مع مرور الوقت وتزايد عدد الضحايا بدا يتردد سؤال ماالحل ورغم اختلاف اسباب السؤال بين مثبط للهمم لايرى فائدة من كل الحراك الواسع والتضحيات التي يقدمها الشباب العراقي وبين حائر يبحث عن افق لما يراه حلقة مفرغة من افعال وردود بدون عنوان واضح لكن بين هؤلاء وغيرهم هناك من يسال عن افق هذه الانتفاضة وكيف يمكن ان تنتهي بحل يبرر الدماء التي اريقت ويمنع عبثية الحراك ومجانية التضحيات ويحقق المطالب الاساسية التي يشترك بها غالبية المجتمع العراقي وهذا سؤال مشروع اصبح الجواب عليه واجبا برغم ان الحراك لازال امامه طريق طويل قبل ان تنضج حلول ممكنة التطبيق..ان الحل الذي نناقشه هنا هو الحل الممكن الذي يفرضه الواقع وتوازنات القوى وليس الحل المثالي الذي يعبر عن طموح الغالبية من العراقيين والمتمثل برحيل كامل الطبقة السياسية الحاكمة والبدء بعملية سياسية جديدة وفق اسس جديدة ومقبولة تحت ظل دستور جديد..ان الحل الواقعي لازال قيد الانجاز في ساحة التحرير ببغداد وام البروم بالبصرة وساحة التربية في كربلاء وساحة الحبوبي في الناصرية وو..الخ وهو لن يصبح ممكنا قبل تغيير ميزان القوى المختل لصالح النظام الحاكم وحلفائه الداخليين والاقليميين فمثلا طرح كثيرون حلا ترعاه الامم المتحدة يحقق مطاليب المنتفضين وهذا في رايي امر سابق لاوانه وغير ممكن حاليا وسبب ذلك يعود اولا ان منظمة الامم المتحدة تعاني من الفساد الاداري والمالي والسياسي ومن ثم ليست مؤهلة للقيام بمهمة نبيلة كهذه ثم اننا جربنا الامم المتحدة في العام 2003 بعد سقوط نظام صدام حيث هي التي ساهمت بتشكيل مجلس الحكم واختارت شخوصه وعينت رئيس الوزراء ورعت العملية السياسية بتفاصيلها حيث الامم المتحدة كما في تجارب سابقة لا تستطيع بحكم تركيبتها من الوصول للقوى الحية في المجتمع وتتعامل مع الامر الواقع المتمثل بالقوى الطافية على السطح اضافة لاهتمامها الكبير بالعامل الاقليمي والدولي وهما عاملان لم يعملا في 2003 لصالح قضية الوطن العراقي ولن يعملا الان سيما وان الامم المتحدة من خلال تصريحات وسلوك ممثلة الامين العام تبدو غير متشجعة لحدوث تغيير جذري في العراق يشاركها في ذلك العديد من القوى المؤثرة في العالم مما يفرض ضرورة ان يكون موقف المنتفضين قويا يستطيع ان يفرض واقعا جديدا على الارض تضطر الامم المتحدة للاقرار به ولذلك اذا كان لابد من دور للامم المتحدة تفرضه الوقائع فليكن ولكن بعد ان يغير المنتفضون توازن القوى المختل لمصلحة الشعب العراقي وعلى حساب حكامه الحاليين.
ان السلطة تدرك ذلك ولهذا سوف لن تقف مكتوفة الايدي امام تطور الانتفاضة وفرضها واقعا جديدا وستلجا للحل الامني الذي رغم مخاطره ليس لجهة الخسائر البشرية فقط ولكن لاحتمال انعكاسه سلبا جدا على النظام ودخول قطاعات من الشعب لم تساهم في الانتفاضة لكنها لا تتحمل سفك دماء على نطاق واسع مما يوصل غالبية المجتمع الى نقطة اللاعودة مع النظام..ان النجاح في حشد جمهور كبير في ساحات الاعتصام يصعب على السلطة اللجوء للحل الامني ويفتح طريق التنازلات السياسية الذي سيعتمد على صمود وتوازن الحراك ووحدته ووجود حد ادنى من بنية تنظيمية تستجيب لمتطلبات الوضع الميداني والسياسي.
