مرت مدينة الموصل العراقية بتقلبات امنية وفكرية ادت الى ضعف الناتج الفكري والثقافي فيها ولعل اهم هذه التقلبات هو سيطرة اخطر تنظيم ارهابي عرفته البشرية وهو تنظيم داعش الارهابي عليها ومحاولة اتباعه دس افكارهم بالقوة داخل المجتمع الموصلي الذي عاش ايامه الاخيرة بصعوبة بالغة قبل دخولهم بسبب كمية التشتت الكبيرة التي بثتها منابر التشدد المتغافل عنها.
من ضحايا هذه التقلبات المتكررة هم الاطفال الذين كانوا وما يزالون رأس حربة الخسائر سواءً فكرياً قبل دخول التنظيم وعسكرياً اثناء معركة التحرير وثقافياً بعد اتمام عمليات التحرير الاخيرة للمدينة.
فلم ينعم اطفال مدينة الموصل بطفولة تستحق الذكر والتذكير بعدما تناقلتهم الايام فيما بينها من جحيم دس الافكار الساذجة والتكفيرية بعقولهم للفترة التي سبقت سيطرة التنظيمات الارهابية على المدينة عن طريق حلقات الذكر فاسدة المغزى الى وسط معركة التحرير التي لاناقة لهم ولا جمل كما يقال وها نحن الان نرى اغلبهم يسير نحو المجهول وسط انشغال اهليهم وذويهم باستحصال لقمة العيش التي امسى من الصعب الحصول عليها بسهولة هذه الايام لتغاضي الحكومة العراقية وانشغالها بأمور الحكم وتشكيل الحكومة الجديدة.
اطفال مدينتي الذين بتنا نعتبرهم لبنة المستقبل البعيد في بناء الموصل بعد تدميرها ومحو تاريخه وغسل ادمغة البعض من قاطنيها الذين لايزالون يحاولون انتزاع الافكار السلبية من عقولهم وسط محاولات بعض رجال الدين المتطرفين اعادة بلورة المجتمع الموصلي نحو جره الى الانصياع لأسلوب القطيع والراعي، ظناً منهم ان هكذا مجتمعات لا تٌحكم الا بتفعيل دور المنجل والقصاص الديني، بدل الدعوة الى استيعاب المخطئ واعادة تدويره من جديد لدمجه بالمجتمع الموصلي.
لو ركبت عجلتك وحاولت التجوال داخل الشوارع العامة في اي حي من احياء الموصل، ستجد قسمين من الاطفال الذين يتجمعون على الارصفة بين شارع واخر واثار الجوع والتعب والحرمان ظاهرة على محياهم الخارجي وتركيبتهم النفسية, القسم الاول يحاول بشتى الطرق جمع اي مبلغ مادي لتغطية احتياجات عائلته التي اضناها الفقر الاخير الذي ضرب المدينة بعد الاحداث الاخيرة, والقسم الثاني وهو الاخطر ويتم استغلاله من قبل بعض ضعفاء النفوس في عصابات باتت في الاونة الاخيرة منظمة فيما بينها بتركيب خيطي يصعب به الوصول الى القيادي فيه مهمتها هو استحصال الكمية الاكبر من الاموال عن طريق التسول والاحتيال ولربما تصل في بعض الاحيان الى السرقة لممتلكات عامة الناس.
أما في الجانب الاخر من المدينة الذي اعتبر منكوباً بعد عمليات القتال الاخيرة التي خاضتها القوات العراقية ضد تنظيم داعش الارهابي ستجد نوعاً اخراً من المذكور اعلاه فهم اطفال يضنيهم الجوع والعوز لأبسط متطلبات الحياة الكريمة، فلولا تدخل بعض الشباب المتطوعين الذين باتت مدينة الموصل تزخر وتحتفي بهم لضاعوا بين اقطاب الموت والامراض والحرمان.
كل القاطنين داخل مدينة الموصل باتوا مؤمنين بواجبهم تجاه اطفال المدينة وبتنا نشاهد اهتمام اغلب الشباب والمنظمات الاغاثية بعمليات تقديم المساعدة التعليمية والاغاثية لهم وتوفير البعض من الاحتياجات الضرورية لاستمرارهم بالحياة الكريمة ولكن هذا لا يكفي بدون وجود تدخل حكومي مركزي او محلي لحل ازمة الاطفال المشردين وبعض ذراري العناصر الارهابية الذين خلفوهم ورائهم بعد مقتلهم في العمليات الاخيرة لدمجهم من جديد بالمجتمع الموصلي بعد ادخالهم بدورات تثقيفية وتعليمية تنهض بمستواهم الفكري من جديد نحو عملية بناء عقولهم لأعادة تنظيفها من جديد اسوة بباقي الاطفال فأذا اصابنا الوهن والضعف فيما يخص اعادة بلورة افكارهم سنعاني في المستقبل من تحولات خطيرة في سلوكهم قد يدفعنا ويدفع المجتمع الذي يقطنونه نحو الهاوية ونعود من جديد للدوران حول انفسنا.