صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

أمريكا وإيران: سجال الأولويات

(1)

للولايات المتحدة أربعة أنواع من السياسات الخارجية:

– سياسة الصداقة والاحترام المتبادل: مع دول الاتحاد الأوروبي واليابان.

– سياسة التوازن (الأنداد): مع الصين وروسيا.

– سياسة الاحتواء والاستغلال: مع العرب.

– سياسة العداء: مع إيران.

كيف تختار امريكا نوعية العلاقة؟ يعتمد على عوامل كثيرة. الخمينيون (كخط مميز من ورثة الثورة) يقلصون السياسة الأمريكية الى خيارين، وهما: العدائية أو الاحتواء. هم يخشون انهم إذا ما تخلوا عن العدائية سيقعون تلقائيا في النوع الثاني من سياسات امربكا وهو الاحتواء/ الاستغلال/ التأثير. أوباما أراد ان يجعل لإيران خيارا ثالثا وهو التوازن (أبعدي شرّك عني أُبْعِدُ شرّي عنكِ) وهذا لم يدم! لأن هناك من المصالح في كلا البلدين تجعلهما يتحركان نحو العدائية.

(2)

في هذه المواجهة تمتلك إيران في صالحها عدة أساليب غير متوفرة لأمريكا، منها:

– المراوغة بنفس طويل جدا: إيران تصبر لعقود، أما امريكا فهي تمل وتنسحب.

– الحرب بالواسطة: إيران تستخدم الشيعة الاخرين في العراق ولبنان وسوريا واليمن وأفغانستان. وأمريكا لا تستطيع ان تقاتل في جبهات متعددة.

– الضغط الشعبي: الرأي الإمريكي العام يؤثر على سياسات امريكا الخارجية وممكن ان يجبرها على خيارات معينة. أما إيران، فلا تخضع للضغط الشعبي (ترفع شعار المظلومية والحسين والمهدي وتبسط نفوذها على أتباعها!!).

– الجغرافية: امريكا بعيدة ولا تستطيع المكوث طويلا في حرب البارجات.

– الشعور الإسلامي: هناك الكثير من التعاطف العالمي مع المسلمين ضد ما يسمى بالإمبريالية.

(3)

السجال بين الإمريكان والإيرانيين هو سجال أولويات بين الملموس والمغيب:

أ- أصحاب الملموس بجدون قيمة في أن يعيش الإنسان براحة في هذه الدنيا، وهذا يتطلب مرونة وذكاء ومساومة واتفاق مع العدو.

ب- أصحاب المغيب لا يعطون لأمور الدنيا، لا وحتى الحياة ذاتها، أي أهمية ما دام المبدأ الذي صمموه او صُمم لهم غيبياً هو الأعلى في الحسابات. وبدافع من هذا المبدأ فإنهم يرون في الجوع والعزلة والموت لذة؛ هي برأيهم إشباع للمغيب أعلى قيمة من أي خضوع لسعادات الدنيا؛ لذا حينما يواجه أصحاب الطرفُ الثاني الطرفَ الأول (كما تواجه إيران امريكا) يتجهون للغيبيات لإقناع شعوبهم ان ما بجري عليهم من ضيم هو في سبيل رضا الله.

(4)

ذهاب الجناح المتشدد من الإيرانيين إلى المصالحة مع أمريكا يعني في نظرهم إنهاء الثورة الإيرانية كما أسسها ورآها الخميني. المتشددون هم روح الثورة ووقود مشعلها وعامل استمرارها. إيران بالمتشددين تعني: فرض ولاية الفقيه، تصدير الثورة، الحرب الدائمة ضد الاستكبار العالمي. الجناح غير المتشدد من رفسنجاني الى خاتمي الى روحاني ضعيف، وليس باستطاعته قلب الموازين. الحل هو ان يفهم المتشددون نوعا من البراغماتية التي تكفل لهم الوجود والاستمرار، وأيضاً تأتي على شعوبهم بقليل من الخير والأمان. العراق له (طفاي النار) مما يحدث داخل إيران: إن استمر المتشددون بغطرستهم فالعراق مائل الى الكثير من التعقيد والمشاكل، وإن – بقدرة قادر – روّض المتشددون سياساتهم فهذا سيأتي علينا بنوع من الاستقرار.

(5)

يبدو ان ما في داخل إيران هو zero sum game ما بين روح الثورة والتطبيع. ان اتجهت إيران نحو التطبيع البراغماني مع الاخرين فهذا يضعف من روح الثورة، وان استمرت إيران بالحفاظ على روح الثورة فهدا يعني الكثير من العدائية للاخرين واستمرار العزلة التي يدفع العراق ثمنا نتيجة لها.

(6)

الخطة الترامبية لإيران:

ترامب منذ الأيام الأولى قال إن الاتفاق النووي لم يكن عادلا بالنسبة للمحور الأمريكي الإسرائيلي السعودي (إذا صحّتْ التسمية)؛ لذا وَعَدَ حينما يفوز بالانتخابات سوف يلغي الاتفاق ويأتي باتفاقية ينتزع من إيران اكثر مما انتزع منه أوباما. الخطة الترمبية تتكون من ثلاث خطوات: (1) إلغاء الاتفاق، (2) العقوبات الاقتصادية الصارمة، (3) الجلوس مع الإيرانيين مرة أخرى للرجوع الى المفاوضات. نحن الآن في الخطوة الثالثة. لا خيار أمام الإيرانيين سوى الرجوع الى المفاوضات او الاستمرار في المقاومة. الاستمرار في المقاومة يعني التجويع والعزلة والضغط الشعبي من الداخل. أما الرجوع الى المفاوضات، هو في نظر بعض الإيرانيين تحدٍ للثورة والكبرياء الإيراني الفارسي. لذا ربما تلجأ إيران إلى استخدام آخر أوراقها قبل اللجوء الى المفاوضات، وهذا ربما يعني خيار الحرب، وهو ما نسأل الله أن يجنبنا إياه. الربط القائل بان إيران التي قاومت لأربعة عقود مازالت قادرة على الاستمرار لا يبدو منطيقا. العوامل اختلفت اليوم، والعالم تغير، والجيل الإيراني في رحاب العولمة تبدل، والمسلمون يعيشون بعد الربيع العربي في خيبة أمل من دينهم “الموروث”، والجميع يتطلعون إلى العيش الكريم. المراهنة على استمرار المقاومة على حساب الناس اصبح رهانا ضعيفا ومغامراً؛ لذا لا يمكن استدامة المقاومة الى لا نهاية. ما دام مصير إيران الاقتصادي مرتبط بالنفط، والنفط مرتبط بالعالم، فمن الصعب تخيل هذه الاستدامة بالاعتماد على النفس من الداخل.

أقرأ أيضا