صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

أحزابنا القبلية والانشطارات الاميبية

لكل حزب، كبيراً كان ام صغيراً، أهداف محددة بعضها تكتيكية واخرى استراتيجية. ولعل الهدف المشترك لكل الاحزاب هو التخطيط للوصول الى السلطة والمشاركة في صنع القرار من خلال الطرق المتاحة.

إن أغلب النظم السياسية وبسبب وضوح اهدافها واليات القرار المؤسساتية والانتخاب فيها وغياب الرمزية الحادة والشخصنة فقد كانت تلك الاحزاب متماسكة وثابتة ومتمددة.

لعل الاقرب مثلاً في هذا السياق الحزبان الكبيران في الولايات المتحدة الامريكية (الجمهوري والديمقراطي) اللذان مضى على تأسيسهما أكثر من ١٨٠ سنة لكن لم نسمع اية انشقاق داخل الحزبين بينما احزابنا مصابة بالانشطار الاميبي والانشقاقات المستمرة.

لاننا ننحدر من انتماء قبلي ورعوي فلذلك اصبحت توجهات احزابنا عشائرية قروية يكون الامين العام للحزب رئيس عشيرة وحوله عشيرته واذا اختلف مع احد فسرعان ما تنتهي عضويته من الحزب.

اقحام الشخصنة والعقول التجارية الربحية في عمل الاحزاب حوّل الاحزاب الى دكاكين استثمار وبيع وشراء وبقالة، لذلك الذي يريد الترقي والصعود داخل الاحزاب فعليه ان يمارس فنون الطاعة والملق والتزلف والتكلف للمحفوظ الامين العام ليحظى بالاهتمام والاحترام وكسب ثقة الحزب.

لدى الاحزاب عادة، آليات وسياقات للترقية والصعود الا مصيبة أحزابنا فليس ثمة مجسات لزعيم الحزب والقيادات الوسطية لمعرفة قدرات وامكانات افرداها وكوادرها، فالذي يحكم في مقدرات احزابنا ومصائرها هو مزاج الزعيم وانفعالاته واحيانا ظنونه وتخيلاته، من هنا فان مخرجات الاحزاب لم تنتج لنا الا حشوداً من الرداحين والمداحين.

في الغالب تخشى احزابنا ممارسة الديمقراطية ومفرداتها كالانتخابات داخل احزابها خشية صعود عناصر غيرها الى قمة الهرم القيادي في الحزب. ان مشكلة اغلب احزابنا ارتباطها بالخارج دعماً وتوجيهاً ولذلك تدفع ثمن تمويلها وارتباطها فتكون كناقة الرسول (مأمورة).

الارث القبلي وتوريث الابناء والتعصب للملك والامرة حوّلت احزابنا الى مجموعات عشائرية وقبلية تحقق المكاسب والمصالح لشيخ الحزب وبطانته المقربين، ولذلك فشلت اغلب احزابنا في تسويق العدل الى خارج كياناتها لانها لم تحقق العدل داخل احزابها وفاقد الشيء لا يعطيه بالضرورة.

استغلت معظم احزابنا مشاعر البسطاء لتحشيدهم انتخابياً من خلال العزف على الوتر الطائفي والعنصري والقبلي والنبش بالماضي وتحت الارض لذرف دموع التماسيح على القبور الجماعية تحت الارض بينما تسببت اغلب احزابنا في المقابر الجماعية فوق الارض من احياء الصفيح والعشوائيات وساكني الطرقات.

الاعتياش على الماضي لتبرير اخفاقات الحاضر وتداعيات المستقبل ومن يلتفت للوراء لا ينال مراده ولا يصل المسار المقصود.

ختاما الحل الوحيد للتطوير والخروج من شرنقة السياق القروي والرعوي والوصول الى الوعي المؤسساتي والسياق الحزبي الصحيح هو الثورة الاصلاحية داخل الاحزاب وانقاذها من سلطة العشيرة وهيمنة القبيلة وجعل الاحزاب وسيلة وليست غاية بذاتها وانتزاع الاحزاب من قبضة استئثار الامين العام واحتكار القرار.

أقرأ أيضا