ان الاحزاب السياسية الحاكمة ذاهبة للحل الامني لانها لا تتصور كيف تتنازل عن ماحققته من مكاسب مادية هائلة على حساب مقدرات العراق واستقلاله متاسية بتجربة اخرى غير عراقية تصلح قدوة للانظمة التي لا تتنازل امام شعوبها فتقهرهم وتقمعهم وتبقى حتف انوفهم وهذا حسب رايي يرتب مسؤولية كبيرة ليس على المنتفضين في الساحات والميادين ولكن لجمهور واسع يدعم ا لانتفاضة بطرق اخرى وذلك لكي ينزل في الميدان مع الحشود ليديم الوجود المكثف والمستمرليقطع الطريق على الحل الامني ويجبر الحاكمين وداعميهم خارج الحدود باعادة النظر والتفكير بحل سياسي بديل عن ذهاب البلد الى المجهول يتنازلون فيه عن الكثير ليبقى لهم البعض منهين جولة من نضال الشبيبة العراقية من اجل الاستقلال الناجز والكرامة وظروف حياتية معقولة.
ان النظام الحالي لن يقدم تنازلات جدية للشعب ولن يذعن لمطاليبه وهو امر يتعلق بالمرجعية الفكرية له وبكونه غير قادر على الحياة في ظل ظروف طبيعية يكون للناس رايهم الحر دون ضغوط او ديماغوجية دينية ومن ثم فانه يجب ان يصل الى مرحلة تتكون له قناعة باستحالة بقاءه بالحكم دون تنازلات جدية وهو الامر الذي اعتبر فيه ان الانتفاضة تتقدم باتجاهه وهنا يجب على المنتفضين ادراك جزئي المعادلة هذه وهما الاول استمرار الحراك بالتحشيد المستمر دون فتور واستخدام كل الاساليب الثورية المتاحة لتحقيق ذلك واستحضار الموروث الوطني والشعبي ما يعني ضرورة تواجد الجيال الاكبر سنا داخل الانتفاضة ولعبها دور ميداني فاعل اما الجزء الثاني فيتمثل في ضرورة بذل الجهود لمنع السلطة من الذهاب للخيار الامني وهو مايمكن تحققه عبر مزيد من الحشد وقطع دابر اي ممارسات او اعمال غير محسوبة قد تعطي مبررا للسلطة لاستخدام العنف الشديد ضد المتظاهرين..ان السلطة تقاوم بضراوة وتلعب بالوقت من اجل ان لاتقدم تنازلات سياسية تمس جوهر النظام لكن المطاولة سوف تجبرها ان تفكر بالحلول السياسية وعند ذاك يصبح استدعاء دور للامم المتحدة امرا مفيدا.. ان من الضروري ان يتهيا الحراك للمرحلة القادمة حيث سيكون سؤال مالحل عنوانا لها خاصة لو اقيل عبد المهدي او استقال في خطوة تسوق انها استجابة لمطالب المتظاهرين حيث اذ ذاك وحتى بغيره سيكون على الانتفاضة ان تنخرط في جهد سياسي لاعلان مطالبها السياسية والاستعداد للتفاوض عليها وهو مايفرض ضرورة فرز كيان ما منفتح الخيارات قد يكون مشروعا وطنيا بديلا للاحزاب السياسية يمثل بشكل دائم المطالب الرئيسية للانتفاضة وهذا امر لن يتحقق الا بشرطين الاول ابقاء وادامة القدرة على الحشد الجماهيري لانه الضمانة لقوة تاثير الحراك اما الثاني فيتمثل بالضرورة التي اصبحت ماسة لتشكيل قيادة لهذا الحراك الشعبي الكبير من اجل الاستجابة المرنة لتطور الاحداث وضمان عدم ضياع التضحيات السخية لشباب العراق ..يجب على المنتفضين من الان ان يكونوا تصورا عما يطلبوه من الامم المتحدة وعن طبيعة وحجم التنازلات التي يريدونها والتي اجملها بما يلي :
اولا اقالة الحكومة ثانيا حل البرلمان ثالثا تشكيل حكومة تكنوقراط من عراقيين وطنيين واكفاء تعهد اليها مهمة التحضير لانتخابات قادمة على ان ياخذ ذلك وقتا كافيا سنتين او اكثر لانهاء النفوذ السلبي وغير المشروع لاحزاب الاسلام السياسي في مؤسسات الدولة والمجتمع وتشريع قانون جديد للانتخابات ياخذ بنظر الاعتبار كل التحفظات والهواجس التي تكونت نتيجة تطبيق قوانين الانتخابات التي اقرتها احزاب الاسلام السياسي ثم تشكيل لجنة من اخصائيين في القانون معروفين بوطنيتهم لتغيير الدستور اوتعديله على ان يتضمن بشكل واضح تحريم نشاط اي حزب بمرجعية دينية او مذهبية.
ان كل ذلك سيعززالتجربة الديمقراطية ويعكس حقائق الحياة السياسية العراقية ويبين الاحجام الواقعية للمكونات السياسية.