هذا مقهى وليس مكبا للنفايات!

السياسي المهووس بمتوالية الحلال والحرام، وما بينهما من الترجيح العقلي واستنباط الأحكام وفق مبدأ (من أخطأ فله حسنة ومن أصاب فله حسنتان) لا يريد أن يرى الحياة بسيطة وجميلة وبعيدة عن إمكانية تدجين الإنسان ووضعه في مفقس ليبيض هناك، ثم يأخذ هو \”بيضة الدين\” إلى مرشده الأعلى، كأول إنجاز يحققه بصفته مسؤولا مخولا بالتحليل والتحريم. 

إن تزن المسألة في عقلك القاصر عن إدراك كنه الحقيقة القائلة (لا إكراه في الدين) و(لست عليهم بمسيطر) والناس أجناس، لتحقق في النهاية أضعف الايمان والظفر بالحسنة الواحدة من خطئك هذا، لترضي مجموعة من شيوخ العشائر الذين تملأ بيوتهم نساء الرق وهبات السلطان قديما وحديثاً، فإنك بذلك تقف موقف المساوي مع نقيضك الذي تتهمه بالتشدد وتعيب عليه ممارسته المتطرفة، لكن يبقى الفرق في هذا الحال أن كلا منكما يعمل على شاكلة: تعددت أساليب الترهيب والتطرف واحد!

تُرى هل ارتدى محافظ بغداد الجديد بدلة العمل الزرقاء تأسياً بعامل البلدية الكادح في الشارع وفي المعمل، ليكون بالتالي الخادم الحقيقي للعاصمة وأهلها والمعني بتطويرها بشكل جديّ، أم أن هوسه باستنباط الأحكام الشرعية أعشى عينه وبصيرته وظن أن المقاهي تشكل عبئاً على المجتمع البغدادي، وبدلا من رفع أكوام الأزبال التي تملأ الشوارع كانت غزوته الأولى باتجاه تلك المقاهي، رافعا شعار: القيم والمبادئ والأعراف!

فعل ذلك دون أن ينبهه أحد، كأن يقول له مثلا: هذه مقاه، وليست مكبات للنفايات عزيزي صاحب البدلة الزرقاء! هذا الحال وما قد يأتي بعده من ترهات تطبيق الشريعة على رقاب الناس، يؤكد أن الديمقراطية في العراق هشة وليست سوى طريق واحد هو طريق الانتخابات، الذي ينسل منه السياسي إلى كرسي الحكم، وهي الممارسة الوحيدة التي يُطلب من المواطن التكيف معها، دون الالتفات إلى الحريات الشخصية والمدنية التي ما يزال الكثير منها يتصدر الرسائل العملية للفقهاء كونها من الكبائر!

فيا أيها السياسي المتدين، إن طاوعتك نفسك أن تفعلها مرة واحدة وتكون منصفا بحق نفسك وبحق الناس، فاحذو حذو مهاتير محمد، حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة وجربها مرة واحدة، اجعل الكعبة قبلتك حينما تصلي، وعندما تنفتل من صلاتك وأردت أن تبني وتعمّر فأدرها صوب اليابان، أو حتى صوب جزر المالديف!

إقرأ أيضا