الجفاف وصيد الهواة يقرّب انقراض الحيوانات النادرة 

الجفاف وصيد الهواة يقرّب انقراض الحيوانات النادرة 

بغداد - العالم الجديد

بمناسبة اليوم العالمي للحيوان، تحدث خبراء ومختصون في البيئة عن التغيرات المناخية والجفاف والصيد الجائر، كأهم التحدّيات التي يواجهها التنوع الإحيائي في العراق، وفيما حدّدوا أنواع حيوانات كثيرة مهددة بالانقراض، أشروا إهمالا و"لا مبالاة" حكومية في القضايا البيئية.   ويقو
...

بمناسبة اليوم العالمي للحيوان، تحدث خبراء ومختصون في البيئة عن التغيرات المناخية والجفاف والصيد الجائر، كأهم التحدّيات التي يواجهها التنوع الإحيائي في العراق، وفيما حدّدوا أنواع حيوانات كثيرة مهددة بالانقراض، أشروا إهمالا و"لا مبالاة" حكومية في القضايا البيئية.

 

ويقول الخبير البيئي جاسم الأسدي، خلال حديث لـ"العالم الجديد"، إن "العراق يمتلك تنوعا إحيائيا هائلا يمتد على مساحة كبيرة ابتداء من الحدود العراقية التركية حتى الخليج جنوبا، ويضم بيئات وموائل متعددة؛ جبلية وأهوارية وصحراوية وزراعية".

 

ويضيف الأسدي، "أكملنا كخبراء منذ عام 2012 دراسة التنوع الإحيائي في العراق بكتاب يتضمن مؤشرات 84 موقعا إحيائيا مهما يمكن أن تكون محميات طبيعة بمختلف التسميات، وهذه المواقع تضم كائنات حيوانية ونباتية، لكن الحيوانية هي المهمة إذ أن الكثير منها موجود على لائحة الخطر الحمراء، وهذه الحيوانات مهمة ليست للعراق والمنطقة المحيطة به فحسب، وإنما للعالم أجمع".

 

ويتأسف لـ"التقهقر الذي حدث للتنوع الإحيائي نتيجة ضغوطات الطبيعة والجفاف الحاد وممارسات الإنسان ولا أبالية صناع القرار، فالتغير المناخي أثر كثيرا على الأراضي الرطبة، وهي الأهوار والمناطق الأخرى كبحيرة ساوة وغيرها، وشمل هذا التأثير الطيور المهمة القادمة من سيبيريا والدول الإسكندنافية وشمال أوروبا، لاسيما خلال الفترة الماضية، إذ استمر الجفاف لثلاث سنوات وما زال قائما، فلم تعد البركة البغدادية موجودة وكذلك بركة أم النعاج في هور الحويزة وكثير من البحيرات المهمة التي تؤوي الطيور المهاجرة خلال الشتاء أصبحت جزءا من الصحراء ما أدى إلى هجرة الطيور إلى أماكن أخرى".

 

ويحتفل الناشطون البيئيون حول العالم، في الرابع من تشرين الأول أكتوبر، من كل عام، باليوم العالمي للحيوان World Animal Day، والذي انبثق خلال المؤتمر الدولي لحركة حماية الطبيعة، الذي انعقد في فلورنسا بإيطاليا عام 1931 وسلط الضوء على محنة الأنواع المهددة بالانقراض، بهدف الحفاظ على حقوق الحيوانات، وتوحيد حركة حماية الحيوان، بقيادة ورعاية مؤسسة ناتوريواتش الخيرية لرعاية الحيوان ومقرها المملكة المتحدة، منذ عام 2003.

 

ويتابع الخبير والناشط البيئي المعروف، أن "البحيرات التي أوجدتها الكويت أصبحت منافسة في استقطاب هذه الطيور عبر استخدامات مياه البحر أو مياه الصرف الصحي وتنقيتها لإنشاء بحيرات صناعية وهي خطوة كبيرة بهذا الاتجاه".

