صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

أثر الانتخابات الأمريكية والإيرانية على العراق

على الرغم من ثبات مؤشر المصالح العليا للدول، إلا إن هناك دائما ثمة هامش من الفارق في مناورة الحكم وصعود الأجنحة المتنافسة على السلطة داخل النظام الواحد طبقا للمزاج العام ومتطلبات المصلحة العامة وما تقتضيه من مرونة في غالب الأحيان، لاسيما في ملفات السياسة الخارجية لهذه الدول.

 

 فقد العراق كدولة أبان الاحتلال الامريكي سيادته ليصبح لاحقا ساحة مفتوحة لتصفية حسابات ومصالح محاور الصراع الإقليمي والدولي، وتأتي في مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، حتى بات ما يشبه العرف السياسي، أن يكون رئيس الوزراء العراقي قابلا للقسمة على الإرادتين الأمريكية والإيرانية قبل أن يصبح رئيسا للوزراء.

 

ونحن على أعتاب الإنتخابات الأمريكية والتي ستعقبها بعد أشهر الإنتخابات الإيرانية والعراقية فإن هناك ثلاث متغيرات تركت وستترك أثرا على موازين القوة التي يبدو إنها إختلت لصالح الولايات المتحدة الامريكية وحسنت من شروطها على الساحة العراقية، على الرغم مما يبدو ظاهريا في إن إيران تمسك الأرض في العراق من خلال عشرات الفصائل المسلحة التي تدين بالولاء لها.

 

المتغير الرئيسي الأول الذي غير كثيرا من المعادلة، كان في إغتيال الجنرال سليماني الذي كان يعد متحكما وضابطا لإيقاع جميع القوى في العراق السياسية بكافة أطيافها وكذلك شبه العسكرية ولسنين طويلة المتغير الثاني الذي عمل تدريجيا لصالح الطرف الأمريكي في العراق هو الحصار الإقتصادي الخانق الذي مارسته ضد الاقتصاد الايراني والذي على اثره تم تقليص حجم الدعم الايراني للفصائل وكذلك الانشغال كثيرا بالداخل الايراني وتخفيف حدة التدخل في الشأن العراقي كسابق عهده، ومؤشر ذلك الواضح هو تسلم مصطفى الكاظمي رئاسة الوزراء وهو من خارج التشكيلة السياسية الموالية لإيران ويحسب إلى حد بعيد على الخط الأمريكي .

 

المتغير الثالث وهو موضوع هذه المقالة، يتعلق بأثر نتائج الإنتخابات الأمريكية والإيرانية على الوضع الداخلي في العراق .

 

أولا: الانتخابات الأمريكية، لعل إيران تنتظر بفارغ الصبر فوز الديمقراطيين بالانتخابات الأمريكية، وذلك لأن برامج الحزب الديمقراطي كثيرا ما تركز على الشأن الداخلي الامريكي كالضمان صحي وإجتماعي وتعليم وضرائب وما الى ذلك وتخفف كثيرا من حدة إنشغالها بالشؤون الخارجية وهذا ما يمكن أن نلاحظه في دورتي وحقبتي حكم الرئيس أوباما والذي تمددت خلالهما كثيرا إيران في العراق والمنطقة.

 

ثانيا: في حال فوز الجمهوريين والذين يولون السياسة الخارجية أولوية أو كما يقال (فإن لكل رئيس أميركي جمهوري حربه)، من الواضح إن الضغط الأمريكي سيتزايد بشدة ليضيق على خناق الإقتصاد الإيراني المنهك أصلا، والذي بدأ يترك أثره على تململ وإمتعاض المواطن الإيراني البسيط، وفي حال إستمرار حزمات الحصار الأمريكي (سعر صرف الدولار قبل الحصار كان 3 آلاف تومان إيراني، حاليا سعر صرف الدولار 25 ألف تومان إيراني) فإن النظام في إيران برمته قد يكون في مواجهة الشارع، إلا إن طبيعة القيادة الإيرانية البراغماتية عودتنا على الإنحناء عندما تكون العاصفة حقيقية وقوية وبالتالي من المتوقع أن تسارع لعقد صفقة مع الولايات المتحدة الامريكية لوقف نزيف إقتصادها وتفادي تفجير نظامها من الداخل.

 

مثل هذه الصفقة لن تمر بطبيعة الحال ما لم تفرض الولايات المتحدة شروطها في العراق على حساب القوى الموالية لإيران وفي مقدمتها الفصائل المسلحة وكذلك بقية الملفات العالقة في اليمن ولبنان وسوريا مقابل تخفيف الحصار على الإقتصاد الإيراني والملف النووي.

 

على صعيد الانتخابات الايرانية التي من المتوقع إجرائها في حزيران 2021 وبسبب الوضع الاقتصادي، يتنافس داخل إيران حاليا، كل من التيار الإصلاحي الذي يحضى بجمهور عريض ويتخذ من فكرة الحد من التدخل الايراني في الشؤون الخارجية شعارا له لتقليص النفقات وترميم البيت الايراني الداخلي المضطرب إقتصاديا ومعيشيا، فوز الاصلاحيين في إيران وإنشغالهم بإصلاح الاقتصاد الايراني ورفع المستوى المعيشي قد يجلب على العراق هامش من حرية الحركة لتعميق وإستقلال القرار السيادي العراقي بعيدا عن التاثيرات الايرانية المباشرة وغير المباشرة ويخرج العراق ولو مؤقتا من وظيفة البقاء كساحة لتصفية الحسابات ورهينة للإستقطابات وسياسة المحاور الإقليمية والدولية.

 

في حين سيؤدي فوز المحافظين وهم الأقرب في توجهاتهم من الحرس الثوري الى مزيد من التصعيد والتعقيد في منطقة الشرق الاوسط والمناطق المشتعلة فيه إضافة الى تعقيدات الملف النووي وحرب المضائق المتحكمة بعصب الطاقة العالمية.

 

الجنوح في معادلة التصعيد أو التهدئة وإنعكاساته على إستقرار الساحة العراقية يعتمد بالدرجة الأساس على نتائج الإنتخابات الأمريكية وإرتداداتها على الوضع الإيراني.

 

مدير مركز دجلة للتخطيط الإستراتيجي

أقرأ أيضا