
«الفيول العراقي» إلى لبنان مجددا.. ما خفايا "منصة" تسديد الثمن؟
بغداد - العالم الجديد
ما يزال ملف "الفيول" العراقي المرسل إلى لبنان، يثير الجدل وتكشف خفاياه تباعا، وآخر حلقات هذا الملف، هو تحميل الحكومة العراقية مبالغ طائلة مقابل إنشاء منصة إلكترونية لبنانية، لغرض عرض المنتجات التي من المفترض أن يستوردها العراق بدلا عن الفيول، كما نص العقد المبرم بين البلدين.
هذه الخطوة، تضاف إلى التنازلات العديدة التي قدمها العراق في هذا الملف، خاصة بعد أن وافقت الحكومة الحالية على زيادة كميات الفيول المرسلة للبنان خلال تجديدها العقد والتي بلغت 3.5 ملايين طن، دون أن يسدد لبنان ما بذمته من أموال متراكمة منذ الحكومة السابقة.
ومن المفترض أن تتولى المنصة اللبنانية، الإعلان عن خدمات ومنتجات لبنانية يختار منها العراق ما يوافقه مقابل تزويده لبنان بالفيول، لكن وفقا لوسائل إعلام لبنانية، فإن المنصة تعرض أسماء عريضة للخدمات التي يفترض أن يقدمها لبنان مثل مصطلحات طبية وسياحية وغيرها من دون الغوص بالتفاصيل.
ويقول مصدر مطلع، خلال حديث لـ"العالم الجديد"، إن "الحكومة اللبنانية، وفي خطوة لتسديد مستحقات العراق عن زيت الوقود (الفيول) المرسل إليها، اتجهت لإنشاء منصة إلكترونية، عبر شركة تسمى إيدال، تطرح فيها منتجاتها الغذائية، حتى يأخذ العراق منها ما يريد وفقا للاتفاق".
ويضيف المصدر، أن "الحكومة اللبنانية حملت نظيرتها العراقية تكلفة إنشاء هذه المنصة، بمبلغ 2 مليوني دولار، وهو رقم مبالغ به ويفوق تكلفة أي موقع أو تطبيق إلكتروني بأضعاف مضاعفة"، منوها إلى أن "ما يجري هو نوع من الاحتيال من قبل الجانبين، لأن هكذا منصة لن يستخدمها أحد لسببين: أولهما أن التاجر أو المستورد العراقي يفضل السفر بنفسه ومشاهدة البضاعة التي يود شراءها، خصوصا وأن لبنان ليس بلدا بعيدا، وثانيهما: أن الأخير ليس لديه صناعات كبيرة مثل الصين أو الولايات المتحدة، لتتعدد الخيارات أمام المستوردين".
ويشهد لبنان وضعا اقتصاديا مترديا، بعد أن أعلنت الدولة إفلاسها قبل أكثر من 3 أعوام، ما أدى إلى انهيار الليرة لمستويات قياسية، حيث توقفت أغلب المعاملات التجارية وعجزت الدولة عن تسديد أموال التجار والمستثمرين المودعة في بنوكها.
وكانت الحكومة الحالية برئاسة محمد شياع السوداني، وافقت في أيار مايو الماضي، على تجديد اتفاقية تزويد لبنان بزيت الوقود، بشروطها الحالية، سنةً ثالثةً إضافية، بدءاً من تشرين الأول أكتوبر المقبل، والتزام شركة سومو بتجهيز كامل العقد القديم، وزيادة العقد القديم للنفط الأسود إلى 1.5 مليون طن سنوياً، وإبرام عقد جديد للنفط الخام بمليوني طن سنوياً.
إلى ذلك، يعلق مصدر حكومي عراقي، خلال حديث لـ"العالم الجديد"، بأن "الحكومة جادة بقضية الحصول على أموال زيت الوقود المرسل الى لبنان، فالحكومة السابقة، لم تتابع هذا الملف، ولم تستلم أي شيء من لبنان مقابله، وهي مبالغ كبيرة جداً وصلت الآن إلى 2.8 ملياري دولار، ومن المتوقع بلوغها بنهاية العقد الجديد في تشرين الأول (أكتوبر) 2024 إلى نحو 4 مليارات دولار".
ويتابع المصدر، الذي رفض الكشف عن هويته، أن "الحكومة الحالية، جددت عقد إرسال زيت الوقود إلى لبنان، وأصبح هناك اتفاق على استيراد منتجات زراعية لا يحقق العراق فيها الاكتفاء الذاتي، حيث توجد هناك عقود رسمية بهذا الشأن، تحت أنظار ديوان الرقابة المالية وهيئة النزاهة"، مبينا أن "لبنان بدأت بإرسال كوادر طبية متخصصة بعمليات القلب، خصوصاً لدى الأطفال، وهذه الكوادر تجري العمليات في مستشفيات حكومية ببغداد وبعض المحافظات، وأجورها تكون على حساب لبنان".
لكن مصدرا سياسيا لبنانيا، ينفي لـ"العالم الجديد"، أي تنفيذ لمعظم تلك الاتفاقيات، مؤكدا أنها "حبر علي ورق، ولم يتم تنفيذ معظم الاتفاقيات بما في ذلك الخدمات الطبية المزعومة".
