
بدأها السومريون.. صناعة الفخار مهنة تتجدد والمستورد يزاحمها
ديالى - العالم الجديد
منذ أكثر من 50 عاما، وحسين الكواز يعمل في صناعة الأواني والأدوات الفخارية، متمسكا بمهنة تعد جزءا من التراث الفني العراقي، لم يفرط بها، بل نقلها لأبنائه وبات مشرفا عليهم لتقدمه في العمر.
الكواز (80 عاما)، هو أحد سكنة مدينة بعقوبة، مركز محافظة ديالى، بدأ عمله منذ أن كان شابا يافعا، ويقول خلال حديث لـ"العالم الجديد"، إن "كرات الطين التي تتشابه من حيث الشكل الخارجي والقوام، نخصصها لصناعة أنواع الفخاريات عبر العجلة الدوارة".
وحول قضية نقل المهنة للجيل الجديد، يوضح أن "نقل المهنة ليس بالأمر السهل، فهذا العمل يتطلب ساعات طويلة، إضافة إلى صعوبة إقناع الشباب بهذا العمل، في ظل التكنولوجيا المتقدمة، فعملنا يجب أن يبدأ منذ الخامسة فجرا، ففي هذا الوقت يتم إيقاد الفرن المستخدم لفخر المنتجات".
ويتابع أن "العمل يستمر للرابعة عصرا، إذ يجب أن نتعامل بحرص مع المنتجات، وننتظرها لتبرد بشكل تدريجي وعدم تعرضها للهواء البارد بشكل مباشر، حيث يؤدي إلى تلفها".
وتعد صناعة الفخار من أقدم وأهم الحرف التقليدية التراثية في العراق والمستمرة حتى يومنا هذا، ويعود تاريخها إلى الحضارة السومرية، كما بيّنته أعمال التنقيب عن الآثار في حضارة وادي الرافدين، نتيجة توفر مادتها الأولية وهي الطين الخالي من الأملاح.
ومن أبرز الأواني الفخارية المستخدمة ليومنا هذا، هو ما يسمى باللهة الدارجة "الحِب"، وهو وعاء فخاري كبير لحفظ الماء، إلى جانب "تنور الطين"، المخصص لإعداد الخبز، وبعض الأواني الصغيرة الأخرى.
علي حسين الكواز، النجل الأكبر في عائلة الكواز، تحدث لـ"العالم الجديد"، ويداه مكسوتان بالطين المستخدم في صناعة الفخار، عن المبيعات الخاصة من الأواني الفخارية، حيث يؤكد أن "المبيعات ترتفع في المناسبات الدينية، ومنها مع حلول شهر شعبان (حسب التقويم الهجري)، إذ يتم الاحتفال بيوم زكريا في الأحد الأول منه، وهنا يتم استخدام الطبل الصغير الفخاري وقواعد الشموع وفخاريات للزينة متنوعة، توضع جميعها في صينية خاصة بهذا اليوم".
ويتابع علي، أن "هناك منتجات أخرى يستخدمها هواة تربية الطيور، مثل أواني الماء وهذه يكثر بيعها في أسواق الطيور، بالإضافة إلأى صناعة تنور الطين المستخدم في إعداد الخبز، خصوصا في المناطق الريفية"، مبينا أن "الشبح الذي يهدد عملنا هو المنتج المستورد، والذي يتم صناعته عبر المكائن الحديثة التي تختصر الوقت، إضافة إلى استخدام المواد الصناعية، وهذه الأخيرة تخفض جودة المنتج وسعره".
وصناعة الفخار هي من المهن اليدوية البسيطة التي لا تعتمد على المكائن، وعادت هذه الصناعة العتيقة للانتعاش مجدداً بعد فترة من التراجع باعتبارها أكثر أماناً من الناحية البيئية والصحية من القناني والأواني البلاستيكية والمعدنية.
إلى ذلك، يروي أحمد البعاج، وهو فنان تشكيلي من محافظة ديالى، خلال حديث لـ"العالم الجديد"، مشاركاته في معارض فنية ضمت أعمالا من الفخار، حيث يبين "شاركت في معارض كثيرة ضمّت أعمال الفخّار والخزف، فمهنة الخزف والفخاريّات لم تعد صناعة شعبيّة فقط، بل تحوّلت إلى فن يستهوي النخب الفنية والأكاديمية".
ويلفت البعاج، إلى أن "الكثير من الفنانين العراقيين المشهورين مثل فائق حسن وجواد سليم، أنتجوا أعمالا فخارية وخزفية، وتوجد في الكثير من أعمالهم لمسات فخاريّة واضحة".
وبحسب مقالة لرئيسة قسم الفخار السابقة في معهد الفنون الجميلة ببغداد نيران يارث يونان، نشرت في وقت سابق، فإن العراق عرف هذه الصناعة منذ حوالي ثلاثة آلاف سنة ق.م، حيث كانت لصناعة الفخار وظيفة واحدة هي تلبية احتياجات الإنسان الذي أخذ يصنع أدواته المستعملة في الحياة اليومية كالأواني، وبعد ازدهار الحياة الاجتماعية في هذه العصور أخذت تدخل على الفخار المسائل الجمالية.
من جانبها، تؤكد الباحثة في الشأن التاريخي هالة العبيدي، خلال حديث لـ"العالم الجديد"، أن "فنّ الفخار، كان له الدور في تنظيم المجتمع العراقيّ القديم في الحقب السومريّة والآشوريّة، عبر تدوين القوانين بالأختام الأسطوانيّة، وكان لكلّ شخص ختم خاص يكتب به ممتلكاته".
وترى العبيدي، أن "صناعة الفخار مهما ضعفت كصناعة شعبيّة فولكلورية، لكنها تبقى صامدة في المعاهد والأكاديميّات الفنيّة"، داعية إلى "آليّة تواصل بين الفخار كفنّ يدرس في المعاهد، ونقله إلى الواقع عبر التوجه إلى الاستثمار عبر التنسيق مع الغرف التجاريّة والصناعيّة ومراكز البحوث وجهات أخرى ذات علاقة، مثل وزارتي المالية والصناعة والهيئة العامّة للاستثمار لإعادة إحياء هذه الصناعة، التي ميّزت الحضارة العراقيّة منذ آلاف السنين".