 

ويكمل: "قلما تجد اليوم، الأنواع الحيوانية التي كنا نشاهدها في عام 2009 وقبله، بعد عودة الأهوار مباشرة، حتى أن هناك عددا من الطيور المستوطنة مهددة بالخطر، لأن الجفاف ما زال مستمرا ومناسيب المياه ما زالت دون المستوى، فمثلا كُليب الماء أو ماكسويلي هذا الكائن اللطيف عرفه العالم من خلال الأهوار العراقية عام 1956 هو اليوم في خطر شديد، وكذلك السلحفاة الفراتية".

 

ويعرج الأسدي أيضا، على "الصيد الجائر وتأثيره على الحيوانات سواء باستخدام السموم أو الصعق الكهربائي أو رمي الشباك بشكل عشوائي أو الصيد في مواسم التكاثر، إذ أثرت هذه النشاطات غير القانونية على الثروة السمكية العراقية، فقد خسرنا خلال 3 سنوات بحدود 90 بالمئة أو أكثر من هذه الثروة في الأهوار العراقية، كما سجلنا خسارة نحو 35 بالمئة من قطعان الجاموس التي تعد المورد الاقتصادي الأول لسكان الأهوار".

 

وعلى الرغم من أن "القوانين التي تحمي البيئة موجودة ومشرعة"، إلا أن الأسدي يقول إنها "قوانين ورقية غير مطبقة لا تنفيذ لها ولا ضوابط على الأرض تحد من الصيد الجائر، إذ تلاحظ في سوق الغزل أو في أسواق أخرى أن حيوانات مهمة تباع على الأرصفة، وهذه الممارسات ليست بعيدة عن مقرات صناع القرار لكن يبدو أن البيئة آخر أولوياتهم".

 

من جهته، يذكر الخبير البيئي أحمد صالح، خلال حديث لـ"العالم الجديد"، أن "اليوم العالمي للحيوان يمر في وقت يواجه العالم تغيرات مناخية كبيرة جدا ومنها أيضا تغيرات في السلم الغذائي على اعتبار أن بعض الحيوانات تكاثرت بشكل كبير من ناحية نوع معين وأخرى قلت بشكل كبير، وانخفضت أعداد المراعي لتنزوي حيوانات وتنزاح وتنحصر في أماكن معينة حتى أصبحت عرضة للاقتتال والافتراس في ما بينها ما أدى إلى تناقص أعدادها بشكل كبير جدا".

 

وفي العراق، يضيف صالح أن "الوضع البيئي يهدد الحيوانات بشكل مخيف على اعتبار أن ما حدث من جفاف في 2017 و2021 و 2023 سبب تناقصا هائلا في أعداد الحيوانات البرية وتلك التي تربى في الحظائر، وهذا التناقص كان بسبب نقص المياه والأمطار الذي سبب نقصا آخر في الغذاء الذي يعتمد على الغطاء النباتي الأخضر على اعتبار أن الأعشاب الربيعية هي أعلاف مجانية لم تعد تتوفر".

 

ويكمل أن "سعر طن العلف أصبح يتجاوز المليون دينار، وهذا دفع المربين إلى بيع الكثير من رؤوس الماشية إلى القصابين، فالجاموس الذي كان يباع بسعر خمسة ملايين دينار أصبح يباع بمليون واحد".

 

ويتابع الخبير البيئي، أن "أنواعا كثيرة من الحيوانات البرية تناقصت كالخنزير البري والوشق والقط البري وكلب الماء والذئاب والأرانب والضب والنيص (الدعلج) والضبع وغيرها من التي كانت تعتاش على الحيوانات ذات المستوى الأقل في السلم الغذائي".

 

ويستطرد أن "الحكومة قررت أن تكون 17 بالمئة من مساحة العراق محمية طبيعية واختير جزء منها في منطقة الطيب بمحافظة ميسان بمسافة 2500 كم، إذ تضم بادية الطيب أنواعا وأصنافا كثيرة من الحيوانات البرية كالذئاب وغزال الريم والوعل والخروف البري والنيص والثعالب والقط البري وغيرها"، لافتا إلى أن "هذه الحيوانات تأثرت من ناحية الاصطياد وربما تساهم هذه الخطوة في الحفاظ عليها وتساعد بتكاثرها".