وينوه المصدر اللبناني، إلى أن "الحكومة اللبنانية غير جادة بتسديد أموال العراق، رغم مرور نحو عامين على الاتفاق وإرسال العراق لزيت الوقود والنفط الخام إليها"، لافتا إلى أن "بيروت تشتري الطاقة من دول أخرى بالكاش، وهذا يعني أن لديها أموالا في خزينتها، دون أن نعلم لماذا لا تسدد من خلالها مستحقات الحكومة العراقية التي تظهر التزاما سنويا بهذا العقد".
ويرجح فشل تلك المنصة المفترض إطلاقها لغرض تسديد مستحقات العراق عن الفيول، بسبب "عدم ثقة التجار اللبنانيين بمصرف لبنان (البنك المركزي اللبناني)، كون المنصة مرتبطة به مباشرة".
وكان وزير الطاقة والمياه اللبناني وليد فياض، التقى السوداني في أيار مايو الماضي، خلال وجوده في بغداد للمشاركة بمؤتمر المياه الثالث، وعرض إمكانية تمتين الشراكة وتطويرها عبر تجديد الاتفاقية وزيادة الكمية بما يخدم العلاقة واستمرارها بين البلدين.
كما التقى فياض في بغداد، وزير النفط حيان عبد الغني، وجرى خلال اللقاء الاتفاق على تسليم كل الكميات الباقية من وقود الفيول من الاتفاقية سارية المفعول حاليًا قبل انقضاء مدتها، كما أبدى عبد الغني استعداده للبحث في إمكانية زيادة هذه الكميات في حال اتفق الطرفان على تجديد اتفاقية لتزويد والبحث في إمكانية تنويع المشتقات النفطية المخصصة لعملية التبديل.
من جهته، يبين المختص في الشأن الاقتصادي همام الشماع، خلال حديث لـ"العالم الجديد"، أن "الاتفاق بين العراق ولبنان بشأن زيت الوقود، ليس فيه أي مصلحة اقتصادية حقيقية للعراق، وهذا العقد جاء كمساعدة من قبل العراق إلى لبنان لما يمر به من أزمات داخلية متعددة".
وحول إشكالية الثقة بين تجار لبنان وبنكه المركزي، يبين الشماع، أن "العراق ليس معنيا بهذه القضية، فالعراق يتعامل مع لبنان كدولة وأي اتفاق يعقد بين الطرفين هو وفق القوانين الدولية والأممية، وتكون هي ملزمة للطرفين، بالتالي فإن لبنان ملزمة بتنفيذ ما يتم الاتفاق عليه من إرسال المواد الغذائية والكوادر الطبية".
يذكر أن العراق ولبنان وقعا، اتفاقا في تموز يوليو 2021 لاستيراد الأخير مليون طن من وقود الفيول للتخفيف من أزمة الكهرباء، ووصلت أول باخرة إلى لبنان محملة بـ31 الف طن من هذه المادة في 16 أيلول سبتمبر عام 2021.
وكشفت "العالم الجديد" في كانون الأول ديسمبر 2022، عن مناقشة الحكومة الحالية برئاسة السوداني، مع الجانب اللبناني قضية الخدمات التي ستقدمها بيروت لبغداد، مقابل أموال الكميات المرسلة من زيت الوقود، إلى جانب إبلاغ الجانب اللبناني للعراق بتوفر الأموال التي في ذمته، وأن تسديدها سيكون عبر الخدمات الصحية والاقتصادية، لكن الحكومة السابقة برئاسة مصطفى الكاظمي لم تقم بتفعيل الأمر.
في الأثناء، يؤكد رئيس المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية غازي فيصل، خلال حديث لـ"العالم الجديد"، أن "عقد إرسال زيت الوقود من لبنان إلى بيروت، معروف هو عقد سياسي وليس فيه أي مصلحة اقتصادية للعراق، بل جاء كجزء من سياسة المحاور لبعض الأطراف العراقية التي تعمل ضمن ما يسمى بمحور المقاومة".
ويرى فيصل، أن "هذا الاتفاق جاء بضغوط كبيرة مارستها قوى سياسية متنفذة وربما حتى فصائل مسلحة على الحكومة السابقة، مما دفعها إلى إبرام هذا العقد، والحكومة الحالية معروف من يدعمها أيضا، بالتالي من الطبيعي أنها تجدد العقد وتزيد من كميته، وتكون المستحقات عبر خدمات لا منفعة اقتصادية حقيقية فيها للعراق".
ويشدد على أن "النفط بكل مشتقاته هو من ثروات الشعب، ولا يجوز التلاعب بهذه الثروة لأي سبب ولأي عنوان كان وبحجة المساعدات وغيرها، فكميات زيت الوقود المرسلة إلى لبنان تقدر بالملايين، وهذه الملايين يمكن أن يستفاد منها الشعب العراقي، الذي يعاني من نقص كبير بمختلف مجالات الحياة الخدمية والصحية والتعليمية وغيرها".
وكشفت "العالم الجديد" في تقرير سابق، عن كواليس الاجتماع الذي جمع فياض بوزير المالية السابق علي عبدالأمير علاوي داخل مكتب الأخير في بغداد، وفيه طالب الوزير اللبناني بتجديد العقد لمدة عام آخر، مع زيادة بكمية النفط عن العقد السابق، لكن علاوي رد عليه بأن عليه تسليم المستحقات المالية أولا، مع معرفة أوليات الشركة التي يتم تكرير النفط فيها لئلا تكون تحت طائلة العقوبات الأمريكية، ما قد يعرض العراق تبعا لذلك إلى عقوبات هو في غنى عنها.