بعد أن أنهيت قراءة رواية المبدع الدكتور اياد طه، والتي منحها عنواناً مشفراً “س ع” منشورات دار الأيام للنشر والتوزيع بالأردن 2020، تساءلت في بداية اطلاعي السريع على الرواية لماذا لم تنتبه الساحة النقدية والإعلامية في العراق والوطن العربي لهذه الرواية؟ هل يخافون من الحديث عنها؟ ام يخافون من احداثها الحقيقية؟.
وكيف استطاع الكاتب أن يقترب بجرأة كبيرة من ممارسات مافيا الدولة رغم ان هذا الموضوع جداً صعب بالمفهوم الفني والفكري والسياسي والامني؟، وهل الساردة العربية ستمتلك الجرأة وتفتح مستقبلاً أبواباً او موضوعات عجز السارد العربي عن فتحها في ماضي الرواية وحاضرها؟.
لم يكتب الروائي شعرية السرد بل كتب واقعيته ومباشرته الصريحة بشفرات إستخباراتية امنية دقيقة في الخفاء والغموض، وفيها رسائل كثيرة مشفرة كل منها تحمل اسم وجهة حقيقية ودولة، بطل الرواية ضابط وطني عبر بحذائه الانيق وبدلته الكحلية الرسمية وساعته اليدوية المتوقفة الى الان على ( 10:10) دون أي حركة من يده اليمنى كل المسميات الحزبية والكتل السياسية المنقسمة، ليحكم على نفسه بالوحدة، وانشغل واهتم بقضية تاريخية للممارسات السلبية لقادة من الأجهزة الأمنية المختلفة في العراق الجديد، وبعد ان قدم في روايته “س ع” الكثير من التأمل السردي التاريخي الفكري حول الإرهاب وأسبابه ومجازره وضحاياه ومن يدعمه خلف الكواليس، وضع الروائي بين ايدينا مكاشفة صريحة بل صارخة رافضة لما ينجزه بعض المنتمين للأجهزة الأمنية في وطن هو نموذج لما يقع الان في دولة مجاورة للعراق وذات الطابع الاستبدادي البوليسي والتي كان للبطل دور بارز ومهم فيها، ومن اهم منجزاته في هذا البلد هو خبر “فوق العادة” عاجل سطرته كل المواقع والصحف والفضائيات العالمية.
ما تطرق له الكاتب في الرواية “س ع” يمكن إدراجه ضمن المحرمات والممنوعات في الفن عموماً والرواية بخاصة، إلى جانب الدين والسلطة والقضاء، وقد نبهتنا روايته إلى مسائل ورسائل كثيرة مشفرة لم تنتبه لها الكثير من الأبحاث الأكاديمية، ومراكز الدراسات الدولية الاستراتيجية.
وانا أرى بأن قارئ هذه الرواية يحتاج لمعرفة مفهوم دولة المافيا والكثير من المفاهيم المرافقة لها لكي يستطيع تأويل الأبعاد الفكرية والسياسية لها، ودولة المافيا تتشكل عندما ترتبط مؤسسات الدولة مثل الحكومة والمجالس المنتخبة محلياً بالجريمة المنظمة ويشارك المسؤولون الحكوميون والأجهزة الأمنية المختلفة في أعمال غير مشروعة، و تتشكل دولة المافيا عندما ترتبط جماعات إجرامية منظمة بشكل قوي بالسلطات .
“س ع” سلسلة متصلة من الأحداث الحقيقية التي حصلت وما زالت الى غاية الان ترتبط مع بعضها ارتباط السبب بالنتيجة لتصل في النهاية إلى حل مرضي للكاتب، وهو يوازي في روايته بين الحبكة والشخصية فالشخصية هي الحبكة والحبكة هي الشخصية، وأن حبكة الرواية اعتمدت ثلاثة عناصر مهمة أولها “الصراع” الذي كان على ارض بلده وانتقل الى بلد مجاور له والعنصر الثاني هو “العقيدة” التي يحملها الكاتب عقيدة حب الوطن والايمان بأرضه وشعبه وألوانه والعنصر الثالث “الحل” الذي وضعه هذا الكاتب العبقري في هندسة الكفاح والإلهام في نهاية روايته.
هذه الرواية مهمة جداً لجهاز المخابرات الوطني العراقي وكذلك للمُشرع ومجلس القضاء الأعلى حتى يعرفوا لماذا كان الشعب طيلة السنوات الماضية ولغاية الان مطلوب للقتل!.