منذ عقود يتساءل الكثيرون عن سبب عدم حصول تغيير ايجابي في الحياة السياسية للبلد، رغم العديد من الفرص التاريخية التي حدث فيها تغيير سياسي إيجابي، لكنه في النهاية لم يقد الى تغيير ايجابي في مصائر الناس والبلد، وإذا أردنا أن نكون أكثر تحديدا فاننا نتساءل لماذا لم يحدث التغيير المنشود بعد فرصة زوال نظام حزب البعث وصدام حسين وتعثر المسار لمدة 15 عاما لحد الان؟
لقد تمت الإطاحة بنظام البعث بعملية عسكرية قامت بها قوة اجنبية، ولم يكن للشعب العراقي أو قوى المعارضة أي دور في ذلك، وبالطبع فان القوة الاجنبية راعت في عمليتها العسكرية مصالحها واولوياتها التي كانت في الغالب تتقاطع مع مصالح العراق واولوياته كما أن جهوزية النخبة السياسية المعارضة وغيرها من الاطر السياسية والاجتماعية، لم تكن كافية لاستيعاب ولاستفادة من العمل العسكري لان القدرة على التحشيد وممارسة الدور السياسي مفقودة أو ضعيفة في احسن الاحوال سيما ونحن نعلم ان نظام صدام حسين لم يبق ولا حتى اي شكل تنظيمي سياسي او اجتماعي ولو جنيني وهو ما أورث تشوهات حادة في المجتمع، عموما كان لها تاثيرها السلبي في صنع مصير البلد ومع ذلك فان هناك حاجة للاجابة على سؤال ملح وشرعي عن سبب عدم حصول التغيير الايجابي المأمول، سيما وأن غالبية الشعب العراقي تريده وتنتظره للاجابة على هذا السؤال علينا أن نعود قليلا الى الوراء زمنيا لرصد بعض إشكاليات المجتمع العراقي التي كانت الاساس لمعظم مشاكله والكلف الكبيرة التي تكبدها دون فائدة.
إن المجتمع العراقي مكون من عناصر متعددة ومختلفة والتي كان يمكن أن تشكل مصدرا لثراء المجتمع، وقوته لكن عدم وجود نظام سياسي قائم على الاعتراف بهدا التنوع واستيعابه سياسيا وقانونيا أدى الى ان يكون التنوع مصدرا لعدم الاستقرار وتمزق المجتمع سياسيا إد أنه حتى في ظل النظام الملكي الاقل عدوانية في نظرته للتنوع، فقد كانت هناك قوى داخل النظام تتحرك ضد اي نظرة ايجابية او اجراء يترجم هذا التنوع سياسيا، والامثلة على ذلك كثيرة، فرد الفعل الحكومي ضد الاشوريين في اوائل ثلاثينات القرن الماضي كان صادما، ولا يتناسب مع طبيعة النظام المعروفة وقد تكرر الامر مع عشائر الفرات الاوسط الي عانت من قمع وعنف غير مبرر حتى ضمن أهداف الحكم.
إن القوى العميقة داخل النظام ظلت دائما موجودة حتى في الأنظمة اللاحقة للنظام الملكي مع اختلاف دورها وقوته مقابل قوة المجتمع والاسوا من دلك ان افكار هذه القوى وليس بالضرورة القوى ذاتها كانت موجودة في بعض شرائح المجتمع حتى التي تتعاكس مصالحها مع تلك القوى، ويعود ذلك الى عدم وضوح الفواصل بين الطبقات الاجتماعية وتاثير منظومة القيم (مجموعة القيم الاجتماعية والعادات والتقاليد والدين)، اضافة للتاثير السلبي للتنوع بحسب الحاكمين الدين اعتبروه عاهة تجب معالجتها ونتوءا عن جسد المجتمع المستوي يجب تعديله او استئصاله.
إن معظم القوى السياسية الحاكمة والمتصدرة، وخاصة أحزاب الاسلام السياسي، تعادي التغيير الذي وجدت اساسا من اجل تحقيقه، لان مصالحها تتضرر بالتغيير، سيما وأن إيديولوجيتها القائمة على مزيج من الادعاءات الدينية والقيم الاجتماعية المتخلفة.
لقد تصدت هده القوى للتغيير وبحسب فهمها له وكان في داخلها جزء يريد التغيير وجزء يعاديه في العمق، وهو امر لم يكن مفروزا ايام المعارضة ولكن بعد الوصول للسلطة انتصرت القوى المعادية للتغيير..انتصرت لقيمها الاجتماعية والدينية.
وهكذا يتبين أن القوى المضادة للتغيير الايجابي كامنة حتى في الكيانات التي من مصلحتها التغيير وهو امر ثبت اكثر من مرة في الماضي لحين الوصول الى تغيير 2003حين دافعت كيانات شيعية ضد التغيير تحت شعارات ليست بعيدة عن شعارات صدام والبعث.