“وأنت تخوض حروبك, فكّر بغيرك … لا تنسَ من يطلبون السلام
وأنت تسدد فاتورة الماء، فكّر بغيرك… من يرضعون الغمام
وأنت تعود إلى البيت، بيتك، فكرّ بغيرك… لا تنسَ شعب الخيام”
يبدو يا درويش أن الفكرة لا تكمن بنسيان شعب الخيام وإنما تكمن بنسياننا لإنسانيتنا. وبات تحويل إشكال فردي إلى جريمة عنصرية مقيتة شربة ماء عند البعض.
لم يمر ليل السبت الفائت بسلام على النازحين السوريين في مخيم بحنين شمال لبنان. تلاسن ثم تضارب ، ثم إطلاق نار فإحراق للمخيم الذي يضم حوالي 75 أسرة سورية لاجئة.
تتعدد الروايات، وبانتظار التحقيقات الرسمية هناك المئات من السوريين من دون مأوى في هذا البرد القارس. والمساعدات خجولة وتقتصرعلى المبادرات الفردية ممن لم تغادر الرحمة قلوبهم.ولا حاجة للحديث عن التحرك الرسمي فدولتنا مُفلسة أخلاقياً ومنهوبة إقتصادياً لذا تكتفي ببيانات الدانة فقط.
تقول الرواية الأولى أن شبان من آل المير لاحقوا فتاة من المخيم وهذا ما أزعج أهلها فحصل تلاسن تطور إلى اشتباك فإحراق للمخيم.
فيما يقول البعض أن إشكالاً فردياً بين مجموعة من الشبان اللبنانيين وعمال سوريين على خلفية خلاف مادي تطور إلى تضارب وإطلاق نار. ليعمد فيما بعد ثلاثة شبان لبنانيين للوقوف على باب المخيم وإمهال النساء والأطفال نصف ساعة لمغادرة المخيم من دون الرجال ليقوموا بإحراق الخيم لاحقاً.
وأوضح المتحدث باسم المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في الأمم المتحدة خالد كبارة “أن حريقاً كبيراً اندلع في مخيم للاجئين بمنطقة المنية، وامتد الحريق لكل مساكن المخيم” مما أدى إلى سقوط عدداً من الجرحى الذين نقلوا إلى مستشفى قريب.
حالات هلع في صفوف النازحين، وروايات مؤلمة عن تلك الليلة، فتقول إحدى الناجيات “هربنا بأرواحنا ما وعينا على شيء كان همنا ما نموت حريق.”
وبحرقة وغصة تقول سيدة أخرى “وكأن العذاب قدرنا نهرب من موت لنوقع بموت ثاني ما بعرف كيف بعدنا عايشين، وما بعرف بأي ذنب عم نتحاسب. ليش ليقتلونا بسبب خلاف شخصي.”
من جانبها، كررت الدولة السورية دعوتها للنازحين السوريين الموجودين في لبنان للعودة إلى بلادهم.
واجتاحت مواقع التواصل الإجتماعي حملة تضامن شعبية واسعة مع النازحين السوريين وتنديد بالتصرفات العنصرية بحقهم ومطالبة بتحقيقات عادلة من دون أي ضغوط سياسية لينال المجرمون عقابهم.
وتجدر الإشارة إلى أن هذه الحادثة ليست الأولى من نوعها، ففي نهاية نوفمبر الماضي غادرت حوالي 270 أسرة سورية منطقة بشري الشمالية تخوفاً من أعمال انتقامية على خلفية مقتل شاب لبناني من أبناء المنطقة على يد أحد العمال السوريين المقيمين في البلدة.
على أمل أن ينتهي هذا العام بسلام بعد كل هذا الألم فلنتأمل كلام محمود درويش
“وأنت تنام وتحصي الكواكب، فكّر بغيرك… ثمة من لم يجد حيزاً للمنام
وأنت تفكرّ بالآخرين البعيدين، فكّر بنفسك… قُل: ليتني شمعة في الظلام”