافظة، باللائمة على الحكومة بسبب قلة الدعم وشح المياه والآفات الزراعية، إضافة إلى عدم تحقق الجدوى الاقتصادية من استمرار عمل المزارعين فيها، ما دفع الكثيرين إلى تقطيع مساحات بساتينهم إلى قطع صغيرة وبيعها، ليتم بناؤها دورا سكنية.
وعن تحويل الأراضي من زراعية إلى سكنية، يشير رعد مغامس، وهو مسوول اتحاد الجمعيات الفلاحية في المحافظة، خلال حديث لـ"العالم الجديد"، إلى أن "هذا الأمر تسبب بانخفاض إنتاج الحمضيات بنسبة 80 بالمئة في هذا الموسم مقارنة بالمواسم السابقة، إذ كان معدل إنتاج البستان الواحد يصل إلى 10 أطنان من البرتقال سنوياً، بالإضافة إلى هلاك الثروة الحيوانية التي تتواجد فيها".
ويتابع مغامس إن "انحسار المساحات الزراعية للبساتين سيقلص الإنتاج المتوقع من التمور للعام الحالي بنسبة 20 بالمئة عن العام السابق، إلا أن هذا الأمر لم يمنع المحافظة من تصدير 30 صنفا من التمور النادرة إلى 13 دولة".
يذكر أن محافظة ديالى أعلنت أن الموسم الصيفي المنقضي شهد توسعا كبيرا في الخطة الزراعية مقارنة بالموسم الماضي، وبحسب مدير دائرة الزراعة في المحافظة إياد ذياب فقد جرى التوسع بالخطة من 64 ألف دونم الى أكثر من 173 ألف دونم، بالإضافة إلى وجود أكثر من 170 ألف دونم خارج الخطة، فيما توقع أن يكون إنتاج هذه المساحات أكثر من 80 ألف طن من الحمضيات وعشرات الآلاف من الأطنان من البطاطا وأكثر من 50 ألف طن من التمور.
إضافة إلى هذا، تعاني الأشجار في معظم بساتين ديالى، من تقادمها ودخولها في العمر الحرج من الإنتاج غير القابل للتطور، الأمر الذي يتطلب تجديدها ورفدها بشتلات جديدة لإعادة الروح إليها مرة أخرى.
ويفيد مدير إعلام زراعة ديالى محمد المندلاوي، خلال حديث لـ"العالم الجديد"، بأن "الصراع بين المنتج المحلي والمستورد، مسمار آخر يدق في نعش الزراعة نتيجة للتفاوت الكبير في الأسعار بينهما".
وفي سياق ثانٍ، يوكد المندلاوي "تشكيل لجان لجرد الأراضي التي تم التجاوز عليها، ومفاتحة الجهات العليا، إلا أن هذه الإجراءات لم تنجح في الحد من تجريف الأراضي الزراعية، بسبب انشغال السلطات بملف توفير المياه وغيره من الملفات الاقتصادية".
ويشير إلى أن "المحافظة كانت تنتج الحمضيات في السابق بحدود 103 آلاف طن سنويا، أما الإنتاج الحالي فيبلغ 93 ألف طن تقريباً، وأعداد أشجار الحمضيات حالياً تقدر بنحو مليونين و600 ألف شجرة.
وكان مصدر حكومي، أفاد في تموز يوليو الماضي، بأن حريقاً التهم 10 دونمات من البساتين شمال شرق محافظة ديالى، التي أصبحت بساتينها "سريعة الاشتعال" بحسب وصفه، مشيرا إلى أن أسباب الحريق ليست متعمدة وناتجة عن سوء في إجراءات السلامة بالإضافة إلى أن الجفاف جعل البساتين سريعة الاشتعال.
وفي العام الماضي 2022، أكدت الجمعيات الفلاحية في ديالى أن حرائق البساتين خلال صيف 2022 بلغت 100 حريق وهي الإحصائية الأقل منذ 9 سنوات وأدت إلى تضرر قرابة 300 دونم من البساتين.