صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

أين دور النخبة؟

مع التراجع المستمر في الاوضاع في كل النواحي ومع ازدياد عجز ويأس الناس من التغيير اخذت الاصوات تتعالى شاكية محتجة حتى وصل الامر بكثيرين لتمنى الدكتاتورية بديلا عن الوضع الحالي وغير ذلك من حلول غيبية وغير واقعية غالبا ما تاخذ طابعا شعبويا ينساق معه كثير من المحسوبين على المثقفين دون أن يلتفت هؤلاء أولا لتحديد نوع الخلل او اساس المشكلة في العراق كي يمكن على ضوء ذلك التفكير بالحلول.

إن الوضع الراهن هو نتاج عشرات السنين من الحروب والدكتاتوريات والاحتلال والنفوذ الاجنبي، ما أدى الى القضاء على الوعي الذي ميز المجتمع العراقي في فترات زمنية سابقة والوعي الحالي يتناغم مع طبيعة النظام السياسي واداءه وفي تعاطي النسبة الاكبر من الراي العام الشعبي.

إن أحد اهم العوامل الاساسية في تراجع الوعي الشعبي العراقي ووصوله الى وضعه المتدني الحالي يعود  الى انهيار الطبقة الوسطى العراقية الناجم عن الظروف التي مر بها وعاشها العراق خلال العقودالماضية والى الاجراءات المتعمدة للسلطة ضد هذه الطبقة، ناهيك عن اجراءات وسياسات اتخذتها هذه السلطة تعبيرا عن مصالحها وتوجهاتها السياسية أضرت بشكل غير مباشر بهذه الطبقة التي يعود اليها الفضل في النهضة الثقافية والاقتصادية في خمسينات واوائل ستينات القرن الماضي, ورغم دور العامل الاجنبي المهم في وصول امور العراق الى ماهي عليه الان، وهو ما يجب التأكيد عليه، فان هذا العامل يأتي بعد العامل الداخلي مع العلم ان العامل الاجنبي في ظل ظروف العراق والعالم ووجود النفط فيه هو تحصيل حاصل سيما وتركيبة العراق السكانية وتنوعه وثرواته ونظام الاقلية السياسي الذي استدعى العنصر الاجنبي لحسم الصراع مع الاغلبية في احيان عدة كما حدث بعد ثورة 14 تموز 1958 حين تعاونت القوى المتضررة من بعض القرارات والاجراءات التي اتخذتها لمصلحة الغالبية مع  قوى دولية استشعرت الخطر من توجهات هذه الثورة لاسقاطها وهو الامر الذي اثمر عن انقلاب 8شباط 1963 وغير ذلك كان لسياسات متهورة وغير منطقية وغير مبررة كغزو الكويت دور كبير وواضح في استدعاء الدور الاجنبي وفي العموم فان الاقليات الحاكمة لطالما لم تجد حرجا في حسم صراعها مع الاغلبية بالتنسيق مع الاجنبي.

إن الرغبة في التغيير الايجابي للاوضاع السيئة السائدة لايجب ان يكون مرهونا بعودة المجتمع الى وضعه السابق وهو امر لايحصل بقرار من احد بل يحتاج لظروف وتطورات سياسية واقتصادية واجتماعية كعودة الطبقة الوسطى لدورها وعودة الوعي للمجتمع وغير ذلك من شروط تحتاج وقتا غير متاح.

إن من الضروري البحث عن طرق واساليب تهيئ لتغيير تمس الحاجة له لانقاذ البلد من الزوال اذا استمر الاسلاميون في اداءهم,ان قتامة الصورة لا يجب أن تحجب عنا امكانيات التغيير التي يتم تجاهلها خاصة من قبل النخبة المرشحة للقيام بدور اساسي في التغيير هذه النخبة المقصرة اولا بحق نفسها ودورها ثم شعبها وذلك بعدم تنظيمها نفسها واكتفاءها بجهود فردية ذات طابع نرجسي احيانا متعكزة على قناعة باستحالة التغيير ضمن الظروف الحالية وهو ماتدحضه تجارب شعوب عدة استطاعت نخبها انقاذ بلدانها من ظروف سيئة مشابهة في بعض الوجوه لظروف العراق.

يتوفر العراق على اعداد هائلة من الكفاءات العالية في السياسة والاقتصاد والادارة وغير ذلك منتشرة في كافة أصقاع العالم وفي داخل العراق ذاته وهي تحتاج الى اطار تنظيمي ليس بالضرورة على شكل حزب سياسي وانما شكل تنظيمي يسمح بتجميع هذه الكفاءات وتصنيفها وتوفير منصة للمساهمة في الحياة العامة بعد تكوين تصورات محددة للاوضاع والحلول المفترضة ووضع سلم للاولويات المناسبة وهذا الامر ليس منوطا بتوفير النظام الحالي لمنفذ او مجال لعمل النخبة وهو مادابت النخبة على الشكوى من عدم توفره كشرط لتفعيل دورها ..ان عمل النخبة لن يكون امرا سهلا وموضع ترحيب تلقائي ولا يجب توقع نتائج له في فترة زمنية قصيرة لكن النتيجة الاولى التي يتوقع حصولها  هي نوع من اعادة الاصطفافات  في المجتمع وخلق ظروف جديدة لامكانيات العمل الايجابي ماسيؤثرعلى القوى الحاكمة بشكل مباشر او عبر ضغوط جمهورها.

أقرأ أيضا