 

وكانت الحكومة أنشأت محمية طبيعية للحفاظ على غزال الريم العراقي المهدد بالانقراض والموجود على اللائحة الحمراء، بعد انخفاض أعداده ضمن البيئة المحصورة بين محافظة ميسان جنوب العراق والمناطق الحدودية مع إيران بسبب آثار التغير المناخي واستغلال الأراضي لأغراض زراعية وتجارية، إذ تم اختيار مساحة من الأرض في قضاء علي الغربي الذي يبعد عن الحدود العراقية الإيرانية 27 كيلومترا وعن مركز محافظة ميسان 110 كيلومترات لإنشاء هذه المحمية الطبيعية والعمل على إكثار هذا النوع من الغزلان.

 

بدوره، يشير الباحث أحمد حمدان، من تجمع حماية البيئة والتنوع الإحيائي، خلال حديث لـ"العالم الجديد"، إلى أن "اليوم العالمي للحيوان فكرة جاءت من أحد القسيسين في 1931 بعد عقد مؤتمر في فلورنسا الإيطالية لحماية الحيوانات المهددة بالانقراض ثم أصبح حدثا عالميا يحتفى به سنويا، ونستلهم المناسبة لغرض الالتفات والانتباه إلى الكائنات الإحيائية الموجودة في العراق والتي تتعرض لنكبات وهجمات متعددة بعدما هدد الكثير منها بالانقراض".

 

ويضيف حمدان، أن "هناك الكثير من الحيوانات تتعرض للتعنيف والصيد الجائر من قبل السائحين والهواة منها الأسماك النهرية والبحرية والحيوانات ذات الموئل العراقي وحتى الطيور المهاجرة التي بدأت تغير مسارها بسبب الفتك الكبير التي يطالها، ونحن في تجمع حماية البيئة والتنوع الإحيائي سلطنا الضوء في أكثر من مؤتمر على هذه الإشكاليات وعن غياب الوعي البيئي وغياب الصرامة من قبل وزارة البيئة والجهات المختصة بمكافحة الصيد الجائر".

 

ويرجع سبب تهديد التنوع الإحيائي، إلى "عدم وجود قوانين فاعلة تحد من الاستئثار بالحياة البرية فالبيئة العراقية وبيئة جنوب العراق خصوصا تتعرض لهزات عنيفة من قبل الصيادين والهواة الذين يرتكبون مجازر بالحيوانات البرية، إذ اصطاد بعضهم 3 آلاف من طائر القطا، واستهدفت الضباع وأفاعي الكوبرا وهذا لغرض المتعة فقط"، مطالبا "البيئة والمؤسسات المعنية بأخذ دورها من أجل إيقاف هذا النزيف في البيئة العراقية".

 

يشار إلى أن "العالم الجديد" سلطت الضوء في تقارير عدة على التنوع البيئي في العراق، وما يعانيه من خسائر كبيرة، بينها تهديد العديد من الصنوف النادرة من الحيوانات بالانقراض، أبرزها غزال الريم العراقي الذي انخفضت أعداده بشكل كبير، وكان آخرها نفوق أكثر من نصف أعداده في محمية ساوة بمحافظة المثنى، وتناقص أعداد الجاموس بشكل مستمر، حتى بلغت آلافا بعد أن كان عددها يصل إلى الملايين قبل عام 2003، وذلك بسبب شح المياه، وهو ذات السبب الذي أدى لنفوق الغزال وباقي الحيوانات، إلى جانب تناقص أعداد الصقور، فضلا عن البلبل العراقي، الذي يتعرض للصيد الجائر بشكل كبير وبدأت المحافظات التي تعد موطنا له، تفقد هذا الطائر المميز.

 

أخبار ذات صلة