لقد تألق الشعب الفلسطيني (جل تألقه) وهو يصنع المعجزات ويقدم الدروس للنضال التاريخي والحق التاريخي في أرضه المقدسة فلسطين، ليس النضال المقاوم الجميل وحده، بل ان كل وجه فلسطيني، امرأة كانت أم رجلا، طفلا كان أو طفلة، أنت لا تملك لو كنت سويا، أن تعشقهم وتعشق جمالهم عشقا أبديا خالدا.. كل من تسول له نفسه أن يبحث عن زلة، كأن يعثر فيها مقاوم فلسطيني في (صخيرة)، وينفخها المتحذلق جبلا لكي يسيء لمقاوم جميل، روحه التي يحياها روحا واحدة لمرة واحدة في حياة واحدة، وهو لا يخاف خسارتها، فحصانته ليست الجنة، بل جنته فلسطين الآتية (حتما).
استطاع الشعب الفلسطيني أن يدون الأساطير التي تليت في ملحمة الطوفان السومرية ودونها السومريون قبل اكثر من سبعة الاف عام وهي أسطورة كلكامش، الشعب الفلسطيني هو وحده الذي أعاد كتابة أسطورة الحياة والموت، لم يدونها على رقم طينية ولا على ألواح طينية، بل لونها دما يزهر وردا وسوف تزدهره به فلسطين.
عام 1979 وانا عشت (ولم اقل عايشت) مذ بزغت المقاومة في لبنان، مقاومة الشعب الذي يمنح البشرية دروس الجمال، عشت مع شعب فلسطين (المقاوم) وطلبت من قيادة المقاومة ان أعيش مع فلسطينيين وهم يدافعون عن وطنهم من داخل وطنهم فلسطين، ان أعيش معهم فترة التحضير لعملية شجاعة داخل فلسطين المحتلة واتخذ القرار ثقة وتكريما، فاحضرت كاميرتي والصوت وذهبت إلى بيت على سفح جبل والبيت ضمن قصر مهدم تعرض لصواريخ الحرب الاهلية في لبنان فهجره صاحبه، والغرف فيه بقايا غرف والمقاتلون الشجعان كانوا ثلاثة، وسألتهم ماذا تبغون من عملية ستموتون فيها، الاول يريد ان يقوم بعملية يستعيد من خلالها وضع وردة في سبيل تحرير فلسطين المغتصبة، الثاني قال لي هو طريقي إلى جنة الله في السماء، الثالث قال لي مللت من سجون العرب ووسائل تعذيبهم لي وانا دونما ذنب.. ذنبي الوحيد اني فلسطيني، لن ادخل في تفاصيل المعايشة لفترة التحضير وهي مزدحمة، ولكن ما عظموا في قلبي من الحب وهم في قصر مهدم الجدران وليسوا في غرفة كاملة الجدران عندما كنت اصحو صباحا وهم يعدون أنفسهم إلى نهاية الحياة، وفي كل صباح كانوا يغسلون الغرف المهدمة التي ننام فيها وارى رغوة الصابون يدفعون بها خارج غرفنا.. فأي شعب نطيف الشكل والمضمون هذا الفلسطيني. وقبل ان نأخذ فطورنا من اللبنة والزيت والزعتر كان الواحد منهم يمسك كتف الاخر ويرقصون الدبكة الفلسطينية وينشدون (يما مويل الهوى يمه مويليه.. ضرب الخناجر ولا شمت العدا فيا)..!!
صار الطيران الاسرائيلي الأمريكي الصناعة (أف16) يحوم في سماء المكان، فساورتهم الشكوك.. كان القصر على مرتفع، والبحر بعد السفح نهايته في فلسطين المحتلة التي تكاد تبدو غيمية الجمال، فخبروني ان نترك القصر حذرا ونتوجه نحو البحر.. حملت كامرتي السينمائية وتوجهنا نحو الساحل، وكما البجع غطس الثلاثة بين موجات البحر ثم طهروا على سطح البحر وكانوا يحركون وجوههم وهم يسبحون وكان شعرهم المسدل يغطي وجوههم وينسحب منها مع الموجات المندفعة نحو الساحل، كان الوقت غروبا وضوء الشمس يلون البحر، ويلامس لونه الذهبي وجوههم الجميلة وشعرهم المسدل، وهم يضحكون.. وانا أتمتع بلقطات خالدة السحر والجمال واقف بثبات في قاع البحر مستمدا منهم الشجاعة.
فجأة داهمتني وسمعت سمفونية بحيرة البجع لتشايكوفسكي وكأنها ولدت توا في سماء الكون هدية لشعب فلسطين يكتب الأسطورة شعرا سمفونيا منذ الأزل، وسوف لن تكون محض أسطورة، هي أسطورة شعب صحت بسمفونيتها البشرية وغفا عن صحوتها المستعربون اعرابا والمستسلمون إسلاما.. والشعب الفلسطيني الذي انحازت لحقهم في فلسطين وطنهم التاريخي، شعوب الارض..!
يما مويل الهوى، يما مويليه.. ضرب الخناجر ولا شمت العدا فيا..!